□ مقالة/ الجزء الثالث والاخیر
البيتكوين ماهيتها و آراء المراجع فيها
الانتباه: الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي «الآفاق» بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
▪ البيتكوين
دراسة فقهية من منظور الفقه الحكومي
من منظور الفقه الحكومي هناك تحديات أمام البيتكوين لا يكمن أن يمر مرور الكرام لأن أضراره سيؤثر على النظام الاقتصادي للبلاد على المستوى الكلي. يدرس هذا القسم من البحث، البيتكوين من منظور القواعد الفقهية وهي: قاعدة الضرر، قاعدة الاحترام، قاعدة الحفاظ على النظام، قاعدة الإتلاف، قاعدة العدالة، المضاربة ( التخمين (Speculation).
دارسة البيتكوين فقهياً تستلزم دارسة على الصعيدين الفردي والحكومي؛صعيد الفقه الفردي ينظر إلى القضايا نظرة فردية ويتطرق صعيد الفقه الحكومي إلى المواضيع والمنظمات نظرة شاملة ومنتظمة.
▪ قاعدة الضرر
إحدى القواعد الفقهية المهمة التي تكون أساساً لكثير من الأحكام الفقهية الأخرى في الفقه، هي قاعدة “لا ضرر”. بالتأكيد هناك نظريات مختلفة في تبيينها . أهمها نظرية الشيخ الأنصاري رحمه الله الرامي إلى نفي الحكم الضرري ( لا حکمَ ضرری فی الشریعه) و نظرية الآخوند الخراساني رحمه الله أي نفي الحكم باللسان. (نفی الحکم بلسان نفی الموضوع) نفي الموضوع الضرري الذي وفقا له مفاد قاعدة النفي هي تلك المجموعة من الأحكام التي موضوعها ضررية و تفسير الإمام الخميني(قد) من القاعدة هو أن سماحته يرى أن نفي الضرر من باب الأحكام السلطانية و الحكومية.
وفقا لهذا الحكم الشامل الامتناني كل حكم من الأحكام الشرعية التي يؤدي في ظروف خاصة إلى إضرار بنفس المسلم أو بماله و عرضه و يضيع حق شخص آخر يعطل تطبيقه و العمل بذلك القانون. و أي عبادة أو صفقة تستوجب ضرراٌ شخصيا دنيوياٌ - سوى الواجبات الأولية الضرورية كالجهاد و الخمس و الزكاة و الحج و القصاص و الحدود و الديات التي وضعت لأجل مصالح أهم- تلغى و ترفع.
بما أن الدخول اللامعقول للعملات الافتراضية دون رقابة مسؤولي الحكومة بوصفهم متخذي القرار الحصريين في السياسة النقدية قد يؤدي إلى تضييع حقوق أبناء المجتمع و الثروات الوطنية، بالاستناد إلى قاعدة الضرر يمكن أن يعتبر إنتاج و سريان هذه النقود في الاقتصاد الواقعي بأنه غير صحيح.
▪ قاعدة الاحترام
الاحترام يعني تكريم كل شيء وإعطاءه حرمته متناسبا لمكانته. القصد من قاعدة الاحترام هو احترام أموال الناس وصيانة أموالهم من العدوان و الغصب هذا يعني أولا الاعتداء علي أموالهم و غصبها ليس مسموحا و لو افترضنا الحدوث الاعتداء و العدوان على أموالهم يكون المعتدي مسؤولاً و كفيلاً .
لهذا وفقاً لقاعدة الاحترام و حرمة تضييع أموال المسلمين الدخول بلا الرقابة لهذه النقود في الاقتصاد الواقعي يؤدي إلى حدوث تغيير ضرري في حجم النقود و موارد الاقتصاد الواقعي، فعلى هذا الأساس ضخ نقود كهذه تحريمها محتمل.
▪ قاعدة حفظ النظام
إحدى القضايا الملحة في الفقه هي لزوم الحفاظ على النظام و الحد من الاختلال في نظام حياة المسلمين. اعتبر الفقهاء هذا المبدأ كقاعدة عقلية ضرورية مسلمة لدرجة تنازلوا عن الأحكام الأولية حفاظاً على هذا المبدأ و أصدروا الفتاوى الثانوية. وفقاً لهذه القاعدة إذا شوهد أن العقلاء بما هم عقلاء يعتبرون شيئاً حسناً لأنها يؤدي إلى الحفاظ على النظام و بقاء النوع، أو يعتبرونه قبيحاً لأنه يخل بالنظام لابد أن يحكم الشارع مثل ما هم يحكمون، لأنه من العقلاء و بل رئيسهم.
إذن نظراً لتحديات العملات الافتراضية كالمشاكل الأمنية و سهولة الأجرام الكترونية و التهرب الضريبي و غسيل الأموال التي تخل بالنظام الاقتصادي و حتى السياسي و الاجتماعي، تقتضي المصلحة أن يحول الحاكم الإسلامي دون دخول هذا النوع من النقود إلى الاقتصاد الواقعي حتى ينتظم إنتاج و سريانه.
▪ قاعدة الإتلاف
من القواعد الفقهية المشهورة بشأن الضمان التي تمسك بها الفقهاء هي قاعدة الإتلاف. مفاد قاعدة الإتلاف مندرجة في ” من أتلف مال الغير فهو له ضامن ” . معنى هذه القاعدة هو من أتلف أو استهلك مال غيره دون إذنه أو استفاد منه فهو ضامن لصاحب المال. لهذا لو كان صاحب القرار في السياسة النقدية بعدم رعايته مصلحة المسلمين و غبطتهم و عبر السياسات التي تؤدي إلى إهدار أموال المسلمين تسبب في تقلص ثمن الموارد و الحقوق اعتماداً على قاعدة الإتلاف، هو ضامن و فعله الضرري بالاستناد على قاعدة الاحترام و أصل حرمة تضييع أموال المسلمين محرم.
▪ قاعدة العدالة
تعريف العدالة ليس أمرا سهلاً ليس بسبب أنه لا يتلقى بشكل صحيح، لأن العدل و الظلم يعتبران من المفاهيم الواضحة و البديهية في حوزة العقل العملي مثل الوجود و العدم في حوزة العقل النظري بل بساطته المفهومي يسبب هذا الأمر. التعاريف التي قدموها المفكرون هي التعريف بالمصداق غالباً.
الإسلام الذي يعتبر العدالة الاجتماعية من مبادئه الأساسية لتكوين سياسته الاقتصادية لم يؤسس هذا الأمر بالمفهوم التجريدي و لم يدع إليه بشكل مفتوح حتى يكون حمالاً لأي تفسير، كما لم يحوله إلى المجتمعات البشرية التي لها نظرات مختلفة حول العدالة و يفسرونها وفقاً لفكرهم و تلقيهم من الحياة . بل عرض الإسلام العدالة في خضم اتخاذ سياسة و تخطيط معينين حتى تمكن أن يجسد هذه الفكرة في واقع حي؛ الواقع الذي جميع أجزائه ممزوجة بمفهوم العدالة الإسلامية.
يقول الإمام الخميني(قد) بشأن أساسية العدالة في الفقه الإسلامي:” تطبيق القوانين على أساس العدل و التصدي لظلم الظالمين و الحكومة الجائرة و بسط العدالة الفردية و الاجتماعية ومنع الفساد و الفحشاء و أنواع الانحرافات و الحرية المعتمدة على العقل و العدل و الاكتفاء الذاتي و الحد من الاستغلال و الاستبعاد و تطبيق الحدود و القصاص و التعزيرات المبنية على أساس العدل و الإنصاف و مئات من نماذج أخرى على هذا الغرار ليست أشياء تصبح تاريخية على مر العصور و طوال تاريخ الإنسان و الحياة الاجتماعية.
هذا الدعوى يشابه هذا الأمر أن يقال يجب أن تتغير القواعد العقلية و الرياضية في القرن الحالي و يوضع مكانها قواعد أخرى. ” من هذا المنظار، إن التوزيع غير عادل للثروة يعد من تهديدات البيتكوين على نظام الاقتصاد الاسلامي، لأن معظم حجم سوق هذه العملة متعلق لأشخاص معدودين يعتبرون في الحقيقة من أصحاب الأسهم الرئيسيين للبيتكوين و عن هذا الطريق يستطيعون أن يحملوا عقوبات و مخاطر على اقتصاد الدول التي راج فيها البيتكوين .
الخط البياني التالي يشير إلى قلة عدد أصحاب أسهم البيتكوين الرئيسيين:
▪ البيتكوين
المضاربة ؛ التخمين (Speculation)
القضية الأخرى التي تطرح تحت مواصفات البيتكوين هي أن البيتكوين مجال مناسب للغاية للمضاربة. و المضاربة نشاط اقتصادي يهدف إلى كسب الأرباح عبر تكهن سعر البضائع و أسناد الضمان أو العملات. الدافع الرئيسي لدي المضاربين من ممارسة الصفقات و بيع و شراء الأموال المختلفة كسب الأرباح.
من منظور الفقه الفردي إن تمت المضاربة في إطار الأحكام الشرعية المتعلقة بالبيع و الشراء و بعيدة عن الحالات المنهية عنها في الشريعة الإسلامية منها التدليس و الخدعة و الممارسات المظلة و الاحتكار و التواطؤ و نشر الأخبار الكاذبة و الإشاعات و الصفقات الشكلية و… فإنها ستكون مسموحة من الناحية الفقهية .
جدير بالذكر أن المضاربة من وجهة نظر الفقه الحكومي إن أدت إلى الاختلال بالنظام الاقتصادي وإلحاق الأضرار بالمجتمع فإن صحتها ستكون محل الإشكال فقهياً .
▪ الملخص
إذن بالاستناد إلى أدلة كقاعدة الضرر و قاعدة الاحترام وقاعدة الإتلاف وقاعدة المصلحة التي ينهى جميعهاً عن السياسات النقدية الخاطئة والتغيير الضرري في حجم النقود يجب أن يحول دون دخول شرعية العملات الافتراضية إلى العالم الحقيقي لغاية ما تدبر الحكومة رقابة على هذه العملات في الاقتصاد الواقعي.
لاشك إن لم تؤثر هذه العملات سلبياً على نظام النقود الحقيقية فلا تواجهها مشكلة وهي شرعية، لكن إن أدى ورود هذه العملات ما يسمى بالافتراضي إلى العالم الحقيقي إلى ظواهر كتغيير حجم النقود وتضييع أموال الغير وظواهر مغايرة للمصلحة كخروج العملات و تسهيل الجرائم، فبالاستناد إلى هذه القواعد الفقهية التي تندرج تحت مبحث الفقه الحكومي فبالإمكان أن نعتبر تأصيل البيتكوين في النظام المالي للبلاد محل الإشكال شرعاً.
المصدر: الاجتهاد