printlogo


printlogo


□ مقالة/ الجزء الثاني والأخیر
الأصالة والمعاصرة في نظرية أهل البيت(ع)

الانتباه: الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي «الآفاق» بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
▪ النقطة الرابعة: تعددّ الاجتهادات
وحينما قرّر الأئمة من أهل البيت‌(ع) ان الفقهاءهم المرجع الشرعى‌ والفقهي والفكري لكل العلوم ‏الإسلامية فان واقعاً‌ جديداً انفتح امام هذه النظرية هذا الواقع هو عبارة عن تعدد الاجتهادات الذى يفرضه ‏تعدد الكفاءات والمذاقات العلمية من ناحية، والبعد عن زمن النص ولغته ومجتمعه من ناحية ثانية.‏
امام هذا الواقع قرّر أهل البيت‌(ع) اعطاء الشرعيّة والحجّية لجميع هذه الاجتهادات - طبق الشروط ‏الموضوعة للمجتهد ولمصادر التشريع، ومن هنا فقد أضحى “الفقهاء - كلهم - امناء الرسل ”، وكذلك ‏‏“من كان من الفقهاء… ” و“من كان راوٍ لحديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا ” وغير ذلك من النصوص ‏الشريفة التي جاءت بلسان الجمع وليس المفرد.‏
ومن المفيد ان نؤكد هنا ان اعطاء المرجعيّة والشرعيّة للاجتهادات المختلفة لم يكن يعني ‌إصابة هذه ‏الاجتهادات وتطابقها مع الواقع الشرعي الذى هو فى‌علم الله، وإنّما يعنى‌حالة من الامضاء لفتاوى هؤلاء ‏المجتهدين، والتسامح الاضطراري بعد غياب الإمام المعصوم من أجل حل معضلة الفراغ في الزعامة ‏الفكريّة.‏
إلا ان نظرية أهل البيت‌(ع) لم تطلق الباب مفتوحاً للاجتهادات الفقهيّة والفكريّة وإنّما وضعوا لذلك ‏ثلاثة تحديدات:‏
التحديد الأول: تحديد آلية الاستنباط، وهو ما اصطلح عليه الفقهاء باتباع العلم أو العلمي، وهم يقصدون ‏باتباع العلم حالة ما إذا كان للفقيه قناعة يقينيّة بما يراه عبر الدلائل والحجج الشرعيّة، ويقصدون باتباع ‏العلمى حالة ما إذا لم يكن للفقيه يقين بالمسألة وإنّما اعتمد في ‌رؤيته على نتائج الأدلة العلميّة المقرّة ‏شرعاً، حاله في ذلك حال الطبيب حينما يعتمد على أدواته العلميّة ليصل إلى نتيجة معينه يعطي رأية ‏النهائي بها حتّى إذا لم يبلغ مستوى اليقين الكامل.‏
بملاحظة هذا التحديد لعملية الاجتهاد بطريق “العلم ” و“العلمي” سوف يغلق الباب على “تحريف ‏الغالين ” و“تأويل الجاهلين ” و“انتحال المبطلين” كما جاء في الرواية الشريفة‌ السابقة.‏
التحديد الثاني‌: تحديد مصادر التشريع بالكتاب والسنّة وفقاً لما جاء عنهم‌(ع) في تفسير الكتاب ‏وشرح السنّة، منعاً عن اعتماد أية مصادر أخرى في عملية استنباط الحكم الشرعي.‏
مؤكدين ان اعتماد أي‌ مصدر آخر غير الكتاب والسنّة مثل “الرأي” و“القياس غير المعتبر و… ” هو ‏‏“محق للدين ” وأغلظّوا القول في التشنيع على من يعتمد تلك المصادر قائلين:‏
‏“ان أول من قاس إبليس“. كما جاء عن الإمام الصادق‌(ع).‏
و“ثلاثة لا يقبل معهن عمل: ‌الشرك، والفكر، والرأي، قالوا: يا أمير المؤمنين ما الرأي؟ قال: تدع كتاب ‏الله وسنة رسوله وتعمل بالرأي ” كما جاء عن الإمام علي‌(ع).‏
وفي الوقت الذي ‌تبنى فيه فقهاء مذهب أهل البيت‌(ع) العمل بالعقل والاجماع باعتبارهما مصدرين ‏للتشريع إلا ان ذلك لم يكن على حساب العمل بالكتاب والسنّة ولا في موازاتهما ولا اعتقاداً بوجود ‏فراغ مصدري لكي نملأه بالعقل والاجماع.‏
ان اعتماد الاجماع كمصدر تشريعي ‌إنّما هو باعتباره كاشفاً عن قول المعصوم ورأيه ومن دون ذلك لا ‏حجية‌ للاجماع.‏
وأما العقل فان مدرسة أهل البيت‌(ع) اعتمدت العقل فى‌مجالين:‏
المجال الأول: تحصيل المعارف الاعتقاديّة
المجال الثاني: اكتشاف حكم الشرع باعتبار أن “ كل ما حكم به العقل حكم به الشرع ” من قبيل قبح ‏الظلم والكذب والاعتداء وما شاكل ذلك.‏
وفي ‌هذا المجال يقرّر فقهاء الشيعة‌ أن حكم العقل ليس له أى اعتبار حينما يكون ظنياً، واما حين يكون ‏قطعياً يقينيّاً فان حجيته واعتباره يكون أمراً ذاتياً لان القطع واليقين له حجية ذاتيّة تكوينيّة.‏
التحديد الثالث: تحديد صفات المرجع الفكرى الذي يحق له التعبير عن الفقه والفكر الاسلامي.‏
فقد وضع أهل البيت‌(ع) لهذا المرجع شروطاً أهمها “ الفقاهة ” و“العدالة ”.‏
‏“الفقاهة ” تعني بلوغ المستوى العلمي الذي ‌يؤهل صاحبه لعملية الاستنباط ويمنحه حق الاجتهاد.‏
و“العدالة ” تعني الالتزام الكامل باحكام الشرع، والاخلاص الكبير في عملية التصدي لموقع الزعامة ‏الدينيّة، وهذه العدالة تنسحب على أنماط السلوك الشخصي للمرجع فيكون قدوة في الزهد والصبر ‏والخلق الرفيع والاعراض عن مواقع الدنيا، والابتعاد عن سلاطين الجور، وعدم التأثر بالاغراءات وتحري ‏الدقة الكافية في عملية الاستنباط وغير ذلك.‏
▪ النقطة ‌الخامسة: دور الزمان والمكان
هل تتأثر الاحكام الشرعيّة بعامل الزمان والمكان؟
ان أحداً لا يستطيع ان يرفض هذا التأثير حيث لا يمكن افتراض قدرة الإسلام على مواكبة العصر ‏ومستجداته إذا لم نقبل بقدرته على التكيف مع مقتضيات العصر ومستجداته.‏
و لكن السؤال الأهم هو درجة هذا التأثير ونوعه.‏
هناك مستويان للتأثير:‏
المستوى الأول: التأثير على أصل الحكم الشرعي وتغييره أو تعديله، مثال ذلك أن يصبح شرب الخمر ‏حلالاً، والربا مباحاً، والاختلاط الجنسي مشروعاً وما شاكل ذلك.‏
المستوى الثاني: التأثير على موضوعات الاحكام وتطبيقاتها الخارجيّة، فالسينما تصبح مشروعة، والبنوك ‏تتحوّل إلى شركات مضاربة، والخدمة العسكرية للدولة تصبح واجبة، والقتل يصبح شهادة‌ مباركة‌ ‏والمشاركة السياسية تصبح عملاً عبادياً وما شاكل ذلك.‏
اننا في المستوى الأول نواجه إلغاءاً للحكم الشرعي ومسحاً له، وهذا ما يعتبر تجاوزاً على الشرع ‏وخروجاً عن الأصالة، وهو مرفوض في نظرية أهل البيت إجمالاً وتفصيلاً.‏
اما في المستوى الثاني ‌فاننا نواجه تحولاً في الواقع الخارجي‌ وتبدلاً في‌عنوانه الأمر الذي يفرض طبيعياً ‏تغيراً في‌الحكم الشرعي، لأن الاحكام ثابتة على موضوعاتها وعناوينها، فاذا تحوّلت الأداة السينمائية إلى ‏فرصة تربية أو ترويح نفسي ‌غير ملوّث فانه ستصبح مشروعة بطبيعة الحال، وهكذا في الأمثلة الباقية.‏
ان نظرية ‌أهل البيت(ع) تؤمن بدور الزمان والمكان في‌عملية الاجتهاد واستكشاف ‌الحكم الشرعي ‏القائم على موضوعه، بل تعتبر ان عدم الاعتراف بهذا الدور وفي‌هذا المستوى لا يعدو أن يكون تحجراً ‏وتعاملاً حرفياً جافاً مع أحكام الشريعة بعيداً عن فهم أهدافها وغاياتها.‏
ان هذا الانفتاح الموضوعي ‌في ‌مدرسة أهل البيت‌(ع) هو الذي مكّن اتباع هذه المدرسة من ‏النجاح في ‌اعظم تجربة سياسيّة واجتماعيّة معاصرة تتمثل بقيادة دولة كبرى مثل ايران، والاقتدار في ‏مواجهة مختلف التحديات المعاصرة بجدارة وكفاءة عالية دون أي ابتعاد أو تنازل أو تراجع عن أحكام ‏الشريعة الإسلامية، سواءً في مجالات العلاقات السياسية الخارجية، أو ادارة الاقتصاد الداخلي والخارجي، ‏أو بناء المجتمع في‌ضوء المنهج الاجتماعي في ‌الاسلام وغير ذلك.‏
▪ خلاصة النظرية
اننا نستطيع ان نلخّص نظرية أهل البيت‌(ع) في مسألة الأصالة والمعاصرة بعبارة “الأصالة الإسلامية ‏المنفتحة على الواقع، والعصرنة الملتزمة باحكام الشريعة ومناهجها ”.‏
حيث اننا نجد نوعين من الأصالة:‏
نجد أصالة مغلقة لا تنفتح على مقتضيات العصر وهذه مرفوضة في‌نظرية أهل البيت‌(ع)، ونجد أصالة ‏تنفتح على الواقع وتستجيب لحاجاته وتستوعب مستجداته وتغيّراته وهذه الأصالة هي‌النوع المقبول في ‏مدرسة أهل البيت‌(ع).‏
كما اننا نجد نوعين من العصرنة:‏
العصرنة التي تتجاوز احكام الشريعة ومناهجها كما ينهجه المتغرّبون المتأثرون بالفكر الغربي والمدنيّة ‏الماديّة الحديثة، والعصرنة الملتزمة بأحكام الشريعة ومناهجها وهذا هو ما تدعو له مدرسة أهل البيت ‏(ع).‏
▪ نظرية تعدّد القراءات
ترتبط نظرية “ تعدّد القراءات ” وهي ‌المسألة الساخنة في عصرنا الحاضر بالبحث عن الأصالة ‏والمعاصرة، رغم أن المسألة ذات اصول فلسفية واخلاقية قديمة وعميقة.‏
ان المدافعين عن نظرية‌ تعدد القراءات في ‌الفكر الاسلامي.‏
ربما كانت أهم منطلقاتهم محاولة الوصول إلى قراءة إسلامية تقبل الواقعيات الحديثة وعطاءات الحضارة‌ ‏الغربية.‏
قد تبدو نظرية‌ “تعدّد القراءات ” مرادفة إلى نظرية “تعدد الاجتهادات ” التي قبلها أهل البيت‌(ع)، ‏ولو كان الأمر كذلك إذن لم يكن أي مبرّر للجدل الساخن، والمعركة المحتدمة التي تشهدها الساحة ‏الإسلامية.‏
الحقيقة أن نظرية “تعدّد القراءات ” تعني مدلولاً آخر بقطع النظر عن الاصطلاح والتسمية. وهذا المدلول ‏يتألف من أمرين:‏
الأمر الأول: نسبيّة المعرفة
بمعنى أنه لا يوجد أحد بعد الرسول الأكرم‌(ص) والأئمة المعصومين‌(ع) من أهل بيته قادر على ‏استيعاب المعارف الإسلامية كاملة وفي مجالاتها التشريعيّة والاعتقاديّة، ان جميع تصوراتنا عن الإسلام - ‏والذي هو الحقّ الشامل النازل من عند الحقّ تعالى - هي تصورات نسبيّة تتأثر بمستوياتنا الفكرية، ‏وموروثاتنا الاعتقاديّة، واجوائنا الاجتماعية، وحالاتنا النفسيّة، وغير ذلك، ولا يمكن أبداً تجريد الفتوى ‏والنظرية التي نحملها عن الإسلام عن تلك الالقاءات والتأثيرات،‌ وهي قد تحوي شيئاً كثيراً من الصواب ‏والحق إلا أنها تبقى مصبوغة باللون الذاتي لهذا المجتهد وذلك المفكر وطريقته في التفكير عبر مجمل ‏مكوّناته الشخصيّة.‏
الأمر الثاني: رفض الثوابت المطلقة
باستثناء الكبريات الإسلامية فانه لا توجد ثوابت مطلقة لا تخضع للدراسة والنقد العلمي، وفي ضوء ذلك ‏سيكون ادعاء وجود ضرورات إسلامية لا تقبل النقد والجدل، واعتبار المنكر لها جاحداً لأصل الرسالة ‏ومحكوماً بالكفر، هو ادعاء لا دليل عليه.‏
ان كل المشهورات والاجماعيات والضروريات وما تسالم عليه الاصحاب هو أمر يجب إخضاعه من ‏جديد للبحث والتمحيص، لأنه لا أحد يعلم كيف تشكّلت تلك الاجماعات والضرورات والمشهورات، في ‏أي ظروف، وفي أي محيط اجتماعي وثقافي، فلعلّها كانت خاضعة ومتلوّنة بلون تلك الظروف وذلك ‏المحيط، واليوم حيث تغيّرت الظروف، وحيث اصبحنا نعيش محيطاً اجتماعياً وثقافياً آخر فان الواجب ‏علينا هو تجريد تلك النظريات من الاضافات والتلوّنات التي اكتسبتها بفعل ظروفها، وحينئذ ربما خرجنا ‏بنظريات اخري.‏
الأمر الثالث: لا قيمومة على الفكر الإسلامي
وتأسيساً على الأمر الأول والثاني ‌سيخرج اصحاب نظرية تعدد القراءات بأمر ثالث وهو أن لا مبرّر ‏لفرض قيّم على الفكر الإسلامي بعد المعصومين‌(ع)، طالما كانت معارف الجميع نسبيّة من ناحية، ‏وخاضعة لتأثيرات العوامل الذاتية والمحيطيّة من ناحية ثانية، وحيث لا توحد ثوابت لا يمكن الجدل فيها ‏من ناحية ‌ثالثة، فما هو المبرّر وما هو الدليل على وجود اشخاص أو أجهزة لها وحدها حق القيمومة ‏والشهادة والاشراف على النتاج الادبي ‌للباحثين عن الفكر الإسلامي.‏
الجميع من حقه ان يبحث، والجميع من حقه أن يعتقد بما يؤدي إليه بحثه، ولا مانع ان تكون رؤى الجميع ‏صحيحة، كل واحد في ‌ظرفه ومحيطه، لان المسأله كما شرحنا هي ‌مسألة نسبيّة، فانت حين تنظر إلى ‏الكرة الارضيّة من خارجها تراها كرويّة دائرية، وحين تنظر إليها وانت على سطحها تراها مسطحة، وكلا ‏الرؤيتين صحيحة.‏
▪ نقد النظرية
الحقّ ان عدداً من المقدمات العلميّة الصحيحة‌اعتمدت عليها نظرية تعدّد القراءات لكن النتائج كانت خاطئة ‏لان عملية الاستنتاج وطريقتها لم تكن علميّة.‏
ان تكون معارفنا الإسلامية غير شاملة ولا مطلقة كما هي‌لدى المعصومين‌(ع) هي ‌مسألة صحيحة ‏لكنها لا تعني بالضرورة التشكيك بكل تلك المعارف والتصورات، وخذف قائمة الثوابت والضرورات.‏
كما أن اعتبار معارفنا نسبيّة، وضرورة فتح باب البحث والحوار في كل ما لدينا من تراث اسلامي لا يعنى ‏هو الآخر أن لا يكون هناك قيّم على هذا الفكر. فالتخصّص العلمي وحق أهل الاختصاص وحدهم ‏بتقديم الرؤى والاجتهادات هو أمر لا يناقش فيه أحد في كل مجالات البحث العلمي من الطب والهندسة ‏والكيمياء والفيزياء، والجغرافية والتاريخ وغيرها.‏
كما أن تأثر المخزون العلمي والنظري لكل انسان بالواقع الذاتي والمحيط الاجتماعي والثقافي ‌له هو ‏مسألة صحيحة لكن ذلك لا يلغي أبداً وجود ما هو حق في الواقع وما هو باطل ومسؤولية الباحثين هي ‏بذل الجهد العلمي والموضوعي من أجل اكتشاف ما هو الحقّ، ولا يمكن القول أبداً أن كل النتائج صحيحة ‏والجميع على حق طالما كانت القضايا متأثره بالاصابع الذاتية والاجتماعية.‏
ان بحثاً واسعاً وعميقاً يستحقه هذا الموضوع بالذات إلا ان مجال حديثنا عن “الأصالة والمعاصرة ” ‏في‌نظرية‌ أهل البيت‌(ع) قد لا يسمح لها بدخول تفاصيله.‏
▪ قضايا حول النظريّة
ان نظرية أهل البيت‌(ع) تؤكد القضايا التالية في موضوع “تعددّ القراءات ”:‏
القضية الاولى: ان استيعاب المعارف الإسلامية كلها هو من اختصاص أهل بيت النبوة وحدهم، والآخرون ‏انما لهم حظ بسيط من تلك المعارف.‏
القضية الثانية: ان المعارف الإسلامية في المجالات الاعتقادية والتشريعية والاخلاقيّة هي الصورة ‏الصحيحة ‌عن الحقّ، وهي صورة واحدة لأن الحقّ واحد، وان علينا جميعاً البحث والجدّ من أجل الوصول إلى تلك الصورة الصحيحة ونبذ ما عداها.‏
القضية ‌الثالثة: ان تقادم الأزمنة، وتطورات الوضع الاجتماعي ‌والعلمي للإنسان، وطبيعة الاستعدادات ‏والكفاءات البشرية المبثوثة هنا وهناك، تفرض علينا فتح آفاق البحث العلمي ودعوة الجميع للمشاركة ‏في طلب العلوم الإسلامية، ثم التخصص فيها لذوي الاختصاص وهذا ما اطلق عليه “فتح باب الاجتهاد ” ‏والايمان بـ “تعدد الاجتهادات ” كما سبق شرحه.‏
القضيّة الرابعة: انه لا يوجد علم من العلوم لا يخضع لرقابة المتخصصين والخبراء في مجال ذلك العلم، ‏ومثل ذلك العلوم الإسلامية فان افتراض بقاء هذه العلوم ساحة مفتوحة لعبث العابثين، وتدخلات ‏الجاهلين، ومؤامرات الاعداء الحاقدين، هو افتراض غير مقبول أبداً في أي حقل من الحقول العلميّة ‏فكيف يكون مقبولاً في أهم وأخطر حقل وهو حقل العلوم الإسلامية والمعارف الالهيّة!؟
القضية‌الخامسة: ان المحكمات في‌الخطاب القرآني، والتواترات في السنّة الشريفة، والتوافقات الاجتماعية‌ ‏في ‌سيرة أهل الشرع “المتشرّعة ” هي أمور تؤكد وجود ثوابت وضرورات يقينيّة قد يكون مهما البحث ‏فيها، واخضاعها للدراسة إلا ان ذلك لا يعني ‌التشكيك في صحتها واعتبارها من المتغيّرات.‏
ان تأثر الاجتهاد البشرى في فهم النصوص بالمحيط والبيئة والتكوين الذاتي لا يمكن أن يدعونا للشك ‏في كل ما انتهى الينا عبر وسائل الاثبات اليقينية، ولا يصحح لنا رفض كل الثوابت، والغاء ‏صفحة ‌الضرورات المحكمات في الدين كالصلاة، والصوم، والحجاب والزكاة، والحدود والتعزيرات وما ‏شاكل ذلك.‏
هذه ربما كانت أهم القضايا التي‌يمكن تسجيلها ـ في‌هذا البحث الموجز ـ عن تصورنا تجاه نظرية “تعدد ‏القراءات ”.‏
و هذا هو قراءة سريعة ـ لا ندعى ‌لها الشمول ولا الكمال ـ في ‌بحث موضوع “الأصالة والمعاصرة ‏في ‌نظرية أهل البيت‌(ع) ”.‏
و الحمد لله رب العالمين
المصدر: مجلة آفاق الحضارة الاسلامية العدد 10 ‏