printlogo


printlogo


□ مقالة/ الجزء الثاني
فقه الإعلام المنـبر الحسينـي أُنموذجاً

الانتباه: الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي «الآفاق» بالضرورة، بل تعبر عن ‏رأي أصحابها
▪ الإعلام الإسلامي أهم وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إن جميع الأمور والوسائل الإعلاميّة تجمعها ضابطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بشـروطه ‏وأحكامه، التي روحها وديمومتها كل ما هو حَسن من القول أو العمل أو السلوك المعتدل في المجتمع ‏الإنساني.‏
إن القيام بمسؤولية الإعلام الإسلاميّ الهادف ـ وعَرْض معالم الفكر الإسلامي النَيّر، ودفع الشبهات ‏والأباطيل عن الدين الحنيف ورجاله المخلِصين، وفضْح الأراجيف الزائفة، التي تحاك ضد المجتمع ‏الإسلامي وأبنائه، وبيان الحقائق الناصعة ونشـرها، والأخبار الواقعيّة من مصدرهاـ يُعدّ من الواجبات ‏الكِفائية الأساسية، ومن المرتكزات الدينيّة الثابتة في الدين الإسلامي؛ بدلالة قوله تعالى: [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ ‏يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ]، وقوله تعالى: [كُنْتُمْ ‏خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ].‏
فنرى أن الله تعالى قد مدح الأمّة بـالخَيريّةِ حال كونها تقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ‏كما مدحها بالإيمان به، وهذا إن دلّ على شيء، فإنه يدلّ على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن ‏المنكر.‏
كما حضّ عليه عزوجل وأمر به، في وصيّة  لقمان الحكيم لابنه؛ إذ قال عزوجل على لسان لقمان: [يَا ‏بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ من عَزْمِ الأُمُورِ].‏
وروي عن رسول الله(ص) أنه قال: (لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وتعاونوا ‏على البر والتقوى، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزعت منهم البركات، وسلط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر ‏في الأرض ولا في السماء).‏
وروي عن أبي جعفر(ع) أنه قال: (قال رسول الله(ص): من طلب مرضاة الناس بما يسخط الله كان ‏حامده من الناس ذامّاً، ومن آثر طاعة الله عزوجل بما يغضب الناس كفاه الله عزوجل عداوة كل عدو، ‏وحسد كل حاسد، وبغي كل باغٍ، وكان الله عزوجل له ناصراً وظهيراً).‏
وروى جابر عن أبي جعفر(ع) قال: (يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون، يتقرؤون ‏ويتنسكون، حدثاء سفهاء، لا يوجبون أمراً بمعروف، ولا نهياً عن منكر، إلاّ إذا أمنوا الضـرر، يطلبون ‏لأنفسهم الرُّخَصَ والمعاذير، يتبعون زلاّت العلماء وفساد عملهم، يقبلون على الصلاة والصيام وما لا ‏يكلِمهم في نفس ولا مال، ولو أضرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا ‏أسمى الفرائض وأشرفها، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، هنالك ‏يتمّ غضب الله عليهم فيعمُّهم بعقابه، فيهلك الأبرار في دار الفجار، والصغار في دار الكبار.‏
‏ إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة، بها تقام الفرائض ‏وتأمن المذاهب وتَحُلّ المكاسب، وتُرَدّ المظالم، وتُعمّر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر، ‏فانكُرُوا بقلوبكم، والفظوا بألسنتكم، وصكّوا بها جباههم، ولا تخافوا في الله لومة لائم، فإنْ اتعظوا وإلى ‏الحق رجعوا فلا سبيل عليهم، إنما السبيل على الذين يَظلمون الناس، ويَبغون في الأرض بغير الحق ‏أولئك لهم عذاب أليم، هنالك فجاهدوهم بأبدانكم، وابغضوهم بقلوبكم، غير طالبين سلطاناً، ولا باغين ‏مالاً، ولا مريدين بظلمٍ ظفراً، حتى يفيئوا إلى أمر الله ويمضوا إلى طاعته).‏
وروي عن أبي عبد الله الصادق(ع): (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق الله، فمَن ‏نصـرهما أعزّه الله تعالى، ومَن خذلهما خذله الله تعالى).‏
فالواجب الشرعي على أهل الإسلام والإيمان، التمسكُ بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في ‏كل الظروف والأزمان، بحسب الإمكان وشرط الصلاح.‏
فالإعلام الإسلامي، والتبليغ والدعوة والإرشاد، من أبرز مصاديق فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن ‏المنكر، فلا حياد فيه ولا تسامح ولا صمت، لا سيما إنكار المنكر، وإلاّ يكون ميت الأحياء، سواء أكان ‏شخصاً أم جماعة أم وسيلة إعلاميّة، كما قال أمير المؤمنين الإمام علي(ع): (مَن ترك إنكار المنكر، ‏بقلبه ويده ولسانه، فهو ميت الأحياء).‏
فإن الكلمة قد ترفع الإنسان إلى مقام الأنبياء والمصلحين بدعوته الصادقة، وكلمته النبيلة، أو بالعكس قد ‏ينحدر إلى هوّةِ المُفسدين والمُضلليّن، إذا خان الكلمة الصادقة، وحاد عن  الصِراط.‏
▪ فقه الإعلام
بعد أن عرفنا أن المحور الأساس في الإعلام هو الكلام أو القول، الذي به تخاطب عقول الناس وقلوبهم، ‏وبواسطته وعن طريقه تصل رسالة الإعلامي أو المبلِّغ أو الداعيّة إلى الناس، سواء أكان ذلك مسموعاً أم ‏مكتوباً، ينبغي علينا معرفة وجهة نظر الشريعة الإسلاميّة تجاه الإعلام، وهو ما يعبر عنه بـ فقه الإعلام.‏
وفقه الإعلام هو الطريق إلى فهم الموقف الشـرعي في المنظور الإسلامي، من خلال أدلة وأقوال الشارع ‏المقدس، وفحوى خطابه، وفنون بيانه، في ضمن مقاصده الشـرعيّة التي رسمتها الشـريعة المقدسة، وأهم ‏غاياتها وأهدافها، في إطار الأحكام الشرعيّة.‏
وحيث إن للإعلام الدور البارز في التأثير في الناس ـ وفي صياغة عقولهم وأفكارهم، وبناء ثقافتهم، ‏وتوجيهها توجيهاً صالحاً، ونشر الوعي بينهم نحو الأهداف المقصودة ذات المُثل العليا والقيم السامية ـ فقد ‏أَولى الإسلامُ أهميةً كبرى للجانب الإِعلامي، ورعاية خاصّة؛ للاستفادة منه في نشـر الدعوة الإسلامية ‏وبثّ مبادئها وتعليم أحكامها.‏
فكان رسول الله(ص) يأخذ أي وسيلة مشـروعة للدعوة والتبليغ، ويسلك أي طريق مُعبّدٍ لنشـر ‏رسالته وإعلانها، بأشكال متعددة وألوان متنوعة، وحسب المقتضـي والحال.‏
كما يجب أن يُبنى الإعلام على الصدق والحقائق الموضوعيّة، بعيداً عن الكذب والتَّضليل وقلب الحقائق، ‏والترويج للأفكار المنحرفة أو المشككة أو الهدّامة، فضلاً عن الفساد الفكري والأخلاقي؛ بمحاكاة الغرائز ‏والعواطف، ونشـر الرذيلة.‏
وأن يكون إعلاماً ملتزماً بالأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة والتعاليم الإسلامية، يسمو بالمجتمع إلى أدبيّات ‏وسلوكيّات راقية، وأفكار وآراء واعية، تنسجمُ مع الأهداف النبيلة، التي تسعى إلى إقامتها الشـريعة ‏الإسلاميّة بين الناس، وأن يحترم الإنسانَ ويقدس العقلَ، ويخاطبهما بالمنطق السليم.‏
▪ فقه الإعلام في الكتاب العزيز
إنّ عمدة ما يُستدل به من القرآن الكريم على فهم الموقف الشـرعي في المنظور الإسلامي لفقه الإعلام، ‏وما يرسم طريقه ونهجه ـ فيما أحسبه ـ هو قوله تعالى: [وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا].‏
‏ والحُسن هو ضد القُبح، الذي هو كل ما خالف الشـرع والعقل، والناموس والعرف، والخلق الحسن ‏والعادات الطيّبة في المجتمع، بل هو كل دعوى إلى الانحراف والانحلال عن السلوك المستقيم، والطريق ‏السويّ للمجتمع الإسلامي الملتزم.‏
فالمراد من القول الحسن هو كل ما يوصل إلى القول والعمل بالمعروف شرعاً وعقلاً وعرفاً، والالتزام به ‏والحثّ عليه، قولاً أو فعلاً أو سلوكاً، وتُلازمه الدعوةُ إلى النهي عن كل منكر وقبيح، شرعاً وعقلاً وعرفاً، ‏والحثّ على الابتعاد عنه، قولاً وفعلاً وسلوكاً، وذلك في حدود أحكام الشريعة الإسلامية وثقافتها العامّة، ‏قال تعالى: [وَقُلِ الْحَقُّ من رَبِّكُمْ]، بعيداً عن تجريح الآخرين والتنكيل بهم، وإن خالفوا الدين والعقيدة ‏والمذهب، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة: [عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً ‏وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ].‏
وعلى هذا؛ يؤسّس الإعلام الإسلاميّ الملتزم، ويوجه لبناء مجتمع عقائدي واعٍ، متماسك وصالح.‏
فالحسن هو اسم جامع عامّ يضمُّ جميع معاني الحسن، من الخير والصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن ‏المنكر، ونشـر معالم الدين، واللِين في القول، والابتعاد عن إشاعة الرذيلة والفاحشة، واللغو وقبيح القول ‏والفضول فيه، والدعوة إلى التعايش السلمي بين أبناء المجتمع، بل كل ما اندرج تحت معنى الحسن، وبه ‏صرّحت جملة من الروايات الشـريفة:‏
منها: ما رواه الشيخ الكليني بسنده، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر(ع)، قال ـ في قول الله: ‏‏[وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا]ـ: (قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال فيكم).‏
ومنها: ما روي في الكافي عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله(ع) في قول الله: [وَقُولُوا لِلنَّاسِ ‏حُسْنًا] ـ قال: (قولوا للناس حسناً، ولا تقولوا إلا خيراً حتى تعلموا ما هو). فإنّ العلم بما يأمر به ‏الإعلامي، والمعرفة بما يدعو إليه، وينهى عنه، من أهم شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا ‏من أساسيّات العمل الإعلامي التبليغي.‏
والقَولُ الحسن، يشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم المسائل والأحكام، والإرشاد إلى منافع ‏الدنيا والآخرة، وكل ذلك يندرج في قوله(ع): (ولا تقولوا إلا خيراً حتى تعلموا ما هو).‏
ولما كانت بوادر اللسان وآفاته كثيرة، نهى عن القول من غير تَفَكُّر، وأمرَ بإحضار القلب، وهو التفاته إلى ‏معرفة حقيقة الشيء أولاً، ثم التكلم بما هو الحق الخالص.‏
وقال الشيخ الطبرسي: (واختُلف في معنى قوله حُسْنًا، فقيل: هو القول الحسن الجميل، والخلق الكريم، ‏وهو مما ارتضاه الله وأحبه، عن ابن عباس. وقيل: هو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، عن سفيان ‏الثوري. وقال الربيع بن أنس: [وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا] أي: معروفاً.‏
وروى جابر عن أبي جعفر الباقر(ع) في قوله: [قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا]ـ قال: قولوا للناس أحسن ما ‏تحبون أن يقال لكم، فإن الله يبغض اللّعّان السبّاب الطعّان على المؤمنين، الفاحش المتفحش السائل ‏الملحف، ويحب الحليم العفيف المتعفف.‏
ثم اختُلف فيه من وجه آخر، فقيل: هو عامّ في المؤمن والكافر، على ما روي عن الإمام الباقر(ع). ‏وقيل: هو خاص في المؤمن.‏
واختلف مَنْ قال: إنه عامّ، فقال ابن عباس وقتادة: إنه منسوخ بآية السيف، وبقوله(ع): قاتلوهم حتى ‏يقولوا: لا إله إلا الله، أو يقرّوا بالجزية. وقد روي ذلك أيضاً عن الإمام الصادق(ع).‏
وقال الأكثرون: إنها ليست بمنسوخة؛ لأنه يمكن قتالهم مع حُسن القَولِ في دعائهم إلى الإيمان، كما قال ‏الله تعالى: [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ]، وقال في آية ‏أُخرى: [وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ من دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم].‏
على أنه يستفاد من بعض الآيات الشـريفة الأُخرى نفس المضمون والدلالة، منها: قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا ‏الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا]، أي: قولاً صحيحاً.‏
وقال الشيخ الطوسي: ((قَوْلاً سَدِيدًا)، هو السليم من خلل الفساد، وذلك الحق بالدعاء إلى العدل... وأصل ‏السديد من سدِّ الخلل، تقول: سددته أسدّه سدّاً، والسَداد: الصواب، والسِداد - بكسر السين - من قولهم: ‏فيه سِداد من عوز، وسدد السهم: إذا قوَّمه).‏
وقال أيضاً: ( (قَوْلاً سَدِيدًا)، أي: صواباً بريئاً من الفساد، خالصاً من شائب الكذب والتمويه واللغو).‏
وقال الشيخ الطبرسي: ( (قَوْلاً سَدِيدًا)، أي: موافقاً للشرع).‏
وأما الزمخشـري في الكشّاف، فقال: (قَوْلاً سَدِيدًا)، قاصداً إلى الحق، والسداد: القصد إلى الحق والقول ‏بالعدل، يقال: سدّد السهم نحو الرَّميَّةِ، إذا لم يعدل به عن سمتها، كما قالوا: سهم قاصد... وعدل في القول، ‏والبعث على أن يسدّ قولهم في كل باب؛ لأن حفظ اللسان وسداد القول رأس الخير كله، والمعنى: راقبوا ‏الله في حفظ ألسنتكم وتسديد قولكم، فإنكم إنْ فعلتم ذلك أعطاكم الله ما هو غاية الطلبة من تقبل ‏حسناتكم والإثابة عليها، ومن مغفرة سيئاتكم وتكفيرها. وقيل: إصلاح الأعمال: التوفيق في المجيء بها ‏صالحة مرضيّة... وهذا على الأمر باتّقاء الله تعالى في حفظ اللسان.‏
ومن الآيات الكريمة قوله تعالى: [وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا]، وقوله  عزوجل: [إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا]، ‏أي: قول الخير، وطلب الحلال، والبرِّ والصلة ونحو ذلك.‏
وقال تعالى: [قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ من صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ].‏
وقال عزوجل: [طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ].‏
وقال سبحانه وتعالى: [وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي من الْمُسْلِمِينَ].‏
وقال عز من قائل: [أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً ‏بَلِيغًا]، وأشباه ذلك، مما فرضه الله عزوجل لعمل اللسان، وأن يكون عليه حقيقة القول والبيان، في التبليغ ‏والإعلان.‏
وهذه الآيات الكريمة يجمعها قول الحق مطلقاً، كما في قوله تعالى: [وَقُلِ الْحَقُّ من رَبِّكُمْ]، الذي أمر به ‏المولى عزوجل، ودعا إليه، وأرسل الأنبياء والرسل للدلالة عليه، وأنزل الصحف والكتب السماويّة؛ لبيانه ‏وتوضيحه للعالمين أجمع.‏
▪ ‏ فقه الإعلام في السنّة الشريفة
قد مرَّ عليك أنّ من أبرز مصاديق فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو الإعلام الإسلامي ‏والتبليغ والدعوة والإرشاد، بكل أشكاله وتعابيره وصوره، الصادقة، الهادفة، الواقعيّة، التي تنبع من روح ‏الدين الإسلامي وتغرس الفضيلة بين أبناء المجتمع، بأسلوب رصين متزن.‏
يمكن أن يُستدل بمجموعة كبيرة من المرويات في هذا الباب، فيمكن تطبيقها في فهم الموقف الشرعي ‏في المنظور الإسلامي لفقه الإعلام، وحيث لا يسع المجال لسـرد العديد من الروايات، ونرى أنَ أقرب ‏الروايات لبيان ذلك، هو ما ورد في وصيّةٍ للإمام جعفر الصادق(ع) يوصي بها شيعته ومحبيه، فيما رواه  ‏سليمان بن مهران، قال: دخلت على الصادق جعفر بن محمد(ع) وعنده نفر من الشيعة، فسمعته وهو ‏يقول: معاشر الشيعة، كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً، قولوا للناس حسناً، واحفظوا ألسنتكم، وكفوها ‏عن الفضول، وقبيح القولكونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناًعمدة الغرض هنا حسن القول مع المخالفين ‏تقيةً، وكـذا المراد بـحفظ الألسنة حفظهـا عمّا يخالف التقيّة، والفضول زوائد الكلام، وما لا منفعة فيهقال ‏رسول الله(ص): رحم الله عبداً قال خيراً فغنم، أو سكت عن سوء فسلمقال أهل التحقيق: كلام الناس ‏مع الناس: إما أن يكون في الأمور الدينيّة، أو في الأمور الدنيويّة.‏
فإن كان في الأمور الدينيّة: فإما أن يكون في الدعوة إلى الإيمان وهو مع الكفار، أو في الدعوة إلى ‏الطاعة وهو مع الفاسق. أما الدعوة إلى الإيمان، فلا بد وأن تكون بالقول الحسن، كما قال تعالى لموسى ‏وهارون: [فَقُولاَ لَهُ قَوْلاَ لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى]، أمرهما الله تعالى بالرفق مع فرعون مع جلالتهما ‏ونهاية كفر فرعون وتمرده وعتّوه على الله تعالى، وقال لمحمد(ص): [وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا ‏من حَوْلِكَ].‏
‏ وأما دعوةُ الفسّاق، فالقول الحسن فيها معتبر؛ قال تعالى: [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ ‏الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ]، وقال: [ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ ‏حَمِيمٌ].‏
وأما في الأمور الدنيويّة، فمن المعلوم بالضـرورة أنه إذا أمكن التوصل إلى الغرض بالتلطف من القول لم ‏يحسن سواه.‏ فثبت أنّ جميع آداب الدين والدنيا داخلة تحت قوله تعالى: [وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا].‏
▪ فقه الإعلام بين حكم الإجماع والعقل
لا يختلف اثنان من المسلمين ـ على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم ـ في أن الأمر بالمعروف والنهي عن ‏المنكر واجبان إجماعاً عند عامّة المسلمين، مضافاً إلى ما تقدم من الكتاب العزيز والسنّة والمطهرة، وهذا ‏الإجماع ثابت بين عموم المسلمين.‏
والإعلام ـ محتوى ومضموناً ـ من أهم وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما مر، حيثُ يتّصف ‏بإعلام فضيلة لا رذيلة، إعلام حقيقة ومعرفة لا خداع وجهل، إعلام تسوده لغة القرآن الكريم وتحوطه ‏مفاهيمه الواضحة، ويرتكز على هديّ السنّة المطهرة الثابتة، ودلالاتها على مختلف المحاور والاتجاهات، ‏فيلحقه بذلك حكم إجماع المسلمين أيضاً. بل أجمعت على نشـر الفضيلة والمعرفة والتآخي بين عموم ‏أفراد المجتمع ـ على اختلاف وسائل الإعلام وتعددها ـ كافة الشـرائع السماوية.‏
ولا أغالي إن قلت: أجمع على ذلك عموم المجتمع الإنساني السليم؛ حيث يرى أن الإعلام الملتزم يجب ‏أن ينحُوَ هذا الطريق، ويسلك هذا المنهج، في نشـر ذلك، بكل ما لهذه الكلمة من معنى، بعيداً عن الإعلام ‏المضلل الذي يتّخذ من النظرية الميكافيلية الغاية تبرر الوسيلة شعاراً له، بالفكر والأسلوب، والعرْض ‏والمنهج، فيضل ويضلل، ويشوّه ويشوّش، ويبثّ روح الفرقة والتكفير بين عموم المسلمين، وزرع ‏الكراهية والشحناء، وسفك الدماء بين أبناء الأمّة؛ لأن الإنسان محترم ومكرم عند الله عزوجل، وكذلك ‏يجب أن يكون في المجتمع الإنساني مُحترماً ومُصاناً، فإنْ لم يكن يربط أبناءه رباط العقيدة والدين، فإنه ‏خلق مثلهم مكرم من الله تعالى، قال أمير المؤمنين علي عليه السلام ـ في عهده لمالك الأشتر عندما ‏أرسله والياً على مصر: ((وأشعِر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سَبُعاً ‏ضارياً تغتنم أكلهم؛ فإنهم صنفان: إما أخٌ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق)).‏
هذا، وإِن العقل مما يستقلّ بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير حاجة إلى أمر الشارع ‏المقدس، وبه يلحق حكم الإعلام أيضاً.‏
أما ما يُعرض على بعض وسائل الإعلام المتنوعة، العالميّة منها والإقليميّة والمحليّة، من نشـر الأكاذيب، ‏وقلب الحقائق، وتزوير الوقائع، وترويج للرذيلة والفحشاء، بمقدماتها ولوازمها، وعَرْض الأفكار المنحرفة ‏والضالة، عبر وسائلهم الإعلاميّة الظلاميّة، بصور متنوعة، وأشكال جميلة برّاقة، وألوان زاهية جذَّابة، ‏بتقنيّات عالية راقية؛ فإن ذلك مِما يمقته العقل السليم، وينأى عنه الحكماء والعقلاء وأصحاب الفضيلة، ‏فضلاً عن أهل الشـرع والدين.‏
فإن هذه الأمور من مبتدعات الشيطان وأبنائه، على تنوّع مسمياتها واختلافها، من الحركات الماسونيّة ‏والصهيونيّة العالميّة، ودول الاستكبار والاستعمار ونحو ذلك، التي تحاول السيطرة على مقدرات الشعوب ‏وإرادتها، وتحجيم طموحها وآمالها، بالسيطرة على مفاصل حياتها، وثوابت تفكيرها، للتحكم بعقولها ‏ورؤيتها لواقعها الخاص، بما يُحاك ويُنظر لها من واقع مغاير لواقعها تماماً، من خلال هذه الوسائل ‏الإعلامية المضللة، وتحت مصطلحات برّاقة وموضوعات رنّانة: كالحداثة والتقدّم، والتحرّر والانفتاح ‏والعَوْلمة، ونحو ذلك من العناوين التي كأنّها السـراب في الواقع والتطبيق في الجملة، وأشبه ما تكون ‏صـرخة من صرخات المُوضة والتغيير الشكلي والظاهري.‏
ذلك [لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ ‏بَعِيدٍ]؛ فيتوجه الخطاب إلى المؤمنين في قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ ‏يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ من أَحَدٍ ‏أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ].‏
انتهی الجزء الثاني ویلیه الجزء الثالث والأخیر في  العدد المستقبل
المصدر: مؤسسة وارث الأنبیاء
للدراسات التخصصیة في النهضة الحسینیة