printlogo


printlogo


□ مقال
سيرة الإمام الباقر‌(ع) وظهور الحركة العلمية والثقافية في عهده

▪ الثورة العلمية
لقد قاد الإمام الباقر(ع)، حركة علمية واسعة استمرت على طول فترة إمامته (94 إلى 114 ه)، حتى بلغت ذروتها في إمامة ابنه الإمام الصادق(ع)، فقد حصل بعد ظهور الإمام الباقر(ع) تقدّم واسع في هذا الصعيد، وظهرت حركة علمية ثقافية جديرة بالإكبار في أوساط الشيعة كسرت حاجز التقية إلى حدّ ما، وأزالت حالة الانحسار الذي مني به الفكر الشيعي في دوائر خاصة، ففي ذلك الوقت بدأ الشيعة بتدوين علومهم الإسلامية كالفقه والتفسير والأخلاق و... وقد بلغت من الوفرة حدّاً لو قورن بما نقل عن ابناء الحسن والحسين(س) قبله لكان ما نقل لا يساوي معشار ما نقل عن الإمامين الباقر والصادق(ع).
خلال ثورته، ردّ الإمام الباقر(ع) استدلال أصحاب القياس، كما اتّخذ موقفاً شديداً مقابل سائر الفرق الإسلامية المنحرفة، وحاول جاهداً بهذا الموقف أن يضع حدّاً فاصلاً بين عقائد أهل البيت الصحيحة في الأصعدة المختلفة، وبين عقائد سائر الفرق، فقد كان يقول(ع) عن الخوارج: "إن الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم إن الدين أوسع من ذلك".
ولم تكن شهرة الإمام الباقر العلمية مقتصرة على أهل الحجاز، بل عمّت العراق وخراسان بشكل واسع، حيث يقول الراوي: رأيت أهل خراسان التفّوا حوله حلقات يسألونه عمّا أشكل عليهم.
▪ علم الكلام
إنّ عصر الإمام الباقر(ع)، نظراً إلى إتاحة الفرصة بسبب قلة سيطرة السلطة الحاكمة وفّر الفرصة، وأتاح المجال لظهور عقائد وأفكار مختلفة مما أدّى إلى إيجاد وانتشار أفكار منحرفة في المجتمع، فكان على الإمام(ع) في هذه الظروف بيان عقائد الشيعة الأصيلة ومجابهة العقائد الباطلة والردّ على الشّبهات المطروحة.
وعليه كانت بحوث الإمام الكلامية التي كان يطرحها ناظرة لهذه الأمور، منها: عجز العقول عن إدراك حقيقة الله، وأزلية واجب الوجوب، ووجوب طاعة الإمام، كما ترك لنا الإمام(ع) تراثاً كبيراً في مجالي الفقه والتأريخ.
▪ الإمام الباقر(ع) على لسان الفقهاء
إنّ شخصية الإمام الباقر(ع) لم تكن الفريدة من نوعها في رأي الشيعة الإمامية فحسب، بل إنّ علماء أهل السنة أيضاً يعتبرونه فريداً من نوعه.
فيقول ابن حجر الهيتمي في وصفه(ع): أبو جعفر محمد الباقر سمّي بذلك من بقر الأرض أي شقّها وأثار مخبآتها ومكامنها، فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة، أو فاسد الطوية والسريرة.
ومن ثمّ قيل فيه هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علَمه ورافعه ... عمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة.
وتحدّث عبدالله بن عطاء عن إكبار العلماء وتعظيمهم للإمام الباقر(ع) وتواضعهم له، وهو من الشخصيات البارزة والعلماء العظام ما قوله: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي لتواضعهم له.
أما الذهبي فقد كتب في وصف الإمام الباقر(ع) قائلاً: كان الباقر أحد من جمع بين العلم والعمل والسؤود والشرف والثقة والرزانة، وكان أهلاً للخلافة.
▪ شهادة الإمام الباقر علیه السلام
رغم ابتعاد الإمام الباقر(ع) ومن قبله والده الإمام السجّاد(ع)، عن كل ما یمت بصلة إلى السلطة ورموز بلاطها، إلاّ أنّه یمثل بالنسبة للسلطات الأُمویّة هاجساً من الخوف المشوب بالغیرة والحقد ونصب العداء، ویدخل ذلك ضمن الثقافة التي توارثها الابناء عن الآباء من رجالات السلطة، ذلك لأنّهم یدركون خطورة النشاط الذي یمارسه علیها، لكونه مصدر الوعي الإسلامي الصحیح ورائد الحركة الاصلاحیة في الأُمّة، التي تكنّ له التبجیل والاحترام فعملت السلطة على تصفیته جسدیاً، ولجأت إلى سلاحها المعهود فاغتالته بالسم في زمان هشام بن عبد الملك، الذي نقل أنّه كان شدید العداوة والعناد لأبي جعفر الباقر(ع) ولأهل بیته.
ولم تذكر الروایات تفاصیل أسباب دسّ السم إلیه وكیفیة شهادته، ومهما یكن فإنّ بعض المصادر ذكرت أنّ سبب موته مرض، بینما اكتفت بعض المصادر أنّ الإمام الباقر(ع) استُشهد مسموماً كأبیه، ولم تذكر من الذي باشر ذلك في حین ذكرت بعضها أنّ هشام بن عبد الملك هو الذي سمّه، وذكرت أُخرى أنّ إبراهیم بن الولید هو الذي سمّه.