printlogo


printlogo


□ مقالة
ملحمة الغدير بولس سلامة أنموذجا

مفكر وأديب مسيحيّ ينحني أمام عظمة رجل.. يذكره النصارى فيخشعون لتقواه، ويتمثّل به الزّهّاد فيزدادون زهداً وقنوتاً، وينظر إليه المفكّر والأديب فيستضيء بهذا القطب الوضّاء نهجاً.. إنّه علي بن أبي طالب(ع).. فلو اطلعنا على نتاجات هؤلاء الأدباء واستذكرنا دواوينهم لعرفنا مقدار الحب والعشق الإلهي الذي يحملونه لعلي(ع)… فها هو الأديب والشاعر اللباني المسيحي (بولس سلامة) الذي يعد من أبرز ناظمي الملاحم الإسلامية في التاريخ والذي سمّاها (عيد الغدير)، تناولت هذه الملحمة أبياتاً شعرية دُوِّنت فيها كلُّ الأحداثِ الإسلاميةِ المهمة بطريقة شعرية رائعة، لافتا فيها نظرنا إلى المعاني الروحية الجليلة لأمير المؤمنين(ع).. إيمانا منه بأن هذا اليوم هو إكمال للدين وإتمام للنعمة.. وخلال تصويره لملحمته الشعرية مبتدئاً حديثه عن حجة الوداع.. السنة الأخيرة التي حج فيها الرسول الكريم(ص) حيث يقول:
عادَ من حجةِ الوداعِ الخطيرِ
ولفيفُ الحجيجِ موجُ بحورِ
يجملُ الكاتبُ الكتابَ ختاماً
موجزاً صفوَ رأيهِ في سطورِ
والذي يرقبُ المماتَ وشيكاً
ينشرُ القلبَ في الكلامِ الأخيرِ
ثم ينتقل الشاعر (سلامة) إلى مسألة نزول الأمين جبريل(ع) على الرسول المصطفى(ص) من أجل تبليغ الناس ما جاء من السماء بشأن ولاية المرتضى علي(ع) قال:
وإذا بالنبيِّ يرقبُ شيئاً
وهو في مثلِ جمدةِ المسحورِ
جاءَ جبريلُ قائلاً «يا نبيَّ الله بلّغْ
كلامَ ربٍ مجيرِ
بَلَغَ العائدونَ بطحاءَ(خمٍ)
فكأنَّ الركبانَ في التنورِ
عرّفوهُ غديرَ خمٍ وليس ال
غورُ إلا ثمالةً من غديرِ
أنتَ في عصمةٍ من الناسِ فانثرْ
بيّناتِ السماء للجمهورِ
وأذِعْها رسالةَ اللهِ وحياً
سرمدياً وحجةً للعصورِ
ودعاهُمْ إلى السماعِ منادٍ
فاستجابوا رجعَ النداءِ الجهيرِ
وبعد هذه المقدمة للبلاغ النبوي الشريف، ينتقل الأستاذ (سلامة) ليصور لنا ما قاله الرسول الكريم(ص) لآلاف المسلمين المتعلقين به بأبصارهم والمصغين إليه بآذانهم ترقباً لكل حرف سيتفوه به في آخر خطبة حاشدة بعد أن أعلن عن دنو أجله واقتراب رحيله:
أيُّها الناسُ، إنَّما اللهُ مولا
كم ومولايَ ناصري ومجيري
ثُمَّ إني وليكُّم منُذ كانَ ال
دهرُ طفلاً حتى زوالِ الدهورِ
يا إلهي من كنتُ مولاهُ حقاً
فعليٌ مولاهُ غيرُ نكيرِ
يا إلهي والِ الذينَ يوالو
نَ ابنَ عمي وانصرْ حليفَ نصيري
كُنْ عدواً لمن يُعاديهِ واخذلْ
كلَّ نكسٍ وخاذلٍ شريرِ
ثم استرسل (سلامة) ليصور ما قاله النبي(ص) للمسلمين من أصحابه.. وكيف وصى الرسول بعلي وآل بيته(ع) إذ قال:
لاتضلّوا واستمسكوا بكتاب اللهِ
بعدي، بعترتي بالأميرِ
قالَها آخذاً بضبعِ عليٍ
رافعاً ساعَد الهمامِ الهصورِ
بثَّ طه مقالهُ في عليٍّ
واضحاً كالنهارِ دونَ ستورِ
كانَ وهجُ الشروقِ يومَ حراءٍ
وجلالُ المغيبِ يومَ الغديرِ
فكانت هذه الملحمة الأدبية العظيمة التي نقلها للجمهور من كتب التاريخ الإسلامي شعراً بمثابة التذكير الأخير للمسلمين -بأن أمير المؤمنين(ع) وصي الرسول وخليفته من بعده - والتمسك بتلك التعاليم والمبادئ التي بلغها الرسول الكريم عن وحي السماء.
المصدر: مجلة الولاية، العدد 131