printlogo


printlogo


□ مقالة
فلسفة النبوة وأبعاد حياة الأنبياء الإجتماعية في نهج البلاغة

الانتباه: الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي «الآفاق» بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
يتناول هذا البحث بالدراسة فلسفة النبوة وابعاد حياة الانبياء الاجتماعية في فكر الإمام علي(ع) من خلال ما طرحه في نهج البلاغة إذ بين الإمام(ع) الأسباب والأهداف التي بعث الأنبياء من اجلها وقد طرح الفكرة بشكل عام وشكل خاص أيضا، فربما نجده يتكلم عن الرسالات السماوية بمفهوم شمولي أو عن بعثة الأنبياء بشكل عام موضحا هذا الموضوع، وربما نجده يخصص حينما يتكلم عن نبي من الأنبياء عليهم السلام أو يذكر معاناتهم مع أقوامهم في سبيل تحقيق أهداف النبوة .
وقد ذكر الإمام علي(ع) عدد من الأنبياء بهذا الخصوص ولم يذكر الكل الاّ ان الافكار المطروحة بما ظهر من العموميات شكلت منطلق جيد لفهم فلسفة النبوة في فكر الامام(ع).
الجانب الأخر الذي تناولته الدراسة هو جانب وثيق الصلة بالجانب الأول هو ابعاد حياة الأنبياء الاجتماعية إذ نجد إن الإمام علي(ع) قد ركّز على مجموعة أمور بهذا الخصوص أهمها دراسة ألسلسلة التي انحدر منها هؤلاء الانبياء باعتبارهم قدوة للناس وباعتبار إن فلسفة النبوة تختار الأصلح ليكون كبير التأثير في نفوس الناس لهذا نجد الإمام علي(ع) يؤكد في أكثر من مناسبة في نهج البلاغة على هذه الامر وقد ضرب أمثلة متعددة عن الأنبياء.
أيضا تناول البحث جانبا اجتماعيا أخر يقع في نفس الإطار ويرسم نفس الصورة وهو مظاهر حياتهم الاجتماعية وانعكاسها على نبوتهم، وقد رسم الإمام علي(ع) صورا جميلة عن حياة عدد من الأنبياء تقاربت فيما بينها إلا إنها أوصلت نفس النتيجة عن حياة الأنبياء الاجتماعية  وعن تواصلهم مع الناس .
واولى المظاهر تتجسد حينما ربط الإمام علي(ع) بين النبوة وبين عمل الأنبياء في معرض حديثه الذي هو ترغيب بالعمل بلا أدنى شك إذ ذكر أعمال عدد من الأنبياء التي كانت فيها عوامل مشتركة كثيرة أبرزها البساطة وقلة الوارد منها بما يحقق عدم الحاجة إلى الناس فقط وليس التملك أو البذخ، وأيضا تنوعت الأمثلة التي ذكرها الإمام علي(ع) عن عمل الأنبياء والتي ثبتت في البحث وكل حسب موقعه.
ايضا من ضمن المظاهر ذكر الإمام علي(ع) كذلك طعام الأنبياء إذ كانت الأمثلة التي وردت في نهج البلاغة تؤكد إن الأنبياء كانوا متشابهين في تناول الأطعمة فلا نجد من هو مختلف عنهم وان تباعد الزمن وإنما اشتركت صفات البساطة والقلة في الطعام عند جميع الأنبياء هذا فضلا عن موضوع زهدهم واخلاقهم وهي ابرز المظاهر التي وردت في هذا الاطار.
وتكمن أهمية هذه الدراسة بأنها تطرح مفهوم النبوة في فكر الإمام علي(ع) وبالتالي فأن معايشة الإمام(ع) للنبوة الخاتمة ربما يضعنا أمام صورة حية مثالية وليس نقليه أو استنتاجيه تحتمل الصواب والخطأ، فضلا عن انه(ع) أراد من ذكر هذه الجوانب الاجتماعية للأنبياء الإشارة إلى أكثر من موضوع في أن واحد فهو يتكلم عن صفات الأنبياء وربطها بهدف النبوة العام وهو في الوقت نفسه يجعل هذا الذكر بمثابة الوعظ للتخلق بأخلاق الأنبياء(ع).
وقد اعتمدت الدراسة على مجموعة كبيرة من المصادر إلى جانب نهج البلاغة واهم المصادر والمراجع شروح النهج المتعددة القديمة منها والحديثة .
▪  اولاً: فلسفة النبوة
لقد أوضح الإمام علي(ع) في نهج البلاغة الكثير من الامور الخاصة بالنبوة والدعوة ابتداء من اسبابها الى المظاهر الكثيرة المتعلقة بها، ولعل فلسفة هذه النبوة تمثل جزء رئيس مما ذكره الإمام علي(ع)، اذ طرق هذا المفهوم على مستوى العموم والخصوص في آن واحد، فتارة يذكر النبوة بشكل عام، وتارة أخرى يخصص نبي من الانبياء(ع) بالذكر، بيد أن الاستنتاج من كلامه الخاص يمكن ان يفهم على مستوى العموم ايضا .
وفيما يخص الاطار العام فكثيرا ما نجد الإمام علي(ع) يذكر بعثة الانبياء في مناسبة معينة مبينا سببا أو اكثر لها وم ذلك قوله(ع) «واصطفى سبحانه من ولده انبياء اخذ على الوحي ميثاقهم وعلى تبليغ الرسالة امانتهم لمّا بدّل اكثر خلقه عهد الله اليهم فجهلوا حقه واتخذوا الانداد معه، واجتالتهم الشياطين عن معرفته واقتطعتهم عن عبادته فبعث فيهم رسله وواتر اليهم انبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسّي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول، ويروهم آيات المقدّرة من سقف فوقهم مرفوع،ومهاد تحتهم موضوع، ومعايش تحييهم، وآجال تفنيهم....»، أي ان الله سبحانه وتعالى قد ارسل الانبياء من اجل ترك عبادة الاصنام التي لا تضر ولا تنفع لعبادة الاله الواحد الذي يستحق العبادة.
الاّ أن التفحص الدقيق لكلام الامام علي(ع) يضعنا امام جملة من الامور المهمة في اطار موضوعنا يمكن أن ندرجها بما يأتي:
١- أن أختيار الانبياء هو عبارة عن أصطفاء وليس الاختيار بمعناه الذي يحمل عنصري السلب والايجاب.
٢- أن الامام علي(ع) أراد الاشارة الى ان الانسان يولد على الفطرة، وانه اما يخالف عهده مع الله أو يحافظ عليه.
٣- أن الشرك بالله تعالى هو ابرز موجبات بعثة الانبياء وهو في الوقت نفسه له اشكال وصور ولا يقع تحت اطار واحد.
٤- ان من اهداف البعثة ايضا التذكير بنعم الله تعالى التي تناساها خلقه، وتقديم الحجة عليهم حتى لا يقولوا بعدم التبليغ.
٥- أن للأنبياء هدف تعليمي، أو هدف إثارة عقول الخلق لتأخذ دورها الذي رسمه الله تعالى لها.
يذكر الامام علي(ع) هدف آخر للبعثة وهو القاء الحجة على الخلق بوساطة هؤلاء الانبياء، اذ قال(ع)  «بعث اله رسله بما خصهم به من وحيه وجعلهم حجة له على خلقه لئلا تجب الحجة لهم بترك الإعذار اليهم فدعاهم بلسان الصدق الى سبيل الحق، الا ان الله تعالى قد كشف الخلق كشفة لا انه جهل ما اخفوه من مصون اسرارهم ومكنون ضمائرهم ولكن ليبلوهم احسن عملا فيكون الثواب جزاء والعقاب بواء».
وهنا يوضح الامام علي(ع) كيف ان الله بعث رسلة الى الناس لكي لا يتحيروا ويحتجوا بجهلهم لثواب الله وعقابه.
كما أن الامام علي(ع) لم ينس جانب الأختبار وهو جانب يرتبط في بعض الأوجه بالأحتجاج أو ألقاء الحجة على الخلق كما مرّ أعلاه، دون فرق بين أختبار الملائكة أو باقي العباد، اذ قال(ع) «... ثم اختبر بذلك ملائكته المقربين ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين فقال سبحانه وهو العالم بمضمرات القلوب ومحجوبات الغيوب «اني خالق بشرا منى طين فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم اجمعون الا ابليس...».
ولكن هذا لا يعني أن الله تعالى ارسل أرسل نبيه آدم(ع) لاختبار الملائكة فقط، وانما نجده(ع) ذكر في مناسبة أخرى أنه تعالى أرسل ادم(ع) لاسباب اخرى ايضا اذ يقول «... فاهبطه بعد التوبة ليعمر ارضه بنسله وليقيم الحجة به على عباده..».
 أي أن الله سبحانه وتعالى ارسل النبي ادم(ع)  ومن ثمّ إعمار الأرض وإقامة الحجة  التي مرّ ذكرها سابقا على وجه العموم ايضا.
ولعل ما ذكره(ع) عن هدف الاختبار يتوضح اكثر بقوله «الا ترون ان الله سبحانه اختبر الاولين من لدن ادم صلوات الله عليه الى الاخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع ولاتبصر ولا تسمع فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياماً  ..» وهنا يبين الامام علي(ع) ان الله سبحانه وتعالى خلق الانبياء(ع) وجعل الناس محل اختبار بهم، وبتلك الاحجار التي لا تنفع ولا تضر وانما القضية معنوية تفوق المفهوم المادي الجامد.
وقد نجد أن الامام(ع) وكتحصيل حاصل يجمع الهدف من بعثة الانبياء بالتحذير من الدنيا بل وكشف عيوبها للخلق حتى لا يغتروا بها اذ قال(ع) «الحمد الله المعروف من غير رؤية والخالق من غير منصبه خلق الخلائق بقدرته  واستعبد الارباب بعزته وساد العظماء بجوده وهو الذي اسكن الدنيا خلقه وبعث الى الجن والانس رسله ليكشفوا لهم عن غطائها وليحذروهم من ضرائها وليضربوا لهم امثالها وليبصروهم عيوبها ..». يبين  الامام علي(ع) ان الله سبحانه وتعالى بعث الانبياء   ليهدي بهم الخلق الى صراطه المستقيم.
وربما نجد ان الامام علي(ع) بما ذكره عن رسولنا محمد(ص) قد اوضح الصورة اكثر عن الهدف والغاية والفلسفة من البعثة النبوية وذلك حينما قال: «... بلغّ عن ربه معذرا، ونصح لأمته منذرا، ودعا الى الجنة مبشرا، وخوف من النار محذرا». وقد بيّن الامام علي(ع) صفة النبي محمد(ص) وان الله بعثه يبشر المؤمنين بالجنة وينذر الكافرين النار وانه خلقه من احسن الخلق، مع التاكيد هنا على ان النبي(ص) هو من خير البرية بصفاته التي تمتع بها.
وهناك اسباب اخرى للبعثة غير ان الامام(ع) اوجزها باوضح المفاهيم التي ذكرناها اذ رسم لها هيكلية تكاد تكون متكاملة وواضحة المعالم وتتمحور حول عدة محاور:
أولها: الميل عن جادة الصواب بعبادة الشرك .
ثانيها: الاحتجاج على الناس بالنذير المرسل من الله تعالى.
ثالثها: اختبار الخلق بالدعوة الى الله تعالى.
رابعها: انتشال الخلق من شباك الدنيا.
خامسها: تأهيل عقول الخلق حتى تأخذ دورها الذي تستحقة والحصول على الاثار الناجمة عن هذا الامر.
سادسها: بيان الاء الله تعالى لعباده وضرورة شكره تعالى عليها بفعل الصواب وعدم الشرك.
▪  ثانياً: ابعاد حياة الانبياء الاجتماعية وانعكاسها على نبوتهم
أ- طهارة النسب والنشأة
لا شك ان طهارة نسب الانبياء واصلهم من الامور التي لم تختلف عليها المصادر لا سيما وان التواتر كان سيد الموقف في مجمل المعلومات الخاصة بهم، بيد أن ما يميّز ما طرحه الامام(ع) في نهج البلاغة هو أنه يمثل طرح العالم المطلع، فالامام(ع) ليس طارئا على نسب الانبياء وبيوتاتهم لذا نجده يصف هذا النسب بشكل متكامل اذ يقول «فاستودعهم في افضل مستودع واقرهم في خير مستقر تناسخنهم كرائم الاصلاب الى مطهرات الارحام كلما مضى منهم سلف قام منهم بدين الله خلف ....» ويمكن فهم هذا الكلام والمطلب بسهولة لانه يعني بالجملة طهارة نسب الانبياء(ع) الاّ ان هناك ايحاءات اخرى في الموضوع يمكن ان نستجليها بما يأتي:
١-  أن الامام علي(ع) يشير الى سلسلة نبوة وليس الى انبياء من اصول مختلفة.
٢-  أنه(ع) يذكر طهارة الاباء والامهات في آن واحد.
٣- أن هذا الكلام هو بمثابة رد صريح على من حاول تكفير اباء الرسول(ص).
٤-  أن دين الانبياء هو واحد من ابراهيم(ع) الى الخاتم(ص) وهو دين الاسلام.
وقد خصص الامام علي(ع) بعض الانبياء في بيان اصولهم وطهارة نسبهم، فقد قال عن اختيار ادم(ع) «...اختار ادم(ع) خيرة من خلقه...».
وهنا اشارة الى الاصطفاء، ولكن في الوقت نفسه ذكره بخير الخلق ومن ثمّ فأن ذلك يعود على الطهارة، وهذا ما أوضحه(ع) حينما خصص الرسول محمد(ص) بالذكر إذ قال عنه «خير البرية طفلا، وانجبها كهلاً واطهر المطهرين شيمة واجود المستمطرين  ديمة» ولا يختلف اثنان على هذه الطهارة والسلسلة، او على الصفات التي ذكرها الامام(ع) عنه.
بل انه يؤكد ما ذكره عن الرسول(ص) في مناسبة اخرى اذ يقول «اسرته خير اسرة وشجرته خير شجرة اغصانها معتدلة وثمارها متهدلة  مولده بمكة وهجرته بطيبة ....» وهذا توضيح وترجمة لكلامه السابق العام والخاص معا، أي انه(ص) ولد في اسرة هي خير الاسر ومن شجرة هي خير الشجر وهنا اشارة الى موضع ولادة الرسول(ص) وموضع هجرته وطهارة نسبه، ومن ثمّ فأن هناك صفة مشتركة في اصل الانبياء وهي رجوعهم الى اطهر الاصلاب .
اما بخصوص نشأة الانبياء وطبيعة حياتهم فلعل صفة المعاناة والبساطة لمجمل حياتهم تكاد تتكرر في اغلب الصور التي ذكرها الامام علي(ع) في نهج البلاغة عنهم، فحينما ذكر موسى(ع) قال: ولقد دخل موسى بن عمران ومعه اخوه هارون(ع) على فرعون وعليهما مدارع الصوف وبايديهما العصى فشرطا له ان اسلم بقاء ملكه ودوام عزه فقال: «الا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العز وبقاء الملك وهما بما ترون من حال الفقر والذل فهلا القي عليهما اساوره من ذهب ...» ومن الطبيعي ان تكون صفة الانبياء هكذا حتى يكونوا ابلغ في التاثير، ولانها طبيعة حياتهم فعلا.
كما يمكن ان نستنتج ان الانبياء بطبيعة حياتهم هذه اصبحوا قدوة للخلق وممثلين لصورة من ابرز صور الايثار.
 وقد اشارالامام(ع) الى هذا المفهوم ايضا عن نبي الله عيسى(ع) بقوله: «ولم تكن له زوجة تفتنه ولا ولد يحزنه ولا مال يلفته ولا طمع يذله دابته رجلاه  وخادمه يداه....» يبين لنا الامام علي(ع) كيف كانت حياة النبي عيسى(ع)، وهي حياة متسمة بالبساطة لكون هدفه الذي يروم تحقيقه هو هدف كبير .
وهناك اكثر من صورة ينقلها الامام علي(ع) من كلامه هذا عن النبي عيسى(ع) ابرزها ما يأتي:
١- أن الامام(ع) اراد الاشارة الى الاثر السيء الذي قد يتركه الافتتان بالمال والبنون، وهو الامر الذي انتفى في حياة النبي عيسى(ع).
٢- صورة الاعتماد على النفس في الحياة بناء على ما عرف به عيسى(ع) في مجمل حياته وفي عمله.
٣- صورة محاربة آفة اجتماعية خطيرة وهي آفة الطمع وبيان آثارها السلبية واهمها اذلال المرء.
وليس هذا فحسب وانما نجد الامام يذكر طرفا اخر من حياة النبي عيسى(ع) اذ قال
 «وان شئت قلت في عيسى ابن مريم(ع)  فلقد كان يتوسد الحجر ويلبس الخشن ويأكل الجشب .....» ويوضح لنا الامام علي(ع) ان النبي عيسى(ع) لم يكن مترف او محسوب على الملوك او الحكام.
فقد كان يأكل مما تنبته الارض لا ان يذل نفسه للغير، وكان يجلس على هذه الارض ولا يلبس لبس المترفين، بل كان بسيطافي كل شيء حتى قال الامام علي(ع) في مناسبة اخرى «...وكان ادامه الجوع وسراجه بالليل القمر وظلاله في الشتاء مشارق الارض ومغاربها ..».
وكذا الحال بالنسبة لرسولنا الكريم محمد(ص) الذي وصفه الامام علي(ع) بقوله «ولقد كان النبي(ص) ياكل على الارض ويجلس جلسة العبد وينهف بيده نعله ويرفع بيده ثوبه ويركب الحمار العاري ...».
والذي لو قارنا تصرفاته هذه بتصرفات عيسى(ع) والتي مرّ ذكرها لوجدنا التوافق شبه التام، مما يدل ان العمومية والوحدة هي التي تحكم افعال وحياة الانبياء(ع).
▪  مظاهر حياة الانبياء الاجتماعية
ان دراسة مظاهر حياة الانبياء الاجتماعية ربما وكما هو متوقع لا تضع ايدينا على اختلافات بين الانبياء من هذه الناحية سواء من ناحية العمل او الطعام او العبادة والصفات الاخرى، وقد لا نجد امثلة عن الكثير من الانبياء في كلام الامام علي(ع) الالا بما يوضح الصورة وكما يأتي:
١- عمل الانبياء
على الرغم من ان الامام علي(ع) لم يذكر امثلة كثيرة عن عمل الانبياء الا انه اوضح طبيعة هذه الاعمال من وصفه لهم وتواضعهم اذ ان الانبياء كانوا بسيطين في عملهم وهذا ما يتوضح فيما ذكره عن نبي الله داود(ع) اذ قال في عمله «وان شئت ثلثت بداود(ع) صاحب المزامير وقارئ اهل الجنة فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده ... » ونلاحظ من هذا المثال ان الامام علي(ع) كان بوصفه لهذا العمل يريد بيان البساطة اولا والاعتماد على النفس ثانيا.
بل ان داود(ع) لم يكن يرغب الاّ بالاكتفاء وسد الرمق وليس غرضه جمع الاموال لذا فأن الامام(ع) كان يشير الى ان داود(ع) كان يبيع ما يصنعه لهذا الغرض ومن هنا ذكر الامام(ع) قول داود(ع) لجلسائه «...ايكم يكفيني بيعها ! وياكل قرص الشعير من ثمنها..».
ومن خلال هذا الكلام نلاحظ ان الانبياء كانوا بسيطون حتى في عملهم او انهم  يمارسون ابسط الاعمال بل ان طابع حياتهم هو البساطة وقد ميز هذا الامر شخصيات الانبياء عن غيرهم فكانوا مؤهلين للقيادة.
٢ - طعامهم:
لم يختلف طعام الانبياء عن الامور الاخرى التي تخص زهدهم وتواضعهم فقد عكس هذا الطعام ونوعيته نفس الصورة التي ذكرناها سابقا اذ انهم كانوا ياكلون ابسط الاطعمة  واقلها ثمنا اذ ما قسناه حسب المفهوم المادي وهذا ما اشار له الامام علي(ع) حينما تحدث عن النبي داود(ع) وهو ما اسلفنا ذكره عن بيع السفائف وتحصيل قرص الشعير بثمنها، فالتقوت بالطعام سواء قرص الشعير اوغيره هو وسيلة هؤلاء الانبياء لكي يبقوا على قدر من القوة لتأدية واجبهم الرسالي لأن الطعام عندهم ليس غاية وانما وسيلة فقط لتحقيق اهداف سامية.
ويشير الامام(ع) ان بعض الانبياء كان يأكل نبات الارض، وهذا ما ذكر عن نبي الله موسى(ع) اذ قال(ع) «وان شئت ثنيت بموسى كليم الله اذ يقول: «رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير »، والله ما ساله الا خبزا ياكله لانه كان ياكل بقلة الارض، ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله وتشذب لحمه» يذكر الامام علي(ع) ان النبي موسى(ع) كان ياكل اكلا بسيطا لا يتكون من الخبز،ومشتقاته وهذا يدل على بساطة طعامه، وانما حشائش الارض فكان الخبز يمثل مرتبه عليا لم يجعلها موسى(ع) ضمن اولوياته  لذا فانها عطية كبيرة بالنسبة له يحتاج معها الى الشكر للباري عز وجل.
وكذلك كان نبي الله عيسى(ع)  يعتمد على نبات الارض ايضا اذ يصفه الامام علي(ع) بقوله «وفاكهته وريحانه ما تنبت الارض للبهائم» أي انه لا يفرق بين انواع الطعام، فطعامه نباتات الارض التي تأكلها البهائم، ولكنه يعدها افضل انواع الاطعمة لطلبه العافية اولا لانها تمهد له الطريق لاكمال تكليفه ولا يعنى بانواع الطعام.
وعلى العموم فأن الانبياء(ع) كانو يخاطبون الناس بهذه الامور لانهم قدوة المجتمع وكلامهم وعملهم مؤثر في غيرهم، ولكن هذا لا يعني ان ما ذكره الامام(ع) عنهم لم يكن يمثل طبيعة حياتهم الحقيقية وانما هو منسجم مع الهدف من بعثة الباري عز وجل لهم.
٣. زهدهم واخلاقهم:
لم يكن زهد الأنبياء امرا جديدا وانما هو جزء من تحصيل حاصل مما يتمتع به هؤلاء الانبياء، فقد كانوا زاهدين في الدنيا وكانوا دائمي العبادة لله سبحانه وتعالى ابتدءا من ادم(ع) الذي قال عنه الامام علي(ع) «... ثم امر ادم(ع) وولده ان يثنوا اعطافهم نحوه فصار مثابة لمنتجع اسفارهم وغاية لملقى رحالهم... »، اي ان الله سبحانه وتعالى امر النبي ادم(ع) في ان يعبدوا الله وحده ولا يشركوا به احدا، ويكون التوجه الى بيت الله تعالى حتى يكون النبي ادم(ع) مطبقا لما يريده للناس ولم يتخذ الانبياء وقت خاص للعبادة وانما نجدهم نشيطين في كل الاوقات اذ يقول الامام علي(ع) «.. ان داود(ع) قام في مثل هذه الساعة من الليل(ساعة السحر) فقال: انها لساعة لا يدعو فيها عبد الا استجيب له الا ان يكون عشارا (جامع العشر) او عريفا (جاسوس الظالم) او شرطيا (من اعوان الحاكم) او صاحب عرطبة(الطنبور) او صاحب كوبه(الطبل) ».
وربما لا يشكّل هذا الامر ما يثير الاستغراب في عبادة الانبياء(ع)، وهو الامر الذي يميزهم عن غيرهم فيقينا انهم يقيمون الليل بالعبادة وما حادثة داود(ع) والتي ذكرها الامام(ع) الاّ مثال بسيط، اذ ان الامام علي(ع) يبين كيف ان النبي داود(ع) كان يقوم الليل مبينا للناس فضل الدعاء ومضان الاجابة.
وقد وصف الامام علي(ع) زهد النبي عيسى(ع) بأنه يعد منهاج لمن يريد الزهد في الدنيا اذ قال في وصف الزاهدين «.. ثم قرضوا الدنيا قرضا على منهاج المسيح.. ».
فقد عد الامام(ع) السيد المسيح(ع) ممثلا او دستورالمن يريد السير على هذا الدرب.
وكان الانبياء كما يرى الامام علي(ع) يصغرون الدنيا في عملهم وفي دعواهم ولا يعطوها اكثر من حقها لذا قال(ع) في ذكر النبي محمد(ص) «قد حقّر الدنيا وصغرها واهون بها وهونها وعلم ان الله زواها عنه اختيارا وبسطها لغيره احتقارا فاعرض عن الدنيا بقلبه وامات ذكرها عن نفسه... »، وهنا يبين كيف ان الرسول(ص) رأى هذه الدنيا بحقارتها، ومن ثم فأنه دعا الى عدم الاغترار بها لانها لا تستحق.
المصدر: في رحاب نهج البلاغة