printlogo


printlogo


جهود الصادقَين(ع) في تأسيس علم أصول الفقه
إنّ علم أصول الفقه باعتباره علما نشأ في أحضان الإسلام ولم يورث من الحضارات السابقة، قد حظي من بين العلوم الإسلامية بمكانة محورية،استمرت عدة قرون في عدد من المراكز والمعاهد المتصدية لإدارة البحث والحوار حول العلوم الإسلامية والإنسائية كالحوزات العلمية التي خصّصت لهذا العلم سهماً وافراً من النشاط الدراسي والبحثي.

ربما لم يكن يخطر على بال أحد أن ما طرحه الإمام علي(ع)  أمير والعلم من قواعد - تخصيص العامّ بالخاص، وتقييد المطلق بالمقيد، والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه (= المبيّن والمجمل)، قاعدة الاحتياط، والمباحث المرتبطة بمصادر الاستنباط وردّ سندية ومرجعية القياس، ونحو ذلك من المسائل، أن إنجازه هذا بلحاظ حاجة العلماء المسلمين كان قد تحوّل فيما بعد إلى علم إتّسم باسم (اُصول الفقه)، وصار بذرة خير لتأسيس علم واسع النطاق ومورد للعناية الخاصة.
أجل، إن هذا الأمر الذي لم يكن متصوراً قد تحقق على أرض الواقع، وقد تجلّى ذلك أكثر في أرجاء العالم الإسلامي بفضل جهود الصادقَين(ع)
وإن المتتبع لتأسيس العلوم الإسلامية العلامة السيد حسن الصدر بالنسبة لتأسيس علم أصول الفقه كتب يقول: «فاعلم أنّ أول من أسّس أصول الفقه وفتح بابه وفق مسائله: الإمام أبو جعفر الباقر للعلوم(ع)،ثم بعده ابنه الإمام أبو عبد الله الصادق(ع)، وقد أمليا على أصحابهما قواعده، وجمعوا من ذلك مسائل رتّبها المتأخرون على ترتيب المصنفين فيه بروايات مسندة إليهما، متّصلة الأسناد، وكُتب مسائل الفقه المروية عنهما موجودة بأيدينا إلى هذا الوقت بحمد الله.
منها: کتاب (أصول آل الرسول(ص)) مرتّب على ترتيب مباحث أصول الفقه الدائر بين المتأخرين، جمعه السيد الشريف الموسوي هاشم بن زین العابدين الخونساري الأصفهاني(قد) نحو عشرون ألف بيت كتابة،
ومنها: (الأصول الأصلية)؛ للسيد عبد الله العلامة المحدث الشبّري عبد الله بن محمد الرضا الحسيني الغروي، وهذا الكتاب من أحسن ما روي فيه أصول الفقه، يبلغ خمسة عشر ألف بيت،
ومنها: (الفصول المهمة في أصول الأئمة) للشيخ المحدّث محمد بن الحسن بن علي بن الحرّ المشغري صاحب كتاب وسائل الشيعة.
كتاب (الألفاظ ومباحثها).
کتاب (اختلاف الحديث ومسائله)،
کتاب (الخصوص والعموم)،
کتاب (إبطال القياس).
کتاب (خبر الواحد والعمل به ).
وبناء على هذا التحقيق فقد خطّأ السيد حسن الصدر دعوی جلال الدين السيوطي حيث قال في كتاب (الأوائل): “أول من صنّف في أصول الفقه: الشافعي بالإجماع”؛
وذلك لأن الإمام الشافعي [204- 150هـ) ليس مؤسّساً ومبتكراً لهذا العلم، ولا هو أول من صنّف فيه؛ فإن مؤسس هذا العلم الإمامان الصادقان “عليهما السلام”، وأول تأليف فيه كان لهشام بن الحكم (ت- ۱۷۹هـ) باسم (كتاب الألفاظ ومباحثها).
أجل، ينبغي القول: إن التحقيق المتقدّم في ردّ كلام جلال الدين السيوطي كلام صحيح ومطابق للواقع؛ فإنّ الشافعي لم يكن مؤسساً ولا أوّل مصنِّف في علم الأصول، لكن لابد من التشكيك في نسبة تأسيس اُصول الفقه الى الامامين الباقر والصادق(ع)، ونسبة التأسيس ينبغي أن تكون إلى الإمام علي”عليه السلام”، وإن كان الدّور البارز لهذين الإمامين الهمامين(ع) لا يُمكن إنكاره.
ومهما يكن من أمر فإنّ علم أصول الفقه باعتباره علما نشأ في أحضان الإسلام ولم يورث من الحضارات السابقة، قد حظي من بين العلوم الإسلامية بمكانة محورية، استمرت عدة قرون في عدد من المراكز والمعاهد المتصدية لإدارة البحث والحوار حول العلوم الإسلامية والإنسائية كالحوزات العلمية التي خصّصت لهذا العلم سهماً وافراً من النشاط الدراسي والبحثي، ومن الناحية العملية ركّزت أكبر اهتمامها وعنايتها بهذا العلم، بل ربّما يكون أكثر حتّی من علم الفقه.
ولعلّه يسبب هذا الدور البارز صار إحراز الاجتهاد في الأصول لدى البعض بمثابة الوصول الى مرتبة الاجتهاد المطلق في العلوم الإسلامية.
إن هذا الانطباع والتعامل لم یکن صدفة، بل يمكن أن يكون هذا التعامل ليس بسبب كون العديد من مسائل أصول الفقه مقدمة للفقه وعمليات استنباط الأحكام من المدارك المعتبرة فحسب، بل إنّه يمثّل أصول الفهم والتفكير الصحيح ومنطق الاستنباط الفني للمعارف الدينية من المصادر المعتبرة، وإن كانت نتيجتها معرفة غير مرتبطة بالشريعة بالمعنى الأخصّ ( = الأحكام).
إن الحقيقة التي لا تُنكر هي أن الهيمنة والإحاطة بالكثير من مسائل أصول الفقه، نظير: ما يُسمّی بـ (مباحث الألفاظ)، (تنظيم الأدلة وإدارتها) أي: التعادل والتراجيح تجري في مجال الاستنباط في المعارف الدينية بصورة عامة.
المصدر: مقالة بعنوان:
أصول الفقه تجديد الهيكلية وتوسعة النطاق؛
لآية الله الشيخ أبوالقاسم عليدوست
مجلة الإستنباط العدد الثالث