printlogo


printlogo


□ مقالة
بيعة الغدير في الأدب العربي


الانتباه: الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي «الآفاق» بالضرورة،  بل تعبر عن رأي أصحابها
مكانة رفيعة خطيت بها بيعة الغدير في الأدب العربي، حيث ورد على ذكر ووصف هذا اليوم العظيم من تاريخ الأمة الإسلامية كل من شاعر الرسول حسّان بن ثابت وكذلك ابن الرومي والشاعر أبو محمد المنصور بالله والشاعر النجفي محمد علي الأعسم.
والشعر كان ولا يزال ديوان العرب الذي دونت فيه كل شاردة وواردة في حياتهم، ولاشك أنّ حادثة الغدير من الحوادث التاريخية المهمة التي جرت في حياة الإسلام, ولهذا دوّنها الشعراء المسلمون شعرا , مازلنا نردده ونتلذذ بسماعه, وهو يصوّر لنا ذلك الحدث الكبير الذي حصل بعد فتح مكة في عهد الرسول الأكرم محمد(ص).
وياتي ذلك على الرغم من مرور أكثر من ألف وأربعمائة عاما على تلك الوقفة التي تمثّلت ببيعة الغدير الأغر التي تكتسب أهميتها في كونها لم تأتِ كحدث عابر مر بحياة المسلمين, وإنما جاءت لتكرس مفهوما عقائديا يتجسد بالولاية التي اختص بها الله تعالى,الإمام علي(ع) ليتبوأ مكانا قياديا في مسيرة الأمة,ولاسيما بعد انتقال خاتم النبيين محمد(ص)إلى الرفيق الأعلى.
وقد تجسد ذلك الأمر الرباني بما أنزله الله على نبيه الكريم(ص), يأمره أن يصدح ويبلغ بذلك النبأ العظيم, من دون تردد ولا وجل, مخاطبا له بالقول: [يا أيها النبي بلغ ما أنزل إليك من ربّك] (المائدة -67).
والحق إنّ بيعة الغدير كانت في صلب توجهات العقيدة الإسلامية منذ اللحظة الأولى, إذ أنبرى شاعر الرسول حسّان بن ثابت لتدوينها, قائلا:
يناديهم يومَ الغديرِ نبيهُم
بخمٍ وأسمع بالرسول مناديا
فقالَ:فمن مولاكم ونبيكم
فقالوا ولم يبدو هناك التعاميا
إلهكَ مولانا وأنتَ نبينا
ولم تلقَ منا في الولايةِ عاصيا
فقالَ له: قُمْ يا عليُ فإنني
رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فمن كنتُ مولاه فهذا وليّه
فكونوا له أتباع صدق مواليا
هناك دعا اللهم: والِ وليه
وكنْ للذي عادى عليّا معاديا
ثم تبعه عدد كبير من الشعراء المسلمين متخذين ذات المنحى, وهم ينشدون ويصدحون بقصائدهم, مستذكرين صاحب هذه الذكرى العطرة ,الإمام علي ابن أبي طالب(ع),وهو يتوج إماما ووصيا وخليفة للأمة .
وهنا لابد من التذكير بالجهد الكبير الذي بذله العلاّمة الراحل عبد الحسين الأميني(رح) في تأليف موسوعته الشهيرة الموسومة (الغدير في الكتاب والسُنة والأدب), والتي تعد من أهم الموسوعات الإسلامية التي تصدت لهذه القضية الكبرى.
إنّ ما قيل في الغدير من الأدب العربي منذ القرن الأول الهجري وإلى يومنا هذا كبير وكثير بحيث لا يستطيع أحد أن يحصيه, ولهذا سنضطر لاختيار بعض المقطوعات الشعرية المنتقاة التي تتلاءم مع هذه المناسبة معرجين عليها ببعض اللمحات والتعليقات التي تتناسب ومقام كل قصيدة .
ولنبدأ بابن الرومي الذي يصف عليّا كالتبر المصفى, مبينا أنّ محله من الفضل هو كمحل الشمس في العلو ,أو البدر في الليلة الظلماء, معرجا على يوم الغدير,قائلا:
وأراه كالتبر المصفى جوهرا
وأرى سواه لنا قديه مبهرجا
ومحله من كل فضل بيّن
عال محل الشمس أو بدر الدجى
قال النبي له مقالا لم يكن
يوم الغدير لسامعيه ممجمجا
من كنت مولاه فذا مولى له
مثلي فأصبح بالفخار متوجا
وحول يوم الغدير في الأدب العربي، يستغرب الشاعر أبو فراس الحمداني متسائلا لمن ينكرون بيعة الإمام علي(ع),فيقول منشدا:
أتراهم لم يسمعوا ما خصّهُ
منه النبي من المقال أباهُ؟
إذ قالَ يومَ (غدير خمّ) معلناً:
من كنت مولاه فذا مولاهُ
هذي وصيتهُ إليه فافهموا
يا من يقولُ بأنَّ ما أوصاهُ
قروا من القرآن ما في فضله
وتأملوه وافهموا فحواهُ
وهكذا تتواصل القصائد حول يوم الغدير في الأدب العربي مستهجنة قول المخالفين والمنكرين والجاحدين.فهذا الشاعر أبو محمد المنصور بالله يشير إلى هذا المعنى قائلا:
وقال فيه المصطفى: أنت الولي
ومثله: أنتَ الوزيرُ والوصي
وكم وكم قالَ لهُ: أنتَ أخي!
فأيهم قالَ لهُ مثلَ علي؟
٭ ٭ ٭
وهل سمعتَ بحديثِ موسى
يومَ الغديرِ والصحيحُ أولى
ألم يقلْ فيه الرسول قولا
لمْ يبقَ للمخالفين حولا
وهلْ سمعتَ بحديثِ المنزله
يجعلُ هارونَ النبي مثله
ونلمح ذات المعنى في أبيات من قصيدة للشاعر النجفي محمد علي الأعسم قائلا:
سألتُكَ أيها الماشي عنادا
فأوقعكَ العنادُ بكل هونِ
مَنْ المخصوصُ يومَ غديرِ خمٍ
من الرحمنِ بالفضلِ المبينِ
ومَنْ قالَ النبيُ له بأمرٍ
من الباري أتاه عن يقينِ
ألا مَنْ كنتُ مولاه فهذا
عليُ الطهرُ مولاهُ أسمعوني
جعلتُ خليفتي فيكم عليّا
وصي وازئي قاضي ديوني
أما الشاعر علاء الدين الحلّي الشهيفي فيرى أن في بيعة الغدير للإمام علي قد كمل الدين, واشتد عضده بعد أن أصابه الوهن,ولهذا اختاره النبي الكريم(ص) ليكون له أخا ولم يختر سواه أحدا من بين صحابته, فيقول منشدا:
يا من كمل الدين الحنيف وللإ
سلام من بعد وهن حيله عضدا
أنت الذي أختارك الهادي البشير
أخا وما سواك أرتضى من بينهم أحدا
وفي هذه الأبيات نرى الشاعر إبراهيم الكفعمي العاملي يهنئ يوم الغدير نفسه بهذه المناسبة ويعدّه يوما للحبور والسرور حيث تم به إكمال دين الإله سبحانه وتعالى وكذلك تمت به نعمة الربّ الغفور .
فيوم الغدير كما يراه الشاعر هو يوم العقود ويوم الشهود ويوم الفلاح والنجاح والصلاح لهذه الأمة,إذ تتوج به الإمام علي(ع) الإمارة, فيقول:
هنيئا هنيئا ليوم الغدير
ويومِ الحبورِ ويوم السرورِ
ويومِ الكمالِ لدينِ الإله
وإتمام نعمةِ ربٍّ غفورِ
ويومِ العقودِ ويوم الشهودِ
ويومِ المدودِ لصنو البشيرِ
ويومِ الفلاحِ ويومِ النجاحِ
ويومِ الصلاحِ بكلِ الأمورِ
ويوم الإمارةِ للمرتضى
أبي الحسنين الإمام الأميرِ
ويستمرُ صوتُ الشعراء صادحا ليوم الغدير ليجسد معاني هذه الذكرى الخالدة,فهذا الشاعر والخطيب السيد خضر القزويني ينشدُ للغدير, ويرى أن العرب قد بلغت مناها بيومه المجيد,فيقول:
عيدُ الغديرِ بكَ العربْ
بلغتْ مناها والأربْ
وغدا لها بك في الورى ال
مجد الأثيل ولا عجبْ
وحدتَ نشرَ صفوفها
ومنحتَ وحدتَها الغلبْ
ورفعتَ رايتَها وفي
عليائها كنتَ السببْ
وينحو الشاعر جعفر النقدي منحى شعريا تساؤليا مبتدأ قوله بالسؤال عن الأحاديث التي وردت في ذكر فضل هذا الفتى الكرار(ع),مسترشدا بما روي من أخبار الثقاة عن بيعة الغدير وكيف جرت أحداثها على مرأى من تلك حشود الحجيج وهم يلتقون في البقعة المباركة (الغدير),فيقول واصفا:
وسلْ الأحاديثَ التي في فضلهِ
أمستْ لها أيدي العدو تحررُ
يومٌ به جبريلُ جاءَ مخبرا
عن ربّهِ وهو السميعُ المبصرُ
يا أيها المختارُ بلغْ في الفتى ال
كرار ما قد كنتَ قبلا تسترُ
واللهُ يدفعُ كلَ كيدٍ خفته
من معشرٍ قد خالفوا وتكبروا
فأقامَ في حرِ الظهيرةِ ماله
غيرَ الحدائجِ ما هنالك منبرُ
فرقى وكفُ المرتضى في كفهِ
وغدا ينادي والبريةُ حُضَرُ
مَنْ كنتَ مولاهُ فهذا حيدرٌ
مولاه ُوالله المهيمن يأمرُ
فهو المطاعُ وخيرُ رجالكم
فدعوا جميعاً بالقبولِ وكبروا
ويطالعنا الشاعر خليل مغنية بهذه الأبيات التي تفيض بعطر الولاء لإمام الحق والعدل والإنسانية,أبي الحسنين فيقول:
أقرآنُ آي المدحِ في أسفارهِ
وشممتُ آيَ الذكرِ في أزهارهِ
ورأيتُ كيفَ اللطفُ وضاءُ السنا
غمرَ الجهاتَ الستِ من أنوارهِ
وعرفتُ أنّ اليوم يومَ سعادةٍ
قد فازَ فيها المرتضى بفخارهِ
رددْ على الأسماعِ ذكرَ ولايةٍ
هي تحفةُ الباري إلى كرارهِ
ما في البريةِ غيره كفؤ لها
فأتتهُ إذ كانتْ على مقدارهِ
أما أبو القاسم الزاهي البغدادي فيؤكد في شعره على أن الخلافة من النبي(ص) كانت لعلي(ع) بأمر من الله وإنها مثبتة بالخبر الصادق المأثور وقد جاء بها نص سماوي فما كان من الرسول الأكرم(ص)إلا أن يبلغه للناس,يقول الشاعر:
إنّ الخلافةَ من بعدِ النبي لهُ
كانتْ بأمرٍ من الرحمنِ مقدورِ
مَنْ قالَ أحمد في يوم (الغدير) لهُ
بالنقلِ في خبرٍ بالصدقِ مأثورِ
قُمْ يا عليٌ فكنْ بعدي لهم علماً
وأسعد بمنقلبٍ في البعضِ محبورِ
مولاهم أنتَ والموفي بأمرهم
نصٌ بوحي على الإفهامِ مسطورِ
وذاك إنّ إله العرشِ قالَ له:
بلغْ وكنْ عند أمري خيرَ مأمورِ
ويسترسلُ الشاعر الدكتور مصطفى جمال الدين ببعض أبياته مخاطبا متسائلا جماهير المسلمين: (كيف يظما من يجري فيه الغدير؟) فيقول:
ظمئ الشعرُ أم جفاكَ الشعورُ
كيفَ يظما من فيه يجري الغديرُ؟
كيفَ تعنو للجدبِ أغراسُ فكرٍ
لعلي بها تمُت الجذورُ؟
نبتتْ - بين (نهجه) وربيعٍ
من بنيه غمر العطاء - البذورُ
وسقاها نبعُ النبي وهل بع
د نميرِ القرآنِ يحلو نميرُ؟
فزهتْ واحةٌ ورقتْ غصونٌ
ونما برعمٌ ونمتْ عطورُ
ويتساءلُ الشاعر النجفي الراحل عبد الحسين حمد الكعبي, هل الأمة لم تكن تعرف بأن علي(ع),هو الوتر وشفيع القرآن؟ ألم تسمع ما قله النبي(ص) فيه؟ لماذا ردت على أعقابها متناسية لشرعة الهادي ومنهجه؟كل هذه التساؤلات ضمنها قوله بأربع أبيات,فيقول:
ولو أصخنا ف (بلّغْ) عنك مُنبئة
بأنكَ الوترُ والقرآنُ يشفعهُ
وقولة المصطفى: (مولاه حيدرة
من كنتُ مولاه) فوقَ الشمسِ ترفعهُ
لكنما القومُ قد ردوا على عَقبٍ
للاتِ هذا وذا للغنم يتبعهُ
كأنّما شرعةُ الهادي ومنهجهُ
زرعٌ وكانَ لهم ما كانَ يزرعهُ
ولأنّ ما قيل في الغدير لا يتسع له مقالنا هذا فسنختتم بما قاله الشاعر مهيار الديلمي الذي يخاطب الإمام الحسين(ع) مذكرا بيوم السقيفة ومقارنا بينه وبين واقعة كربلاء,إذ يعد الثانية من نتائج الأولى, فيقول:
فيومُ السقيفةِ يا ابنَ النبي
طَرّقَ يومَكَ في كربلا
وغصبُ أبيكَ على حقهِ
وأمكَ حسّنَ أن تُقتلا
«النصوص الشعرية مستلة من دواوين الشعراء ومن موسوعة النجف الأشرف».
المصدر: مجلة الولاية العدد 108-موقع الولاية