printlogo


printlogo


□ مقال
ذكرى ولادة الإمام موسى الكاظم‌(ع) نور من عَلم النبوة
ولد الإمام موسى بن جعفر(ع)، يوم العشرين من ذي الحجة (وعلی رواية في السابع من شهر صفر) نهاية العهد الاموي سنة (128ه) في ( الابواء ) بين مکة المکرمة والمدينة المنورة ، وهو البلد الذي توفيت ودفنت فيه آمنة بنت وهب أم الرسول(ص). وبهذه المناسبة السعيدة نتطرق إلى بعض مظاهر من شخصية الإمام الكاظم(ع):

▪ أولا- وفور علمه
لقد شهد للإمام موسى الكاظم(ع) بوفور علمه، أبوه الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع) إذ قال عنه: "إن ابني هذا لو سألته عمّا بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم". وقال ايضا: وعنده علم الحكمة، والفهم والسخاء والمعرفة بما يحتاج اليه الناس فيما اختلفوا من أمر دينهم".
ويكفي لمعرفة وفور علومه رواية العلماء عنه جميع الفنون من علوم الدين وغيرها مما ملأوا به الكتب وألفوا المؤلفات الكثيرة، وحتى عرف بين الرواة بالعالم. وقال الشيخ المفيد: وقد روى الناس عن أبي الحسن موسى فاكثروا، وكان أفقه أهل زمانه".
▪ ثانيا- عبادته وتقواه
نشأ الإمام الكاظم(ع) في بيت القداسة والتقوى، وترعرع في معهد العبادة الطاعة، بالاضافة الى انه قد ورث من آبائه حب الله والايمان به والاخلاص له، فقد قدموا نفوسهم قرابين في سبيله وبذلوا جميع إمكانياتهم في نشر دينه والقضاء على كلمة الشرك والضلال، فأهل البيت اساس التقوى ومعدن الايمان والعقدة، فلولاهم ماعبد الله عابد ولا وحُده موحد. وما تحقُقت فريضة ولا أقيمت سنة، ولاساغت في الإسلام شريعة. 
لقد رأى الإمام(ع) جميع صور التقوى ماثلة في بيته، فصارت من مقومات ذاته ومن عناصر شخصيته وحدّث المؤرخون أنه كان أعبد أهل زمانه حتى لقب بالعبد الصالح وبزين المجتهدين إذ لم تر عين انسان نظيراً له قط في الطاعة والعبادة في صلاته وصومه وحجه وتلاوته للقرآن الكريم وعتقه للعبيد و.. .
▪ ثالثا- زهده
كان الإمام(ع) في طليعة الزاهدين في الدنيا والمعرضين عن نعيمها وزخارفها فقد اتجه إلى الله ورغب فيما اعدّه له في دار الخلود من النعيم والكرامة ، وقد حدثنا عن مدى زهده ابراهيم بن عبدالحميد فقال: دخلت عليه في بيته الذي كان يصلي فيه، فاذا ليس في البيت شيء سوى خصفة وسيف معلق ومصحف.
لقد كان عيشه(ع) زهيدا وبيته بسيطا فلم يحتوي على شيء حتى من الامتعة البسيطة التي تضمها بيوت الفقراء الامر الذي يدل على تجرده من الدنيا واعراضه عنها على انه كانت تجبى له الاموال الطائلة والحقوق الشرعية من العالم الشيعي بالاضافة الى انه كان يملك الكثير من الاراضي الزراعية التي تدر عليه بالاموال الكثيرة وقد انفق جميع ذلك على البائسين والمحرومين في سبيل الله وابتغاء مرضاته وكان(ع) دوما يتلو على اصحابه سيرة أبي ذر الصحابي العظيم الذي ضرب المثل الاعلى لنكران الذات والتجرد عن الدنيا والزهد في ملاذها فقال(ع): "رحم الله أبا ذر.
فلقد كان يقول: جزى الله الدنيا عني مذمة بعد رغيفين من الشعير، أتغذى باحدهما واتعشى بالآخر، وبعد شملتي الصوف أئتزر باحدهما وارتدي بالاخرى..".  
▪ رابعا- جوده وسخاؤه
لقد تجلّى الكرم الواقعي، والسخاء الحقيقي في الإمام(ع) فكان مضرب المثل في الكرم والمعروف، فقد فزع اليه البائسون والمحرومون والمستضعفون لينقذهم من كابوس الفقر وجحيم البؤس وقد اجمع المؤرخون انه انفق(ع) جميع  ماعنده عليهم، كل ذلك في سبيل الله لم يبتغ من احد جزاءا او شكورا، وكان يلتمس في ذلك وجه الله ورضاه ، وكان يواصل الطبقة الضعيفة ببره واحسانه وهي لاتعلم من اي جهة تصلها تلك المبرة وكان يوصلهم بصراره التي تتراوح ما بين المائتي دينار إلى الاربعمائة دينار وكان يضرب المثل بتلك الصرار فكان اهله يقولون: "عجبا لم اجاءته صرار موسى وهو يشتكي القلة والفقر!!".   
▪ خامسا- حلمه
وكان الحلم من أبرز صفات الإمام موسى بن جعفر(ع) فقد كان مضرب المثل في حلمه وكظمه للغيظ، وكان يعفو عمن أساء إليه، ويصفح عمن اعتدى عليه، ولم يكتف بذلك وانما كان يحسن لهم ويغدق عليهم بالمعروف ليمحو بذلك روح الشر والانانية من نفوسهم، وقد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة من حلمه فقد رووا: ان شخصا كان يسىء للامام(ع) ويكيل السب والشتم لجده أمير المؤمنين(ع) فأراد بعض شيعة الإمام اغتياله فنهاهم(ع) عن ذلك ورأى أن يعالجه بغير ذلك فسأل عن مكانه فقيل: أنه يزرع في بعض نواحي المدينة، فركب(ع) بغلته ومضى اليه متنكرا، فوجده في مزرعته فاقبل نحوه، فصاح به: لاتطأ زرعنا واستمر الإمام حتى وصل إليه، ولمّا انتهى جلس الى جنبه وأخذ يلاطفه ويحدثه بأطيب الحديث، وقال له بلطف ولين:                
- كم غرمت في زرعك هذا؟
- مائة دينار.
- كم ترجو أن تصيب منه؟
- انا لا اعلم الغيب!!
- انما قلت لك: كم ترجو أن يجئك منه؟
- أرجو ان يجيئني منه مئتا دينار.
فأعطاه(ع) ثلاثمائة دينار، وقال: هذه لك، وزرعك على حاله، فتغير وجه الرجل وخجل من نفسه على ما فرط من قبل في حق الإمام، وتركه(ع) ومضى إلى الجامع النبوي، فوجد الرجل قد سبقه، فلما رأى الإمام مقبلا قام اليه تكريما وانطق يعتف: "(الله أعلم حيث يجعل رسالته)" في من يشاء.
فبادر اليه اصحابه منكرين عليه هذا الانقلاب، فاخذ يخاصمهم ويتلو عليهم مناقب الإمام ومآثره، ويدعو له، فالتفت الإمام(ع) إلى اصحابه قائلا: "أيّما كان خيرا؟ ما أردتم او ما أردت ان اصلح أمره بهذا المقدار؟. وكان(ع) يوصي أبناه بالتحلي بالحلم الرفيع ويامرهم بالصفح عمن أساء اليهم فقد جمعهم وأوصاهم بذلك فقال:" يابُنيّ: إني أوصيكم بوصية من حفظها انتفع بها، إذا أتاكم آت فأسمع احدكم في الاذن اليمنى مكروها ثم تحوّل الى اليسرى فاعتذر لكم، وقال: إني لم أقل شيئا فاقبلوا عذره".
▪ سادسا-ارشاده للناس
 إن ارشاد الناس الى الحق وهدايتهم الى الصواب من أهم الأمور الاصلاحية التي كان الإمام موسى بن جعفر(ع) يعني بها، فقد قام بدور مهم في انقاذ جماعة ممن أغرتهم الدنيا وجرفتهم بتياراتها. وببركة ارشاده ووعظه لهم تركوا ماهم فيه من الغيّ والضلال وصاروا من عيون المؤمنين. لقد كان(ع) يدعو الناس إلى فعل الخير ويدلهم على العمل الصالح ويحذرهم لقاء الله واليوم الآخر، فقد سمع رجلا يتمنى الموت فانبرى(ع) له قائلا: هل بينك وبين الله قرابة يحابيك بها؟ فقال:لا، قال له(ع): "فأنت إذن تتمنّى هلاك الابد".
▪ سابعا- إحسانه إلى الناس
 وكان الإمام(ع) بارّا بالمسلمين محسنا إليهم، فما قصده أحد في حاجة إلا قام بقضائها، فلا ينصرف منه إلا وهو ناعم الفكر مثلوج القلب، وكان(ع)  يرى أن ادخال الغبطة على الناس وقضاء حوائجهم من أهم أفعال الخير فلذا لم يتوان فقط في إجابة المضطر ورفع الظلم عن المظلوم وقد اباح لعلي بن يقطين الدخول في حكومة هارون الرشيد وجعل كفارة عمل السلطان الاحسان إلى الاخوان مبرّرا له، وقد فزع اليه جماعة من المنكوبين فكشف آلامهم وملأ قلوبهم رجاءا ورحمة. 
إن الإمام موسى بن جعفر(ع) هو من العترة الطاهرة ومن شجرة النبوة الباسقة والدوحة العلوية اليانعة ومحط علم الرسول وباب من ابواب الوحي والايمان ومعدن من معادن علم الله وبيت أهل النبوة الطاهرة الزكية.
إن الرسول الكريم(ص)،  قرن هذا البيت بالقرآن الكريم - كما ورد في حديث الثقلين- وصفهم بسفينة نوح التي من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهوى، ومثّلهم بباب حطّة الذي من دخله كان آمنا.الى الكثير من احاديثه(ص) في بيان فضلهم والتنويه بعظمة مقامهم.
المصدر: وکالة أنباء فارس