printlogo


printlogo


الموقف الشرعي من تيارات الغلو المعاصرة

‏ حذر أئمة أهل البيت(ع) من الغلاة وأهل الارتفاع، ونبهوا الى خطرهم داخل المجتمع، وزجروا شيعتهم عن مجالستهم ومؤاكلتهم والقاء التحية عليهم والاستماع لحديثهم؛ بغية عزلهم اجتماعيا مما يؤدي الى اضمحلال وجودهم وانتهاءه، فهم شر خلق الله على حد تعبير الروايات الشريفة، ولا يقل خطرهم عن خطر النواصب؛ فكلاهما عدوان لأهل البيت(ع) مهما تظاهر الغلاة بإظهار المحبة والمودة لهم.
ومما يؤسف له إن هناك محاولات لإعادة نشر هذا التيار من جديد بصور وهيئات معاصرة من خلال استغلال الشعائر الحسينية في عرض الاباطيل والبدع والخرافات التي تنسب لأهل البيت(ع) من ادعاء الربوبية أو الصفات الإلهية لهم كما شاهدناه وسمعناه من بعض الرواديد والمنشدين من قصائد تتضمن الغلو والارتفاع بنحو واضح وصريح بل اعتمد بعضهم الكذب في نقل اخبار وروايات لا أصل لها في سبيل اثبات مدعياتهم الباطلة.
ولا ريب في تعدد أسباب نشوء مثل هذه الأفكار بين الشيعة، فبعضها يرجع إلى عامل الجهل إذ يتصور بعض الموالين أنهم يرفعون من مقام أهل البيت(ع) في حين إنهم يصغرون من عظمة الله تعالى شأنهم في ذلك شأن النصارى، أو يكون الداعي إيماني ؛ لأجل الهرب من التقصير المنهي عنه فيقع بسبب جهله وقصور ادراكه في محذور الغلو، وبعضها يرجع إلى عامل الطمع كما نلحظ بعض الشعراء والمنشدين الذي يكتب وفق أهواء جماعات أو أفراد وإن كان لا يؤمن بها مقابل المال والجاه والنفوذ، وقد تبرأ منهم أمير المؤمنين(ع) ودعا عليهم بالخذلان حيث قال(ع) اللهم إني برئ من الغلاة كبراءة عيسى بن مريم من النصارى، اللهم اخذلهم أبدا، ولا تنصر منهم أحدا).
وقد ثبت بالوجدان اتباع بعضهم لجهات داخلية من أجل التغطية على أفعال تضر بالمجتمع كسرقة المال العام وتمرير القوانين التي تخدم الفاسدين ونحوها، أو خارجية من أجل ضرب عناصر القوة للمذهب وتمزيق المجتمع الواحد عبر احياء الفرق الضالة والمنحرفة كالنصيرية الملعونة على لسان الائمة الأطهار والفرقة المولوية الضالة التي تتبنى رؤى وعقائد مخالفة للقرآن والسنة كالحلول والاتحاد أو ترك العبادة اتكالا على الولاية وغيرها التي تضرب عقيدة التوحيد في واقعها.
وعليه فكل من يصف الإمام علي(ع) أو أحد أبناءه كالعباس(ع) بصفات الله تعالى وكان ملتفتاً لذلك فهو كافر خارج عن ملة الإسلام والتشيع ؛ ولذا حكم الفقهاء بنجاسته.
قال الشيخ الصدوق (أعلى الله مقامه): (اعتقادنا في الغلاة والمفوضة أنهم كفار بالله تعالى، وأنهم أشر من اليهود والنصارى والمجوس والقدرية والحرورية ومن جميع أهل البدع والأهواء المضلة، وأنه ما صغر الله جل جلاله تصغيرهم شيء).
وأما وظيفتنا اتجاه من ثبت غلوه، فهي تنبيهه للعودة الى الحق وترك هذه الأباطيل، فإن أبى فلابد من اظهار البراءة منه وبيان اباطيله للناس وهو من موارد المنكر الذي يجب النهي عنه. وهو ما أمرنا به أهل البيت(ع) حيث روى الطوسي بسنده عن الإمام الصادق(ع) إنه قال: (احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدونهم، فإن الغلاة شر خلق الله، يصغرون عظمة الله، ويدعون الربوبية لعباد الله، والله إن الغلاة شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا. ثم قال(ع): إلينا يرجع الغالي فلا نقبله، وبنا يلحق المقصر فنقبله.
فقيل له: كيف ذلك، يا بن رسول الله؟ قال: لان الغالي قد اعتاد ترك الصلاة والزكاة والصيام والحج، فلا يقدر على ترك عادته، وعلى الرجوع إلى طاعة الله أبدا، وإن المقصر إذا عرف عمل وأطاع) الأمالي للطوسي: 650.
كما ينبغي الالتفات إلى إن الدين والعقيدة لا تؤخذ مسلمة من الخطباء أو الرواديد أو مقدمي البرامج أو غيرهم من دون تثبت وتحقيق بل هناك قنوات علمية ووسائل صحيحة يمكن اتباعها للوصول إلى الحق في العقائد والأحكام كالفقهاء العدول الأمناء على الدين والدنيا في بيان الواقع عبر شرح النص الديني وتقريب الدليل العقلي.
ولذا نحذر المؤمنين من الانجرار وراء هذه التيارات بل لابد من محاربتها ومنع نشر هذه أباطيلهم بين الناس، وعليهم التحلي بالوسطية والاعتدال في الايمان والاعتقاد بأهل البيت(ع)، إذ لا يصح سلب المقامات والخصائص الثابتة لهم في القرآن والسنة، كما لا يصح تجاوز الحد فيهم بزعم ما ليس لهم، فكلا الطرفين مذمومين عقلاً وشرعاً.
المصدر: الاجتهاد