printlogo


printlogo


□ مقالة/ الجزء الثاني والأخیر
شخصنة الدِّين وجدليَّة العاطفة

 الشيخ علي أحمد الجفيري
الانتباه: الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي «الآفاق» بالضرورة،  بل تعبر عن رأي أصحابها
▪ مناقشة الرَّأي الثَّاني (القبول المطلق لشخصنة الدِّين):‏
وأكتفي هنا بمناقشتين:‏
المناقشة العُقلائيَّة
‏ إنَّ حالة الذَّوبان في غير المعصوم ما لم تكن مستندة إلى ضوابط، فإنَّها ستكون أمام محكٍّ خطير جدًا، ‏قد يؤدِّي إلى عكس النَّتائج المرجوَّة من اتِّباع قادة الدِّين ومرجعياته، ولا ضمانة حينئذٍ من الانحراف، ‏وعلى ذلك شواهد كثيرة، دلَّت على أنَّ الارتباط العاطفيَّ غير الموزون، والذي لا يتَّكئ على ضوابط ‏علميَّة وعمليَّة واضحة، يجعل الإنسان بمثابة الأعمى، ويجعله مستعدًا لضرب الثَّوابت -فضلًا عن غيرها- ‏للمحافظة على الصُّورة التي حملها تجاه محبوبه، فكم من الضَّلالات التي وقعت، والبدع التي انتشرت، كان ‏أساسها الارتباط بأشخاص مرضى، يتخضَّعون، ويتخشَّعون، ويتلاعبون بالكلام والمصطلحات،، فيُغوون، ‏ويُضلُّون، يُؤخذ عنهم الدِّين مختلَطًا، فمن هذا ضغث، ومن هذا ضغث، وتكون النتيجة فكرًا هجينًا، ‏وعاطفة مختلَّة، وعقيدة فاسدة، وادعاءً لمظلوميات لا واقع لها، فانظر بالتعمُّق والتحليل إلى أساس دعاوى ‏السَّفارة، ودعاوى المرجعيَّة الفاسدة، ستجد أنَّ أساسها هو الارتباط العاطفيُّ غير الموزون بالشخصيات ‏غير المعصومة، وحينها تتَّضح خطورة شخصنة الدِّين مع هذا الرأي..‏
وقد ورد عن النَّبي(ص): «أخوف ما أخاف على أمّتي كلَّ منافق عليم اللسان».‏
لا يُقال: إنَّ مثل هذه الشَّخصنة هي التي حفظت الدِّين، وأنتجت ما أنتجت من مجتمعات مستميتة في فهم ‏الدِّين الحقِّ، مضحيَّة في سبيله.‏
لأنَّا نقول:‏
إنَّ صحَّة المصداق في بعض الأحيان، ما لم يكن موزونًا ومضبوطًا بفكرة علمية ثابتة، ظنٌّ لا يُغني من ‏الحقِّ شيئًا، فإنَّ الذي وصل إلى المصداق الصَّحيح اليوم، قد يصل إلى غيره غدًا، فالتَّعويل الحقُّ على ‏الميزان العلمي، لا على الظُّنون، والرَّجم بالغيب، والفرصة التي قد تُتاح، وقد لا تتاح.‏
المناقشة الرِّوائيَّة
‏ نهى أئمة أهل البيت(ع)‏ عن هكذا ارتباط ما لم يكن مضبوطًا بميزان علمي وأسس واضحة، فمَّما ورد في ‏ذلك:‏
‏1) عن النَّبي(ص): «غَرِيبَتَانِ؛ كَلِمَةُ حِكْمَةٍ مِنْ سَفِيهٍ فَاقْبَلُوهَا، وكَلِمَةُ سَفَهٍ مِنْ حَكِيمٍ فَاغْفِرُوهَا»، ‏وعن الصادق(ع): «إِنَّ الْحِكْمَةَ لَتَكُونُ فِي قَلْبِ الْمُنَافِقِ فَتَجَلْجَلُ فِي صَدْرِهِ حَتَّى يُخْرِجَهَا فَيُوعِيَهَا الْمُؤْمِنُ، ‏وتَكُونُ كَلِمَةُ الْمُنَافِقِ فِي صَدْرِ الْمُؤْمِنِ فَتَجَلْجَلُ فِي صَدْرِهِ حَتَّى يُخْرِجَهَا فَيَعِيَهَا الْمُنَافِقُ»، هذان ‏الحديثان يبيِّنان واقع حال غير المعصوم، فربما صدرت الحكمة عن صدر منافق، نتيجة رجوعه لفطرته ‏السليمة القابعة في أعماقه، فأثَّر بها على قلب المؤمن، وربما صدرت كلمة النِّفاق عن صدر المؤمن، لمحلِّ ‏عدم عصمته، فأثَّرت في قلب المنافق، فعزَّ التمحُّض في الإيمان أو في النِّفاق عند عاديِّ النَّاس، والقاعدة ‏العامة التي توجب الحذر من كلِّ أحد هي هذه، فالأصل أنَّ غير المعصوم هذا هو حاله، إلا ما خرج ‏بدليل ممَّن قذف الله تعالى حبَّهم في قلوب المؤمنين لصفاء سريرتهم المدلول عليه بكثرة التَّجربة ‏وتكرارها، والتي يُبرزها لنا ظاهرهم الحسن بنحو مستمِّر يصعب ثباته لو كانت صفة الإيمان عندهم ‏مستودعًا لا مستقرًا.‏
فما دلَّ على توصيف واقعِ المأخوذ منه ما دام غير معصوم، يستدعي طريقة تعامل حذرة دائمًا في عملية ‏الأخذ، فالمأخوذ منه على صلاحه، لا يسلم من الخطأ والزَّلل ما لم يكن معصومًا، فلا بدَّ حينئذٍ من ‏التَّعامل مع هذا الواقع -منطقيًا- بحسبه، فلا تُغمَض العين في الأخذ منه دون تحكيم دائم للعمومات ‏والثَّوابت.‏
‏2) عن الثُّمالي عن الصادق(ع): «إِيَّاكَ والرِّئَاسَةَ، وإِيَّاكَ أَنْ تَطَأَ أَعْقَابَ الرِّجَالِ” قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ ‏فِدَاكَ، أَمَّا الرِّئَاسَةُ فَقَدْ عَرَفْتُهَا، وأَمَّا أَنْ أَطَأَ أَعْقَابَ الرِّجَالِ فَمَا ثُلُثَا مَا فِي يَدِي إِلَّا مِمَّا وَطِئْتُ أَعْقَابَ ‏الرِّجَالِ، فَقَالَ لِي: لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ، إِيَّاكَ أَنْ تَنْصِبَ رَجُلًا دُونَ الْحُجَّةِ فَتُصَدِّقَهُ فِي كُلِّ مَا ‏قَالَ”».‏
قال العلامة المجلسي: "بيان: ظنَّ السَّائل أنَّ مراده(ع) بوطئ أعقاب الرِّجال مطلق أخذ العلم عن النَّاس، ‏فقال(ع): المراد أن تنصب رجلا غير الحجَّة فتصدِّقه في كلَّ ما يقول برأيه من غير أن يسند ذلك إلى ‏المعصوم(ع)، فأمَّا من يروي عن المعصوم أو يفسر ما فهمه من كلامه لمن ليس له صلاحية فهم كلامه من ‏غير تلقين، فالأخذ عنه كالأخذ عن المعصوم، ويجب على من لا يعلم الرُّجوع إليه ليعرف أحكام الله ‏تعالى".‏
‏3) ورد عن الأمير(ع): «..إِنَّ دِينَ اللَّهِ لَا يُعْرَفُ بِالرِّجَالِ بَلْ بِآيَةِ الْحَقِّ..»، وظاهر هذا الحديث ‏التنبيه على خطورة الارتباط بالرِّجال غير المعصومين بحيث يُؤخذ الدِّين عنهم بلا تمحيص وتدقيق فيما ‏يصدر عنهم، وبالتَّسليم المطلق لما يقولون، بحيث يُتعامل معهم كالتَّعامل مع المعصوم.‏
والنَّتيجة: أنَّ الرأي الثَّاني ليس صحيحًا، كما هو الأمر في الرأي الأول، ومع ملاحظة ذلك كلِّه، تتَّضح ‏صحة النَّظرية الثالثة فحسب، وهي: أنَّ التَّوصل إلى الدِّين كما أنَّه يحتاج إلى شخصنة في غير المعصوم، ‏وكما أنَّه يحتاج إلى ارتباط عاطفي بالمأخوذ عنه ولو لم يكن معصومًا، فهو في نفس الوقت يحتاج إلى ‏تحرِّي الضوابط الدقيقة وتطبيقها في هذا الشخص الذي سيؤخذ عنه دين الله تعالى.‏
ومن هنا يأتي السُّؤال: ما هي تلك الضَّوابط التي حدَّدها أهل البيت(ع) لتكوين هذه الرَّابطة العاطفيَّة مع ‏غير المعصومين، لتحقيق هدف الوصول إلى المعصومين، ورأيهم، وهديهم؟ هذا ما سيبحث في النُّقطة ‏التَّالية إن شاء الله تعالى.‏
▪ النُّقطة الرَّابعة: الضَّوابط الملحوظة لحفظ التَّطبيق الصَّحيح ل(شخصنة الدِّين):‏
أولًا: الضَّوابط الملحوظة في المأخوذ عنه:‏
‏1) تمحُّض المأخوذ عنه في الأخذ عن أهل البيت(ع): أي أن يكون من يُؤخذ عنه يأخذ من نبعٍ صافٍ، ‏أمَّا من لا يأخذ عن أهل البيت، أو يأخذ عنهم وعن غيرهم بحيث يصدِّر فكرًا هجينًا منبهرًا بما لدى غير ‏المعصومين(ع)، فهو ليس أهلًا لأنَّ يتموضع في هذا الموضع الحسَّاس، وقد نقلنا سابقاً عن الباقر(ع): «فَلْيُشَرِّقِ الْحَكَمُ ولْيُغَرِّبْ، أَمَا واللَّهِ لَا يُصِيبُ الْعِلْمَ إِلَّا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ نَزَلَ عَلَيْهِمْ جَبْرَئِيلُ(ع)».‏
‏2) أن ينعكس العلم بقيَمه في سلوك المأخوذ عنه: ورد أنَّه من وصية ذي القرنين: «لَا تَتَعَلَّمِ الْعِلْمَ مِمَّنْ لَمْ ‏يَنْتَفِعْ بِهِ؛ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَنْفَعْهُ عِلْمُهُ لَا يَنْفَعُك»، وهذه الوصية ناظرة إلى ضرورة ملاحظة السمت ‏الأخلاقي للمأخوذ عنه، دون الاكتفاء بقدرته على الكلام والإقناع في حدِّ ذاتها، فالعالم ينبغي أن يكون ‏متهذِّبًا بما يعلم، وإلَّا كان قاطع طريق، وهذه واحدة من أهمِّ العلامات التي ينبغي أن يتحرَّاها المؤمن في ‏من يأخذ عنه دينه، فليس العلم كلَّ شيء، بل انعكاسات ذلك العلم في القول والفعل دليلٌ على صدق ‏ذلك العلم، ونقائه، وصفائه، بل يُفهم من الرِّوايات أنَّ المعلومات والاصطلاحات التي يستعملها مدَّعي ‏العلم، إذا لم تجد أثرها في سلوكه، فإنَّ ذلك لا يصحُّ أن يُسمَّى علمًا من الأساس، فمن يقول ما لا يفعل، ‏ويعلم ما لا يعمل به، فلا يُؤمَن أن يكون وجهًا يُقصد لأخذ معالم الدِّين؛ إذ أنَّ نفسه الأمَّارة حينئذٍ ستكون ‏ذات أثر في عملية تبليغ الدِّين، فهذه علامة، من كان معتدًّا بنفسه، منفعلًا بخلق الغرور والتكبر، مترِّفعًا على ‏الآخرين، غير متأدِّب مع أقرانه من العلماء، همُّه تسقيطهم، واتهامهم بالجهل، أو بالتغرير بالنَّاس، فلا ‏يرعوي في سبيل ذلك أن يكذب عليهم، أو أن يقتطع، أو أن يلتقط في فكره الهجين، وينسب ذلك كلَّه ‏إلى نفسه، ويسرق جهود الآخرين، فإنَّ ما بني على باطل لا ينتج إلا باطلًا، وما خبث لا يخرج إلا نكدًا، ‏فاعلم حينها أنَّ صاحب هذه الدَّعوى باطل، وقوله باطل، وفعله باطل، فلا يؤخذ عنه الدِّين؛ لأنَّه ينطق عن ‏الشَّيطان، لا عن الله تعالى.‏
وهنا مسألة، وهي أنَّ بعض الأحاديث تدعو لأخذ الحكمة ولو من منافق، وبعضها يأمر بأخذ الدِّين من ‏خصوص العالم التَّقي، ويلزم بضرورة النَّظر إلى من يأخذ عنه، فهل هناك تهافت؟! ‏
الجواب: أنَّ الطَّائفة الأولى ناظرة إلى حالة ضرورة استتباع الحكمة بغض النَّظر عن طريقها، أو أنَّها ناظرة ‏إلى الأخذ العابر بعد الفراغ من متانة الأصول التي يبني عليها الآخذ في تقييم ما يأخذه، وأنَّه من الحكمة ‏لا من الباطل، وأمَّا الطَّائفة الثَّانية فهي ناظرة إلى الأصول، وإلى مرحلة البناء، ففي هذه المرحلة لا يجوز ‏الأخذ إلا ممن فُرِغ من كونه ممَّن يُؤخذ عنه بتوفر الشروط فيه.‏
ثانيًا: الضَّوابط الملحوظة في الآخذ:‏
‏1) ضرورة تحصيل البصيرة: عن الأمير(ع): «أَوْ مُنْقَاداً لِأَهْلِ الْحَقِّ لَا بَصِيرَةَ لَهُ، يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ ‏لِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَة».‏
‏2) إنَّ ملاحظة حسن السمت وثباته علامة مقرِّبة لتحقيق الاطمئنان بصفاء من يُؤخذ عنه، ورد في البحار: ‏‏"قَالَ رَجُلٌ لِلصَّادِقِ(ع): فَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ مِنَ الْيَهُودِ لَا يَعْرِفُونَ الْكِتَابَ إِلَّا بِمَا يَسْمَعُونَهُ مِنْ عُلَمَائِهِمْ لَا ‏سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى غَيْرِهِ فَكَيْفَ ذَمَّهُمْ بِتَقْلِيدِهِمْ والْقَبُولِ مِنْ عُلَمَائِهِمْ؟ وهَلْ عَوَامُّ الْيَهُودِ إِلَّا كَعَوَامِّنَا يُقَلِّدُونَ ‏عُلَمَاءَهُمْ؟! فَإِنْ لَمْ يَجُزْ لِأُولَئِكَ الْقَبُولُ مِنْ عُلَمَائِهِمْ لَمْ يَجُزْ لِهَؤُلَاءِ الْقَبُولُ مِنْ عُلَمَائِهِمْ! فَقَالَ(ع): «بَيْنَ ‏عَوَامِّنَا وعُلَمَائِنَا وبَيْنَ عَوَامِّ الْيَهُودِ وعُلَمَائِهِمْ فَرْقٌ مِنْ جِهَةٍ وتَسْوِيَةٌ مِنْ جِهَةٍ، أَمَّا مِنْ حَيْثُ اسْتَوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ ‏قَدْ ذَمَّ عَوَامَّنَا بِتَقْلِيدِهِمْ عُلَمَاءَهُمْ كَمَا ذَمَّ عَوَامَّهُمْ، وأَمَّا مِنْ حَيْثُ افْتَرَقُوا فَلَا” قَالَ بَيِّنْ لِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ‏قَالَ(ع)‏: إِنَّ عَوَامَّ الْيَهُودِ كَانُوا قَدْ عَرَفُوا عُلَمَاءَهُمْ بِالْكَذِبِ الصَّرِيحِ، وبِأَكْلِ الْحَرَامِ، والرِّشَاءِ، وبِتَغْيِيرِ ‏الْأَحْكَامِ عَنْ وَاجِبِهَا بِالشَّفَاعَاتِ والْعِنَايَاتِ والْمُصَانَعَاتِ، وعَرَفُوهُمْ بِالتَّعَصُّبِ الشَّدِيدِ الَّذِي يُفَارِقُونَ بِهِ ‏أَدْيَانَهُمْ، وأَنَّهُمْ إِذَا تَعَصَّبُوا أَزَالُوا حُقُوقَ مَنْ تَعَصَّبُوا عَلَيْهِ، وأَعْطَوْا مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ تَعَصَبُّوا لَهُ مِنْ أَمْوَالِ ‏غَيْرِهِمْ، وظَلَمُوهُمْ مِنْ أَجْلِهِمْ، وعَرَفُوهُمْ يُقَارِفُونَ الْمُحَرَّمَاتِ، واضْطُرُّوا بِمَعَارِفِ قُلُوبِهِمْ إِلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا ‏يَفْعَلُونَهُ فَهُوَ فَاسِقٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَدَّقَ عَلَى اللَّهِ، ولَا عَلَى الْوَسَائِطِ بَيْنَ الْخَلْقِ وبَيْنَ اللَّهِ، فَلِذَلِكَ ذَمَّهُمْ لِمَا ‏قَلَّدُوا مَنْ قَدْ عَرَفُوا، ومَنْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبُولُ خَبَرِهِ، ولَا تَصْدِيقُهُ فِي حِكَايَاتِهِ، ولَا الْعَمَلُ بِمَا يُؤَدِّيهِ ‏إِلَيْهِمْ عَمَّنْ لَمْ يُشَاهِدُوهُ، ووَجَبَ عَلَيْهِمُ النَّظَرُ بِأَنْفُسِهِمْ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ(ص)؛ إِذْ كَانَتْ دَلَائِلُهُ أَوْضَحَ مِنْ أَنْ ‏تَخْفَى، وأَشْهَرَ مِنْ أَنْ لَا تَظْهَرَ لَهُمْ، وكَذَلِكَ عَوَامُّ أُمَّتِنَا إِذَا عَرَفُوا مِنْ فُقَهَائِهِمُ الْفِسْقَ الظَّاهِرَ، والْعَصَبِيَّةَ ‏الشَّدِيدَةَ، والتَّكَالُبَ عَلَى حُطَامِ الدُّنْيَا وحَرَامِهَا، وإِهْلَاكِ مَنْ يَتَعَصَّبُونَ عَلَيْهِ، وإِنْ كَانَ لِإِصْلَاحِ أَمْرِهِ ‏مُسْتَحِقّاً، والتَّرَفْرُفِ بِالْبِرِّ والْإِحْسَانِ عَلَى مَنْ تَعَصَّبُوا لَهُ، وإِنْ كَانَ لِلْإِذَلَالِ والْإِهَانَةِ مُسْتَحِقّاً، فَمَنْ قَلَّدَ مِنْ ‏عَوَامِّنَا مِثْلَ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءِ فَهُمْ مِثْلُ الْيَهُودِ الَّذِينَ ذَمَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّقْلِيدِ لِفَسَقَةِ فُقَهَائِهِمْ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ ‏الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ حَافِظاً لِدِينِهِ مُخَالِفاً عَلَى هَوَاهُ مُطِيعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ، وذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا ‏بَعْضَ فُقَهَاءِ الشِّيعَةِ لَا جَمِيعَهُمْ، فَأَمَّا مَنْ رَكِبَ مِنَ الْقَبَائِحِ والْفَوَاحِشِ مَرَاكِبَ فَسَقَةِ فُقَهَاءِ الْعَامَّةِ فَلَا تَقْبَلُوا ‏مِنْهُمْ عَنَّا شَيْئاً ولَا كَرَامَةَ، وإِنَّمَا كَثُرَ التَّخْلِيطُ فِيمَا يُتَحَمَّلُ عَنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفَسَقَةَ يَتَحَمَّلُونَ عَنَّا ‏فَيُحَرِّفُونَهُ بِأَسْرِهِ لِجَهْلِهِمْ، ويَضَعُونَ الْأَشْيَاءَ عَلَى غَيْرِ وُجُوهِهَا لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ، وآخَرِينَ يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ ‏عَلَيْنَا، لِيَجُرُّوا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا مَا هُوَ زَادُهُمْ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ، ومِنْهُمْ قَوْمٌ نُصَّابٌ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْقَدَحِ فِينَا، ‏فَيَتَعَلَّمُونَ بَعْضَ عُلُومِنَا الصَّحِيحَةِ، فَيَتَوَجَّهُونَ بِهِ عِنْدَ شِيعَتِنَا، ويَنْتَقِصُونَ بِنَا عِنْدَ نُصَّابِنَا، ثُمَّ يُضِيفُونَ إِلَيْهِ ‏أَضْعَافَهُ، وأَضْعَافَ أَضْعَافِهِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ عَلَيْنَا، الَّتِي نَحْنُ بُرَآءُ مِنْهَا، فَيَقْبَلُهُ الْمُسْتَسْلِمُونَ مِنْ شِيعَتِنَا عَلَى أَنَّهُ ‏مِنْ عُلُومِنَا، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا، وهُمْ أَضَرُّ عَلَى ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا مِنْ جَيْشِ يَزِيدَ(عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ) عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ ‏عَلِيٍّg‏ وأَصْحَابِهِ؛ فَإِنَّهُمْ يَسْلُبُونَهُمُ الْأَرْوَاحَ، والْأَمْوَالَ، وهَؤُلَاءِ عُلَمَاءُ السَّوْءِ النَّاصِبُونَ الْمُتَشَبِّهُونَ بِأَنَّهُمْ لَنَا ‏مُوَالُونَ، ولِأَعْدَائِنَا مُعَادُونَ، يُدْخِلُونَ الشَّكَّ والشُّبْهَةَ عَلَى ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا، فَيُضِلُّونَهُمْ، ويَمْنَعُونَهُمْ عَنْ قَصْدِ ‏الْحَقِّ الْمُصِيب‏».‏
‏3) رغم ضرورة ملاحظة حسن السمت لاستقراب صلاح المأخوذ منه، فإنَّ التَّحصين ضدَّ سهولة ‏الانخداع، والتَّدقيق في المصداق جيدًا، وعدم التَّسرع في الانقياد إلى كلِّ من ادعى فضلًا، وعلمًا، وصلاحًا، ‏يُعدُّ أمرًا ضروريًا أيضًا، فلا بدَّ من هذه الموازنة.‏
فعن السَّجاد(ع)‏: «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ قَدْ حَسُنَ سَمْتُهُ وهَدْيُهُ، وتَمَاوَتَ فِي مَنْطِقِهِ، وتَخَاضَعَ فِي حَرَكَاتِهِ، ‏فَرُوَيْداً لَا يَغُرَّنَّكُمْ، فَمَا أَكْثَرَ مَنْ يُعْجِزُهُ تَنَاوُلُ الدُّنْيَا، ورُكُوبُ الْمَحَارِمِ مِنْهَا، لِضَعْفِ بُنْيَتِهِ ومَهَانَتِهِ، وجُبْنِ قَلْبِهِ ‏فَنَصَبَ الدِّين فَخّاً  لَهَا، فَهُوَ لَا يَزَالُ يَخْتِلُ النَّاسَ بِظَاهِرِهِ، فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ حَرَامٍ اقْتَحَمَهُ.‏
فَإِذَا وَجَدْتُمُوهُ يَعِفُّ مِنَ الْمَالِ الْحَرَامِ، فَرُوَيْداً لَا يَغُرَّنَّكُمْ، فَإِنَّ شَهَوَاتِ الْخَلْقِ مُخْتَلِفَةٌ، فَمَا أَكْثَرَ مَنْ يَنْبُو عَنِ ‏الْمَالِ الْحَرَامِ وإِنْ كَثُرَ، ويَحْمِلُ نَفْسَهُ عَلَى شَوْهَاءَ قَبِيحَةٍ، فَيَأْتِي مِنْهَا مُحَرَّماً.‏
فَإِذَا وَجَدْتُمُوهُ يَعِفُّ عَنْ ذَلِكَ، فَرُوَيْداً لَا يَغُرَّنَّكُمْ، حَتَّى تَنْظُرُوا مَا عُقْدَةُ عَقْلِهِ، فَمَا أَكْثَرَ مَنْ يَتْرُكُ ذَلِكَ ‏أَجْمَعَ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُ إِلَى عَقْلٍ مَتِينٍ، فَيَكُونُ مَا يُفْسِدُهُ بِجَهْلِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُهُ بِعَقْلِهِ.‏
فَإِذَا وَجَدْتُمْ عَقْلَهُ مَتِيناً فَرُوَيْداً لَا يَغُرَّنَّكُمْ، حَتَّى تَنْظُرُوا مَعَ هَوَاهُ يَكُونُ عَلَى عَقْلِهِ أَوْ يَكُونُ مَعَ عَقْلِهِ عَلَى ‏هَوَاهُ، وكَيْفَ مَحَبَّتُهُ لِلرِّئَاسَاتِ الْبَاطِلَةِ، وزُهْدُهُ فِيهَا، فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ خَسِرَ الدُّنْيا والْآخِرَةَ بِتَرْكِ الدُّنْيَا ‏لِلدُّنْيَا، ويَرَى أَنَّ لَذَّةَ الرِّئَاسَةِ الْبَاطِلَةِ أَفْضَلُ مِنْ لَذَّةِ الْأَمْوَالِ، والنِّعَمِ الْمُبَاحَةِ الْمُحَلَّلَةِ، فَيَتْرُكُ ذَلِكَ أَجْمَعَ ‏طَلَباً لِلرِّئَاسَةِ، حَتَّى إِذَا قِيلَ لَهُ: (اتَّقِ اللَّهَ، أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ، فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ولَبِئْسَ الْمِهادُ)‏
فَهُوَ يَخْبِطُ [خَبْطَ] عَشْوَاءَ، يَقُودُهُ أَوَّلُ بَاطِلٍ إِلَى أَبْعَدِ غَايَاتِ الْخَسَارَةِ، ويَمُدُّ يَدَهُ بَعْدَ طَلَبِهِ لِمَا لَا يَقْدِرُ ‏‏[عَلَيْهِ‏] فِي طُغْيَانِهِ، فَهُوَ يُحِلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، ويُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَا يُبَالِي مَا فَاتَ مِنْ دِينِهِ إِذَا سَلِمَتْ لَهُ ‏رِئَاسَتُهُ الَّتِي قَدْ شَقِيَ مِنْ أَجْلِهَا.‏
فَأُولَئِكَ [مَعَ‏] الَّذِينَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، ولَعَنَهُمْ وأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً، ولَكِنَّ الرَّجُلَ كُلَّ الرَّجُلِ، نِعْمَ الرَّجُلُ ‏هُوَ الَّذِي جَعَلَ هَوَاهُ تَبَعاً لِأَمْرِ اللَّهِ، وقُوَاهُ مَبْذُولَةً فِي رِضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، يَرَى الذُّلَّ مَعَ الْحَقِّ أَقْرَبَ إِلَى عِزِّ ‏الْأَبَدِ مِنَ الْعِزِّ فِي الْبَاطِلِ، ويَعْلَمُ أَنَّ قَلِيلَ مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ ضَرَّائِهَا يُؤَدِّيهِ إِلَى دَوَامِ النِّعَمِ فِي دَارٍ لَا تَبِيدُ ولَا ‏تَنْفَدُ، وإِنَّ كَثِيرَ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ سَرَّائِهَا إِنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ يُؤَدِّيهِ إِلَى عَذَابٍ لَا انْقِطَاعَ لَهُ ولَا زَوَالَ.‏
فَذَلِكُمُ الرَّجُلُ نِعْمَ الرَّجُلُ، فَبِهِ فَتَمَسَّكُوا، وبِسُنَّتِهِ فَاقْتَدُوا، وإِلَى رَبِّكُمْ فَبِهِ فَتَوَسَّلُوا، فَإِنَّهُ لَا تُرَدَّ لَهُ دَعْوَةٌ، ولَا ‏تُخَيَّبُ لَهُ طَلِبَة».‏
‏3) ضرورة القدرة على الفصل بين العالم، والمدَّعي، فإنَّ العالم الحقّ يحافظ على صفاء المنقول، بينما ‏المدَّعي الذي لا ينفعل بما ينقل، فإنَّه ينقله بكدر وشوائب نفسيَّة قد تحرف المنقول عن مساره الصَّحيح، ‏فيُنسب إلى الدِّين زورًا وبهتانًا، فالوعاء الكدر، ليس كالوعاء النَّظيف، ومعرفة أنَّ في الواقع ما يعبِّر عن ‏الاثنين، يستدعي حذرًا في الأخذ، تحريًّا للتمييز بينهما، جاء عن الباقر(ع): «إِنَّ لَنَا أَوْعِيَةً نَمْلَؤُهَا عِلْماً ‏وحُكْماً ولَيْسَتْ لَهَا بِأَهْلٍ، فَمَا نَمْلَؤُهَا إِلَّا لِتُنْقَلَ إِلَى شِيعَتِنَا، فَانْظُرُوا إِلَى مَا فِي الْأَوْعِيَةِ فَخُذُوهَا، ثُمَّ صَفُّوهَا ‏مِنَ الْكُدُورَةِ تَأْخُذُونَهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً صَافِيَةً، وإِيَّاكُمْ والْأَوْعِيَةَ فَإِنَّهَا وِعَاءُ سَوْءٍ فَتَنَكَّبُوهَا»، ويبيِّن هذا ‏الحديث الشَّريف أنَّهم(ع) مضطرون للتعامل مع حملة العلم لتحقيق عملية النقل والتناقل، وأنَّ بعض أوعية ‏العلم ليست صافية في كلِّ حين، باعتبار عدم عصمتها، فلا بدَّ وأن يُتعامل معها بحذر، وبعين التَّدقيق، من ‏أجل التوصُّل إلى فصل ما مِن عندهم، عن ما مِن عند أهل البيت‏(ع)‏، فلا يُغتشُّ بالخليط.‏
وجاء عن الصادق(ع): «اطْلُبُوا الْعِلْمَ مِنْ مَعْدِنِ الْعِلْمِ، وإِيَّاكُمْ والْوَلَائِجَ، فِيهِمُ الصَّدَّادُونَ عَنِ اللَّهِ”، ثُمَّ قَالَ‏: ذَهَبَ الْعِلْمُ، وبَقِيَ غُبَّرَاتُ الْعِلْمِ فِي أَوْعِيَةِ سَوْءٍ، فَاحْذَرُوا بَاطِنَهَا؛ فَإِنَّ فِي بَاطِنِهَا الْهَلَاكَ، وعَلَيْكُمْ بِظَاهِرِهَا ‏فَإِنَّ فِي ظَاهِرِهَا النَّجَاةَ»، قال العلامة المجلسي في شرح هذا الحديث: "لعلَّ المراد بتصفيتها ‏تخليصها من آرائهم الفاسدة، أو من أخبارهم التي هم متهمون فيها لموافقتها لعقائدهم، والمراد بباطنها ‏عقائدها الفاسدة، أو فسوقها التي يخفونها عن الخلق.‏
‏4) يُفهم من بعض الأحاديث أنَّ التقوى والتوكُّل على الله تعالى، والاعتماد عليه يعدُّ عاملًا مساعدًا للتوفيق ‏في اختيار المأخوذ عنه ومنه، فعن الباقر(ع): «إِنَّ الْقُرْآنَ شَاهِدُ الْحَقِّ، ومُحَمَّدٌ(ص)‏ لِذَلِكَ مُسْتَقَرٌّ، فَمَنِ اتَّخَذَ ‏سَبَباً إِلَى سَبَبِ اللَّهِ لَمْ يُقْطَعْ بِهِ الْأَسْبَابُ، ومَنِ اتَّخَذَ غَيْرَ ذَلِكَ سَبَباً مَعَ كُلِّ كَذَّابٍ، فَاتَّقُوا اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ ‏أَوْضَحَ لَكُمْ أَعْلَامَ دِينِكُمْ، ومَنَارَ هُدَاكُمْ، فَلَا تَأْخُذُوا أَمْرَكُمْ بِالْوَهْنِ، ولَا أَدْيَانَكُمْ هُزُؤاً فَتَدْحَضَ أَعْمَالُكُمْ، ‏وتُخْبِطُوا سَبِيلَكُمْ، ولَا تَكُونُوا أَطَعْتُمُ اللَّهَ رَبَّكُمْ، اثْبُتُوا عَلَى الْقُرْآنِ الثَّابِتِ، وكُونُوا فِي حِزْبِ اللَّهِ تَهْتَدُوا، ولَا ‏تَكُونُوا فِي حِزْبِ الشَّيْطَانِ فَتَضِلُّوا، يَهْلِكُ مَنْ هَلَكَ، ويَحْيَا مَنْ حَيَّ، وعَلَى اللَّهِ الْبَيَانُ؛ بَيَّنَ لَكُمْ فَاهْتَدُوا، ‏وبِقَوْلِ الْعُلَمَاءِ فَانْتَفِعُوا، والسَّبِيلُ فِي ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ، فَمَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي، ومَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ ‏وَلِيًّا مُرْشِداً».‏
وعن الصادق(ع): «[لَا جَرَمَ‏] أَنَّ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ -مِنْ هَؤُلَاءِ الْعَوَامِّ- أَنَّهُ لَا يُرِيدُ إِلَّا صِيَانَةَ دِينِهِ ‏وتَعْظِيمَ وَلِيِّهِ، لَمْ يَتْرُكْهُ فِي يَدِ هَذَا الْمُلَبِّسِ الْكَافِرِ، ولَكِنَّهُ يُقَيِّضُ لَهُ مُؤْمِناً يَقِفُ بِهِ عَلَى الصَّوَابِ، ثُمَّ يُوَفِّقُهُ ‏اللَّهُ تَعَالَى لِلْقَبُولِ مِنْهُ، فَيَجْمَعُ لَهُ بِذَلِكَ خَيْرَ الدُّنْيَا والْآخِرَةِ، ويَجْمَعُ عَلَى مَنْ أَضَلَّهُ لَعْنَ الدُّنْيَا وعَذَابَ ‏الْآخِرَةِ».‏
‏5) ضرورة تحديد الضَّوابط العلمية في الأخذ، والابتعاد عن الاقتصار على العاطفة في الاتباع، فمهما بلغ ‏المأخوذ عنه من حسن في السمت، والهيئة، فإنَّ الارتباط به عاطفيًا بنحو لا أساس علمي واضح له -بل ‏مجرد ارتباط بالشَّخص أكثر من كونه ارتباطًا بالدِّين نفسه- لا محالة يؤدِّي إلى الخروج من الدِّين كما ‏دخل المرء فيه من بوابة العاطفة المجرَّدة عن التَّحقيق والتثبُّت.‏
ورد عن الصادق(ع): «مَنْ عَرَفَ دِينَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ زَالَتِ الْجِبَالُ قَبْلَ أَنْ يَزُولَ، ومَنْ دَخَلَ فِي ‏أَمْرٍ بِجَهْلٍ خَرَجَ مِنْهُ بِجَهْل»، وعنه(ع): «مَنْ دَخَلَ فِي هَذَا الدِّين بِالرِّجَالِ أَخْرَجَهُ مِنْهُ الرِّجَالُ كَمَا ‏أَدْخَلُوهُ فِيهِ، ومَنْ دَخَلَ فِيهِ بِالْكِتَابِ والسُّنَّةِ زَالَتِ الْجِبَالُ قَبْلَ أَنْ يَزُولَ».‏
والنتيجة: أنَّ التَّعامل مع الشَّخص غير المعصوم على أنَّه الدِّين نفسه ليس صحيحًا، بل هو أخطر ما يكون ‏على دين المرء، وأمَّا أخذ الدِّين عن غير المعصوم إذا كان مُعبِّرًا -وفق الموازين العلمية- عن المعصوم، ‏بانحفاظ الضَّوابط العلمية والعملية فيه، فليس هذا يُعدُّ أمرًا حسنًا فحسب، بل هو أمر ضروري، حيث لا ‏طريق لأخذ الدِّين حينئذٍ غير هذا الطريق، إلا أن يكون رجوعًا إلى هوى والعياذ بالله.‏
إنتهت
المصدر: مجلة رسالة القلم، العدد 68‏