□ مقالة
الإعلام الإسلامي في نظر الإمام الخميني(قد): الدور المفقود
الانتباه: الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي «الآفاق» بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
"سوف نحسن وسائل الإعلام، نحسن الراديو والتلفزيون والسينما، يجب أن يكون كل هذه المراكز إسلامية، الإعلام إسلامي.. إلخ".
كثيرة هي النصوص المنقولة عن الإمام الخميني(قد) التي يتعرض فيها للإعلام ولا سيما في السنوات الأولى من عمر الثورة الإسلامية.
وتنبئنا مراجعتها بمدى الأهمية التي كان يعطيها الإمام لهذا القطاع على مستوى الدور الذي ينبغي أن يضطلع به والأداء الذي يفترض سلوكه، وبمدى المرارة التي كان يشعر بها تجاه الواقع الإعلامي السائد على مستوى الإعلام الغربي والإعلام الإسلامي على حد سواء.
ولا شك بأن فرز الكلمات والمقاطع والخطب التي تناول فيها الإمام الخميني القطاع الإعلامي ووسائله والعاملين فيها ودراستها وتحليلها بمراعاة ظروفها يمكن أن تشكل أساساً لبناء نظرية إعلامية إسلامية مدعومة باستراتيجية عمل لطالما افتقدها الإعلام الإسلامي وما زال يبحث عنها غافلاً عما بين يديه حتى صدق فيه القول:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما
والاء فوق ظهورها محمول
وبعد تسع سنوات على رحيل الإمام يقف الراغب في الاطلاع على أفكار الإمام وآرائه فيما يتعلق بدور وسائل الإعلام وأدائها وأولوياتها وبحرية الرأي والتعبير وحدودها... إلخ يقف حائراً دون أن يعثر على مرجع يروي ظمأه أو كتاب يشفي صدره ليتفاخر ويعمل به في مواجهة الآخرين بدل السقوط في دوامة التقليد والنهج الالتقاطي الاستنسابي أو الانغلاقي الخائف المفتقد للثقة بالنفس والعاجز عن ترجمة الأسس الفكرية الإسلامية السليمة إلى سلوك إعلامي راقٍ وجذاب في تميزه الإسلامي، ينشر مفاهميه بين أبناء المجتمع من خلال التفاعل مع قضاياه والمساجلة فيها في جو من المسؤولية المتبادلة.
وهذا الفراغ يحفز لعمل جماعي يرفع عبء مسؤولية التقصير عن كاهل الجميع مترجمين وباحثين وإعلاميين ومثقفين... إلخ. إذ لا يجوز أن تبقى آثار الإمام الخميني غريبة عن اللغة العربية حتى بعد مرور تسع سنوات على ارتحاله وعلى هذا المنوال كم سنة سنحتاج للبحث والدراسة والتحليل والاستنتاج من آثار الإمام؟ ثم متى نترجم هذه الاستناجات في مؤلفات واستراتيجيات وبرامج تعمل مستندة إلى أسس فكرية صلبة تأخذ طريقها إلى الميدان بآليات استيعابية مرنة قادرة على مراكمة تجارب مخططة تعيد رفد استراتيجيات وبرامج العمل بما يعزز مكانتها ويغذي مواكبتها لتطلعات المجتمع الإسلامي والتحديات التي تواجهه.
لقد أوصانا الإمام الخميني أن لا نسمح لمؤامرات أعداء الإسلام أن نودع كتاب الشهيد مطهري في مطاوي النسيان، لكن الحقيقة المرة التي وصلنا إليها بتهاوننا واستغراقنا في يومياتنا أن رثاء الإمام الخميني وآراؤه وتوجيهاته في مجالات كثيرة ومنها الإعلامية والثقافية قد أضحت هي نفسها في مطاوي النسيان وبتنا لا نحفظ منها سوى بعض الجمل التي نكررها بسطحية دون عمق وإدراك، وكأنه لا يكفي أننا مجتمع لا يقرأ، وقلما يستفيد مما يقرأ، حتى نضع أمام قراءة آثار الإمام المواكبة لتجربة إسلامية ناشئة على مدى عشر سنوات حاجز انعدام توفرها، لتكون النتيجة الطبيعية الحاجة للبحث عن نهج الإمام الذي لم ينشر أصلاً.
لكن من بعض المصادر النادرة المتوفرة باللغة العربية كسلسلة "مختارات من أقوال الإمام الخميني" التي تضم بعضاً من خطاباته مطلع الثمانينات إضافة لبعض المصادر المتفرقة يمكن الخروج ببعض القواعد والأصول التي سنها الإمام للعمل الإعلامي وأن اعتورها النقص الذي لا يعالج إلا بمواجهة شاملة لمواقف الإمام وتوجيهاته في مختلف الظروف والأوضاع. على أنه في سياق استعراض كلام الإمام من المفيد الاعتقاد بأننا المستهدفون بكلامه لأنه ينطبق على واقعنا في كثير من أجزائه.
1. أهمية الإعلام وضعف الإعلام الإسلامي
اعتبر الإمام الخميني(قد) أن أهم موضوع يعتمد العالم عليه اليوم هو الإعلام، لما له من أثر في تشكيل الرأي العام وإدارة حركته وبلورة ثقافته وقيمه ومفاهيمه. وهذا الموضوع الأكثر أهمية في العالم ينبغي المبادرة له دون إبطاء وتأخير وأن تصرف له الأموال لتوسعة مداه وتأثيره في الداخل والخارج حتى لا يبقى ضعيفاً ومحدوداً ونكون بالتالي مسؤولين بشكل أو بآخر عن مدى السوء الذي يلحق بنا وبصورتنا نتيجة التشويه الذي يمارسه الآخرون وعجزنا عن تقديم الصورة الواقعية للإسلام المحمدي الأصيل واتباعه.
وفي ذلك يقول الإمام: "إن الإعلام موضوع بالغ الأهمية بحيث يمكن أن يقال أنه أهم الموضوعات وأن العالم يعتمد عليه... ونحن مع الأسف لم نستطع القيام بهذا الأمر كما ينبغي""... لا بد من أن أعترف أننا ضعنا عن توسعة الإعلام حتى في داخل البلاد فضلاً عن خارجها". واعتبر أن سبب نجاح الدعاية الغربية المعادية في تشويه الإسلام والجمهورية الإسلامية هو "ضعف إعلامنا وضعفنا عن القول بالصدق". مؤكداً الأثر السلبي لعدم المبادرة إلى تحريك إعلامي فعال منذ البداية بحيث تكرست الصورة المشوهة وأصبح تغييرها أكثر صعوبة "فلو كنا نبعث (البعثات الإعلامية) إلى الخارج بعد الثورة مباشرة لم يكن وضعنا في الخارج كما هو عليه الآن" "إن هذا العمل القي بذلتموه كان الأولى أن تنجزوه منذ فجر الثورة حتى لا نواجه هذه المشاكل". ولأن الإعلام بهذه الأهمية ويتطلب مبادرة سريعة وتوسعة شاملة أمر الإمام بتخصيص الأموال الطائلة التي كانت تنفق في المصاريف الطاغوتية أيام الشاه خارج إيران لمصلحة الإعلام ليعطي النتائج المرجوة "يجب أن تصرفوا هذه الأموال في الإعلام".
2. دور الإعلام
للإعلام في نظر الإمام ثلاثة أدوار رئيسية، الأولى ترويجيٌ للإسلام وقيمه ومفاهيمه بما يسهم في حسن تربية النفس الإنسانية ورقيها، والثاني دفاعيٌ لمواجهة الغزو الثقافي ورد الاتهامات وتفنيد الدعاية المضادة، والثالث له دور في التواصل مع باقي الأمم والشعوب لنقل المعارف والاستفادة منها، وفي وسط هذه الأدوار توجد مساحة واسعة لتبادل الآراء والأفكار والمحاججة والنقاش. وفي الدورين الترويجي والدفاعي يقول الإمام الخميني(قد) "إن إعداد المقالات والكتب والآثار الفنية لتبيّن معالم الإسلام وفضح مؤامرات الأعداء والدفاع عن الحقوق العالمية للمسلمين هو تكليف عام وعظيم"، ويتابع "أفهموا العالم عن وضع الإسلام... وأجيبوا عن الدعايات المختلفة". إذ لا ينبغي بحسب توجيه الإمام أن تبقى هذه الدعايات دون إجابة وردود ولا يصح لنا القول أن الإجابة على شخص ما أو دعاية ما تقوّيهما، بل أن سكوتنا هو الذي يقوي الآخرين، ولا أحسب هذا القول إلا تبريراً لحالة التقاعس التي نزينها ونبررها لأنفسنا أو نغطي بها عجزنا.
وعن استخدام وسائل الإعلام في مواجهة التغريب الثقافي بطريقة مناسبة تتلاءم مع تقنياتها المتطورة يقول الإمام "أن المواجهة المناسبة للغزو الثقافي الغربي وفي كل الأبعاد ينبغي أن تكون على رأس برامج وسائل الإعلام". وبما أن هذه الوسائل هي ميدان الدفاع ضد الغزو الثقافي الغربي أوضح الإمام "أن الحرب الثقافية يمكن الرد عليها بالمثل، فلا يصح أن نرد عليها بالسلاح، بل أن سلاحها هو القلم" وحتى لا يلتبس الأمر على وسائل الإعلام والمتصدين للشأن الإعلامي، حتى لا نحارب كل شيء بعنوان مواجهة الغزو الثقافي، وإيضاحاً للدور (الثالث) التواصلي للإعلام مع الأمم والشعوب أوضح الإمام الخميني أن "الغزو الثقافي يختلف عن التبادل الثقافي، فالتبادل الثقافي أمر ضروري ولا يوجد أي أمة ليست بحاجة إلى الأمم الأخرى في نقل المعارف في جميع المجالات الثقافية والاستفادة منها".
3. حرية الرأي
إن المبدأ الأساسي الذي أرساه الإمام في هذا المجال هو اعتبار وسائل الإعلام للجميع دون استثناء ولا ينبغي أن تكون حكراً لأحد أياً كان "إن أجهزة الإعلام من إذاعة وتلفزيون وصحافة هي للجميع.. إن الحديث عني ينبغي أن يكون قليلاً أنا لا أرغب أن يكون الحديث عني دائماً وكلما يفتح المذياع يذكر اسمي فأنا متنفر من هذا وانه عمل خاطئ". "الصحف هي للطبقة المحرومة لا للطبقة المرفهة ولا للحكومة". وبناءً عليه من الطبيعي أن يكون المبدأ الثاني إعطاء الجميع حرية الإدلاء بآرائهم دون ضغط وإكراه، مع التأكيد على أن حرية الرأي لا تشمل حرية تدمير الإسلام ولا حرية إثارة الفتن والاضطرابات لأن ذلك يمثل اعتداءً على المجتمع وتخريباً لأمنه وسلباً لحريته وخياره.
والمبدأ الثالث مناقشة وتحليل ما يكتبه الآخرون ودعوتهم للمناظرة أمام الملأ لتكون الحقائق واضحة أمام الشعب ليحكم بنفسه.
يقول الإمام "في أوائل الإسلام كانت حرية الرأي، وفي عصور أئمتنا وفي عصر النبي(ص) وسلم نفسه كانوا (المخالفون) أحراراً يقولون ما يشاؤون، ونحن لدينا الحجة والبرهان، الذي يملك البرهان لا يخاف من حرية البيان. لكننا لا نسمح بالمؤامرات، هؤلاء ليس لهم كلام سوى المؤامرة، لقد دعوناهم ليعرضوا مطالبهم في التلفزيون ونبحث معهم ولكنهم لم يحضروا".
والمبدأ الرابع عدم فرض أقوال وآراء على الشعب لا يقر بها كما كان الواقع إبان حكم الشاه. وقد أشار الإمام الخميني(قد) إلى ذلك أثناء إعلانه عن قيام الجمهورية الإسلامية في إيران قائلاً "لا تستطيع الشرطة أن تفرض علينا وعلى الشعب قولاً بعد اليوم". لأن الشعب في الجمهورية الإسلامية لا يدار بواسطة الشرطة ولا يساق بالعصا.
والمبدأ الخامس مراقبة المسؤولين ومطالبتهم وحرية انتقاد آرائهم على أساس النقد البنّاء والمطالبة بتصحيح المسار في سبيل خدمة أفضل لأبناء الشعب وفي ذلك واضح قول الإمام لمجموعة من الصحافيين "لا مانع من انتقاد الحكومة انتقاداً سليماً لكن أن لا يكون انتقاماً وتضعيفاً".
بل أكثر من ذلك "إذا رأى الشعب حكومة جائرة تريد أن تظلمه فيجب أن يقدم شكوى ضدها وعلى المحاكم أن تقيم العدالة وإن لم تفعل فعلى الشعب أن يقيم العدل ويحطم أفواههم".
4. معايير للعمل الإعلامي
من قراءة النصوص التي بين أيدينا يمكن استخلاص بعض المعايير التي وضعها الإمام الخميني للعمل الإعلامي وجعلها مقياساً لنجاحه وتقدّمه وتمكّنه من أداء دوره بصورة مفيدة. ومن هذه المعايير.
أ) استحضار الرقابة الإلهية عند المخاطبة والكتابة لضمان عدم الانحراف والتزام الموضوعية التي تفرز المصداقية وتخدم أفراد المجتمع، ولو تصور كل إعلامي نفسه في محضر الله وأنه مسؤول عن صحة ما يكتبه ويتحمل الآثار المترتبة عليه لأصبح توخي الدقة والصدق أكبر همه وفائدة أبناء مجتمعه شغله الشاغل، حيث نلحظ آثار استحضار الرقابة الإلهية لدى الذين يربون أنفسهم عليها تعزيزاً للنزاهة والاستقامة والنصح الصادق، وبعداً عن التلفيق والانحراف وإثارة الفتن والضغائن. ويؤكد ذلك قول الإمام "عندما تمسكون الأقلام بأيديكم اعلموا أنكم في محضر الله فلا تتنازعوا في محضر الله في الأمور الباطلة".
وتصبح الصورة أكثر وضوحاً عندما يتحدث الإمام عن أثر هذه الأقلام في حياة البشرية ككل "... فالبشر لم ينتفع بشيء بقدر انتفاعه من الأقلام السليمة ولم يتضرر بقدر ما تضرر من الأقلام المسمومة". وقد جاء كلام الإمام الأخير في سياق يشير إلى دور القلم في تطور بني البشر والوصول إلى الأهداف الإنسانية حيث يقول "ما دام الإنسان يحاول أن يستمر في حياته تحت ظل الرشاشات والمدافع والدبابات فلن يتمكن أن يكون إنساناً ولا يمكنه الوصول إلى الأهداف الإنسانية، وعندما تنتصر الأقلام على الرشاشات وتنتشر العلوم بين البشر إلى حد يضعون الرشاشات جانباً ويفسحون الميدان للقلم والعلم .. عندئذٍ يتمكن الناس من الوصول إلى الأهداف الإنسانية الإسلامية وإلى الكمال العلمي والثقافي".
ب) البحث عن الأخبار والكتابات المفيدة للشعب والتي تواكب شؤونه وقضاياه وترفع من مستوى اهتمامه بالتطور والأعمال الإبداعية وزيادة المعرفة ونشرها وفي ذلك قال الإمام "لتنقل الإذاعة والتلفزيون والصحافة ما هو مفيد للبلاد، فمثلاً لو كان هناك فلاح مجدّ اكتبوا عنه في الصفحات الأولى بدل الكتابة عن المسؤولين، ليُكتب عن موظف جاد أو طبيب فاضل فهذا تشجيع للشعب ويدفعه للعمل أكثر".
ج) اعتماد الشفافية والواقعية وعدم المبالغة في طرح القضايا والأمور "لا تبالغوا أبداً، إن بضاعتنا لا تحتاج إلى التكلف والمبالغة، إنما نريد منكم إزاحة الستار الذي أسدله عليها الآخرون وصد الأكاذيب التي تنشرها دعايات السوء".
د) عدم تضخيم الأشخاص والإغراق في تعظيمهم بل ينبغي تقديم وعرض "كل شيء بنسبته الطبيعية وللجميع حيّز والإغراق فيه ضار للصحافة ومسيىء لها. إن قيم وشخصيات الأشخاص هي في ذواتهم، لا تزاد ولا تقل في ذكر أسمائهم قليلاً أو كثيراً".
هـ) الابتعاد عن التكرار والمطولات غير المفيدة التي تشعر بالملل وتوحي بالعجز عن الإتيان بجديد والتي تعمل وفق نهج صحافة وأعلام الملوك والأمراء حيث لا حديث سوى عن الرئيس أو الملك وأفعاله وأقواله واستقبالاته حتى لو كانت دون جدوى وأثر. ويستنكر الإمام الخميني(قد) هذا الأداء متعالياً عن نفسه ليشجع الإعلاميين على سلوك طريق أكثر فائدة. فيقول لرجال الصحافة والإعلام "أنا أتحدث يومياً عن قضية ما فيكررون ويكررون؟ إن أخبار الصحف ينبغي أن لا تكون مكررة، كل يوم تقولون وتكتبون مع من التقيت وماذا قلت، فهذا حديث مكرر ما فائدة ذلك؟".
بعد هذا الاستعراض المجتزأ والسريع اعتقد أننا بأمسّ الحاجة لنعيد قراءة آراء وأفكار الإمام الخميني(قد) في المجال الإعلامي وغيره وتقويم وتصويب أدائنا على أساسها لأننا بعيدون عن جزء منها ونعيش غربة كاملة عن بعضها. فهل ننطلق في هذا الطريق لنبحث في مضمون أدائنا الإعلامي أم نبقى ويطول بنا المقام ونحن نجرب ونغيّر في آليات وأشكال إدارته.
المصدر: مجلة بقیة الله، العدد 81