printlogo


printlogo


□ مقالة/ الجزء الأول
الحجاب الشّرعي تاريخه، حكمه، فلسفته، أدلّته

الانتباه: الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي «الآفاق» بالضرورة،  بل تعبر عن رأي أصحابها
▪ المقدِّمة
الدّين عبارة عن منظومة متكاملة، من الأصول والفروع والأخلاق والفكر والسّلوك، وكلّ ما يهمّ الإنسان ويكون في مصلحته في الدّنيا والآخرة.
قد يعرف كثير منّا أصول الدّين وفروعه، ويحفظها ويعدِّدها عن ظهر قلب، ولكن قد يخفى على بعضٍ - نتيجة الغفلة أو الشّبهات أو غيرهما-بعض الفروع. ومن ضمن تلك الفروع مسألة الحجاب، مع أنّه من الأمور الواجبة الواضحة، إلّا أنّه قد تجد من يشكّك في ذلك بدعاوى واهية.
مسألة الحجاب هي من ضمن منظومة الإسلام المترابطة بعضها مع بعض، ولا يمكن فصله عن الدّين وباقي التّشريعات والتّشكيك فيه، بل أَولى الدّين الإسلاميّ أهمّيّة خاصّة للمرأة والمجتمع وعلى إثر ذلك شرّع الحجاب، وعدم الالتفات إلى ذلك يوقع في وحل الشّبهات.
ولأهمّيّة المسألة، ووضوحها، وتسالمها، ترى أنّ بعض النّساء السّافرات أو شبه السّافرات يأوّلون، أو يفسّرون الآيات، بما تهواه أنفسهم، وبما يتماشى مع القوانين الوضعيّة، التي وضعتها أيادٍ لا تريد للمرأة خيراً.
ومن جانب آخر تيّار النّسويّة الّذي هو في ظاهره يدافع عن المرأة، ولكنّه في الحقيقة والواقع يسحق المرأة وهويتها الإنسانيّة، ولا يبقي لها أيّ كرامة، باسم حقوق المرأة والعدل والمساواة.
ناهيك عن دور الاستعمار وأعداء الدّين يتربّصون بالدّين الدّوائر، فينتظرون أيّ حملة على الدّين الإسلاميّ وتشريعاته؛ لينالوا من الدّين ويحقّقون مبتغاهم.
في هذه المقالة -إن شاء الله- نتعرّض إلى عدّة نقاط مهمّة تتعلّق بالحجاب، فيقع البحث النّقاط التّالية:
أوّلاً: تاريخيّة مسألة الحجاب.
ثانياً: بيان بعض المصطلحات المتعلّقة بالبحث.
ثالثاً: الحكم الشّرعيّ للحجاب.
رابعاً: حكمة(فلسفة) تشريع الحجاب.
خامساً: دليل لزوم الحجاب.
سادساً: شبهات وردود.
النُّقطة الأولى: تاريخ  مسألة الحجاب
مسألة الحجاب لم تكن جديدة وحديثة في الإسلام -كما قد يتصوّر بعضٌ-، فقد كانت معروفة في الأمم السّابقة، والأديان السّابقة على الإسلام المحمّديّ، فإذا ما رجعنا إلى الدّيانة اليهوديّة، نجد أنّهم تشدّدوا تشدّداً بالغاً في مسألة الحجاب.
 لنلقي بنظرة مختصرة حول الحجاب في تاريخهم.
أوّلاً: الحجاب قبل زمن المسيح ابن مريم:
رغم ندرة الآثار المتاحة حول لباس اليهوديّات، في زمن ما قبل المسيح، فإنّه بإمكاننا من خلال تجميع الشّذرات المتاحة، أن نستنبط أنّ اليهوديّات كنّ يغطين رؤوسهنّ، وفي أحيان وجوههن، فقد جاء في كتاب: (مدخل عامّ إلى الأسفار المقدّسة) في مبحث (لباس العبريّات) أنَّ: "النَّساء اليهوديّات واليونانيّات لم يكن يظهرن أبداً في الأماكن العامّة دون خمار"، ويوضِّح حدوده بقوله: "الحجاب العبريّ القديم كان في بعض الأحيان كبيراً إلى درجة أنّه كان يغطّي كامل البدن"
ثانياً: الحجاب زمن المسيح ابن مريم وأثناء القرون الوسطى:
أكّد (أدمون ستابفر) Edmond Stapfer)) في كتابه عن فلسطين زمن المسيح، أنّ اليهوديّات كنّ لا يخرجن إلى الشّارع إلّا ورؤوسهنّ مغطّاة بالكامل، وشهد (معجم تندل للكتاب المقدّس) أنّ النّساء اليهوديّات في القرن الأوّل، كنّ دائماً يغطين رؤوسهنّ في الأماكن العامّة  وكانت اليهوديّات في آخر القرن التّالي له (القرن الثّاني) يُعرفن بارتدائهنّ الحجاب في الأماكن العامّة.
كما شهد المعجم الكتابيّ (Dictionary of Judaism in the Biblical Period) أنّ العملات التي أصدرها الإمبراطور الرّومانيّ (فسباين) (Vespasian) والمسمّاة ب(Judaea Capta coins)، والتي احتفى فيها باحتلال منطقة (اليهوديّة)، و(تدمير الهيكل) على يد (تيطس) سنة 70م، تظهر أنّ الحجاب كان (جزءًا من الملابس الخارجيّة).
وحكى أحد الأحبار فقال: "تخرج النّساء الإسرائيليّات في البلاد العربيّة منتقّبات، في حين أنّ اليهوديّات في الهند يخرجن وهن لابسات عباءة وقد شددنها بأفواههنّ.
وخلال  عهد التنايتك، اعتبرت المرأة الكاشفة رأسها خلال عهد التنايتِك أنّها تهين حشمتها. وإذا خرجت بدون غطاء رأس، تغرّم بأربعمائة (زوزيم) لهذه الجريمة.
ويلخّص الحبر (Shmuel Herzfeld) الحال في القرون الوسطى، بقوله: "كانت النّساء في القرون الوسطى يغطين أجزاء من شعورهن طوال الوقت، داخل بيوتهنّ وخارجها، باستثناء فترة قصيرة من القرن الثَّاني عشر. وقد كنّ كشفهن رؤوسهنّ عندما يسرن في الخارج فيعتبر فعلاً شنيعاً جداً.
ثالثاً: الحجاب في العصر الحديث:
تقول الموسوعة اليهوديّة (The Oxford Dictionary of the Jewish Religion): "في الأزمنة الحديثة، تغطّي الأرثودكسيّات (أي المتديّنات) المتزوّجات رؤوسهنّ بباروكة أو خمار إذا كنّ في مكان عامّ.. تحلق النّساء رؤوسهنّ قبل الزّواج في التّجمّعات الحسيديّة، ويرتدين خماراً. وتغطّي غير المتزوّجة في اليمن أيضاً رأسها."
وتحدَّث الحبر (ماير شلّر) (Mayer Schiller) عن واقع المرأة اليهوديّة اليوم؛ فبيَّن أنَّ هناك من اليهوديّات من يرفضن ارتداء الباروكة، ويرين وجوب تغطية الشّعر كاملاً بشال، وهي ظاهرة معروفة عند اليهوديّات الهنغاريّات، ومنهنّ من يغطين رؤوسهنّ بشال، ويضعن في مقدم الرّأس جزءًا من باروكة بادية على أنّها ليست شعرًا حقيقيّاً، وهو مسلك اليهوديّات في العائلات اليهوديّة الحاخاميّة في أوكرانيا، وقد أجازه بعض الأحبار كالحبر (يعقوب أمدن). ومنهنّ من يلبسن باروكة يضعن فوقها قبّعة، وهناك من يلبسن باروكة لتغطية الرأسٍ كما هو بين اليهوديّات البولنديّات والليتوانيّات الحسيديّات، وهو أيضًا عرف يهوديّات ألمانيا.
وكذلك إذا رجعنا إلى التَّاريخ، نجد أنّ لباس النّساء اليونانيّات كان معتنياً بصورة كبيرة بالستر؛ إذ إنّ أشهر أنواعه والمسمّى (peplum)، هو رداء تضعه المرأة على رأسها؛ فلا يظهر منها شيء، كما أنّه كان من عادة اليونانيّات أن يغطين وجوههنّ، فلا تبدو منهن إلّا عين واحدة.
وكانت عادة (اليونانيّات) أن يغطين أنفسهنّ في الحياة العامّة (كما تؤكّد ذلك المنحوتات)، على خلاف أمرهنّ في بيوتهنّ، أو في علاقاتهنّ داخل بيوتهنّ. ما كان حال اليهوديّات قاصراً على عقد شعورهنّ، وإنمّا كنّ يغطّينها بطريقة آمنة عندما يكنّ خارجاً، لقد كنّ مغطيّات في الأماكن العامّة، وما كنّ يتكشفن في الهيكل.
أمَّا فيما يتعلَّق بنساء الإمبراطوريّة الرومانيّة، فكنّ يغطين رؤوسهنّ دلالة على أنّهنّ نساء محترمات، وكنّ يلبسن إمّا النّقاب أو غطاء رأس، وهنَّ في ذلك يُعلِمن من يراهن من الرِّجال، أنَّه لا يجوز لهم الاقتراب منهن، وأنَّ أيّ فعل متعدّ منهم سيكلّفهم عقوبة زاجرة.
وكانت المرأة المجوسيّة تحجب عن محارمها كالأب والأخ والعمّ والخال، فلم يكن لها الحقّ في رؤية أيّ أحد من  الرّجال مطلقاً.
وبعد ذكر تاريخ المسألة لا بدَّ من  التّنبّه إلى بعض أمور:
أوّلاً: إنَّ بعض الباحثين ذهب إلى أنَّ سبب نشوء الحجاب، في الأديان السّابقة والأمم السّالفة، هو انحطاط المرأة في تلك المجتمعات؛ لما فهموه من تلازم بين الحجاب والسِّتر وبين حجب المرأة وفصلها عن المجتمع، ولذا قد يأخذ بعض منحى سلبيّاً في بحث مسألة الحجاب.
على أنّه هناك من الباحثين قد ذهب إلى أنَّ ظاهرة الحجاب لها جذور ودوافع في المجتمعات القديمة، فمنها الاقتصاديّ، ومنها الأخلاقيّ، ومنها الفلسفيّ، ومنها السّياسيّ، ومنها النّفسيّ.
ثانياً: فلا بدَّ أن ننظر إلى مسألة الحجاب في الدّين الإسلامي، بغير تأثّر ونظر إلى هذا التّاريخ؛ وذلك لوضوح أنّ الدّين الإسلاميّ، يختلف في معظم تشريعاته عن الأديان الأخرى.
ثالثاً: عرض تأريخ الحجاب لا يعني الرّضا بما فعلوه ولا رفض كلّ ما فعلوه، وإنّما هو لأجل بيان أنّ أصل مسألة الحجاب ليست من اختراعات الدّين الإسلاميّ المحمّديّ، كما قد يتوهّم.
رابعاً: ليس بالضّرورة أنّ أصحاب الدّيانات الأخرى الآن هي ملتزمة بالحجاب، حتّى المتديّنات منهن، وهذا لا يلازم كذب ما نقلناه من التَّاريخ؛ لوضوح أنّه فرق بين النّظريّة والتّطبيق؛ إذ قد يعتقد شخص بمبدأ لكن لا يطبِّقه على أرض الواقع، مع لحاظ الاختلاف في الزَّمن.
النّقطة الثّانية: بيان مصطلحات البحث
المصطلح الأوّل: الحجاب
ففي معجم (لسان العرب): "الحِجابُ: السِّتْرُ. حَجَبَ الشيءَ يَحْجُبُه حَجْباً وحِجاباً وحَجَّبَه: سَترَه. وقد احْتَجَبَ وتحَجَّبَ إِذا اكْتنَّ من وراءِ حِجابٍ. وامرأَة مَحْجُوبةٌ: قد سُتِرَتْ بِسِترٍ. وحَجَبَه أَي مَنَعَه عن الدّخول. وكلّ ما حالَ بين شيئين: حِجابٌ، والجمع حُجُبٌ لا غير.
وقوله تعالى: {ومِن بَيْننا وبَيْنِك حِجابٌ}(فصلت:5)، معناه: ومن بينِنا وبينِك حاجِزٌ في النِّحْلَةِ والدّين؛ وهو مثل قوله تعالى: {قُلوبُنا في أَكِنَّةٍ}(فصلت:5)، إلّا أَنَّ معنى هذا: أَنا لا نُوافِقُك في مذهب. واحْتَجَبَ المَلِكُ عن النّاس، ومَلِكٌ مُحَجَّبٌ".
وفي معجم العين: "الحَجْب: كلّ شي‌ء منع شيئا من شي‌ء فقد حَجَبَه حَجْبا. والحِجَابة: ولاية الحاجِب. والحِجَاب، اسم ما حَجَبْت به شيئا عن شي‌ء، ويجمع [على]: حُجُب".
وكذلك في معجم  صحاح اللغة، ومقاييس اللغة، والقاموس المحيط، فإنّهم ذهبوا إلى أنَّ معنى الحجاب هو السِّتر والمنع.
ث) وفي مفردات اللغة للرّاغب الأصفهانيّ: "الحَجْب والحِجَاب: المنع من الوصول، يقال: حَجَبَه حَجْباً وحِجَاباً، وحِجَاب الجوف: ما يحجب عن الفؤاد، وقوله تعالى: {وبَيْنَهُما حِجابٌ}(الأعراف:46)، ليس يعني به ما يحجب البصر، وإنَّما يعني ما يمنع من وصول لذَّة أهل الجنَّة إلى أهل النَّار، وأذيَّة أهل النَّار إلى أهل الجنّة، كقوله عزّ وجل: [فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ ٭ وظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ](الحديد13)، وقال عزّ وجل: [وما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ](الشورى:51)، أيّ: من حيث ما لا يراه مكلّمه ومبلّغه، وقوله تعالى: {حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ}(ص:32)، يعني الشَّمس إذا استترت بالمغيب. والحَاجِبُ: المانع عن السّلطان، والحاجبان في الرّأس لكونهما كالحاجبين للعين في الذّبّ عنهما. وحاجب الشّمس سمّي لتقدّمه عليها تقدّم الحاجب للسّلطان، وقوله عزّ وجلّ: [كَلّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ](المطففين:15)، إشارة إلى منع النُّور عنهم المشار إليه بقوله: [فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ](الحديد13).
المصطلح الثَّاني: الغضّ.
ففي لسان العرب: غَضَّ، واغْتَضَّ؛ أَي وضَع ونَقَضَ.
ب) وفي المقاييس: "غَضَّ طرفه، أي خَفضه، وغَضَّ من صوته، وكلّ شيءٍ كففتَه فقد غَضَضْتَهُ، والأمرُ منه في لغة أهل الحجاز اغْضُضْ، وفي التّنزيل [واغْضُضْ من صَوْتِكَ] (لقمان:19)، وأهل نجد يقولون: غُضَّ طرفك بالإدغام. قال جرير:
فلا كَعْباً بَلَغْتَ ولا كلابا    فَغُضَّ الطَّرْفَ إنّك من نُمَيْرٍ.
ج) وفي القاموس المحيط: "غَضَّ طَرْفَهُ غِضاضاً، بالكسرِ، وغَضّاً وغَضاضاً وغَضاضةً، بِفَتْحِهِنَّ: خَفَضَهُ، واحْتَمَلَ المَكْرُوهَ، وغضّ منه: نَقَصَ، ووَضَعَ من قَدْرِهِ،
وغضّ الغُصْنَ: كَسَرَهُ فلم يُنْعِمْ كَسْرَهُ، والغَضِيضُ: الطَّرِيُّ، والطَّلْعُ الناعِمُ.
د) ففي مقاييس اللغة: "الغين والضّاد أصلانِ صحيحانِ، يدلُّ أحدُهما على كفٍّ ونَقْص، والآخر على طراوة، فالأوّل الغضّ: غضُّ البصر. وكلّ شى‌ءٍ كففتَه فقد غضَضْته. ومنه قولهم: تلحقُه فى ذلك غَضَاضةٌ، أي أمر يَغُضُّ له بصرَه. والغَضْغَضة: النُّقْصان. في الحديث:«لقد مَرَّ من الدُّنيا بِبطنته لم يُغَضْغَض»، ويقولون: هو بحرٌ لا يُغَضْغَض، وغَضْغَضْت السِّقَاءَ: نقصتُه. وكذلك الحقّ، والأصل الآخر: الغَضُّ: الطّرىُّ من كلّ شى‌ء. ويقال للطَّلْع حين يطلُعُ: غَضِيض.
ه) مفردات القرآن: الغَضُّ: النّقصان من الطّرف، والصّوت، وما في الإناء. يقال: غَضَّ وأَغَضَّ. قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ}(النور:30)، {وقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ}، {واغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ}، وقول الشَّاعر:
فَغُضَّ الطّرفَ إنّك من نمير
فعلى سبيل التّهكّم، وغَضَضْتُ السّقاء: نقصت ممّا فيه، والْغَضُّ: الطّريّ الّذي لم يطل مكثه.
ويمكن بعبارة جمعُ هذه المعاني في اللغويّة، لكلمة الغضّ أنَّه الوضع من الشَّيء عن قدره، فإذا وضع فقد نقص  شيئاً عن مكانته الأولى، وخفض عمَّا كان عليه، وحصل كسر عن المكانة الأولى وكُفَّ عنها.
المصطلح الثَّالث: الخِمار
لسان العرب: "والخِمَارُ للمرأَة، وهو النَّصِيفُ، وقيل: الخِمار ما تغطّي به المرأَة رأسها، وجمعه أَخْمِرَةٌ وخُمْرٌ وخُمُرٌ. والخِمِرُّ، بكسر الخاء والميم وتشديد الرّاء: لغة في الخمار؛ عن ثعلب، وأَنشد: ثمّ أَمالَتْ جانِبَ الخِمِرِّ والخِمْرَةُ: من الخِمار كاللِّحْفَةِ من اللِّحَافِ. يقال: إِنّها لحسنة الخِمْرَةِ.
وفي المثل: إِنَّ الْعَوَانَ لا تُعَلَّمُ الخِمْرَةَ أَي إِن المرأَة المجرّبة لا تُعَلَّمُ كيف تفعل.
وتَخَمَّرَتْ بالخِمار واخْتَمَرَتْ: لَبِسَتْه، وخَمَّرَتْ به رأْسَها: غَطَّتْه.
وفي حديث أُم سلمة: أَنّه كان يمسح على الخُفِّ والخِمار؛ أَرادت بالخمار العمامة؛ لأَنّ الرّجل يغطّي بها رأْسه، كما أَنّ المرأَة تغطّيه بخمارها، وذلك إِذا كان قد اعْتَمَّ عِمَّةَ العرب فأَرادها تحت الحنك، فلا يستطيع نزعها في كلّ وقت فتصير كالخفّين، غير أَنّه يحتاج إِلى مسح قليل من الرّأْس، ثمّ يمسح على العمامة بدل الاستيعاب؛ ومنه قول عمر لمعاوية: ما أَشبه عَيْنَك بِخِمْرَةِ هِنْدٍ؛ الخمرةُ: هيئة الاختمار؛ وكلّ مغطًّى: مُخَمَّرٌ".
وفي معجم العين: " اخْتَمَرَ الخَمْرُ أي: أدرك، ومُخَمِّرُهَا متخذها، وخُمْرَتُهَا: ما غشي المَخْمُورَ من الخُمَار والسّكر، قال: فلم تكد تنجلي عن قلبه الخمر.
واخْتَمَرَ الطّيبُ والعجين خُمْرَةً، ووجدت منه خُمْرَةً طيبة إذا اخْتَمَرَ الطّيبُ أي: وجد طيبه. والشّارب يصيبه خُمْرَةٌ، وقد خَمِرَ وخَمَرَ. وخَمَرْتُ العجينَ والطّيب: تركته حتّى يجود.
واخْتَمَرَتِ المرأةُ بِالْخِمَارِ، والخِمْرَةِ: الاختمار، وهما مصدران. والمُخْتَمِرَةُ من الضّأن: السّوداء ورأسها أبيض، ومن المعز أيضاً. وأَخْمَرَهُ البيت: ستره، وخَمَرْتُ البيتَ أي: سترته.
ج) وفي معجم المحيط: "خَمَرَ عَليَّ الخَبَرُ: [أي] خَفِيَ، وخَمِرَ عَنّي: تَوارى وخَفِيَ".
د) وفي الصحاح: "خَمْرَةٌ وخَمْرٌ وخُمُورٌ، مثل تَمْرَةٍ وتَمْرٍ وتُمُورٍ، يقال خَمْرَةٌ صِرْفٌ. قال ابن الأعرابىّ: سمِّيت الخَمْرُ خَمْراً لأنَّها تُرِكت فاختمرت، واختمِارها: تغيُّر رِيحِها. ويقال: سُمِّيت بذلك لمُخامرتِها العَقْل، وما عندَ فُلَانٍ خَلُّ ولا خَمْرٌ، أي خَيْرٌ ولا شَرُّ".
ه) وفي المقاييس: "الخِمار: خِمار المرأةٌ. وامرأةٌ حسنَة الخِمْرَة، أي لُبْس الخِمار، وفي المثل: (العَوَانُ لا تُعَلَّم الخِمْرة)، والتّخمير: التّغطية. ويقال في القوم إِذا توارَوْا فى خَمَرِ الشَّجر: قد أخْمَرُوا. فأمَّا قولهم: «ما عِندَ فُلانٍ خَلٌّ ولا خَمْرٌ»، فهو يجرى مَجرى المثل، كأنَّهم أرادوا: ليس عِنده خيرٌ ولا شَرّ".
ز) مفردات القرآن: "أصل الخمر: ستر الشَّي‌ء، ويقال لما يستر به: خِمَار، لكن الخمار صار في التَّعارف اسماً لما تغطّي به المرأة رأسها، وجمعه خُمُر، قال تعالى: [وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ] (النور:31)، واختمرت المرأة وتَخَمَّرَت، وخَمَّرَتِ الإناء: غطَّيته، وروي (خمّروا آنيتكم)، وأَخْمَرْتُ العجين: جعلت فيه، الخمير، والخميرة سمّيت لكونها مخمورة من قبل، ودخل في خِمَار النّاس، أي: في جماعتهم السّاترة لهم، والخَمْر سمّيت لكونها خامرة لمقرّ العقل.
المصطلح الرَّابع: الجيب
أ) "الجيم والياء والباء أصلٌ يجوز أن يكون من باب الإِبدال، فالجَيْبُ جَيب القميص. يقال جِبْتُ القميص قوّرت جَيْبه، وجَيَّبْتُه جعلت له جَيباً".
ب) "الجَيْبُ: جَيْبُ القَمِيصِ والدِّرْعِ، والجمع جُيُوبٌ. وفي التَّنزيل العزيز: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىجُيُوبِهِنَّ}(النور:31)، وفلانٌ ناصحُ الجَيْبِ: يُعْنَى بذلك قَلْبُه وصَدْرُه، أَي أَمِينٌ".
ج) "جَيْبُ: الْقَمِيصِ مَا يَنْفَتِحُ عَلَى النَّحْرِ والْجَمْعُ (أَجْيَابٌ) و(جُيُوبٌ)".
المصطلح الخامس: الزِّينة
أ) "الزِّيْنَةُ: اسْمٌ جامِعٌ لكلّ ما يُتَزَيَّنُ به، والزِّيَنُ: جَمْعُه.
المصطلح السَّادس: الجلباب.
"الجِلْبَاب: ثوب أوسع من الخمار دون الرِّداء، تغطِّي به المرأة رأسها وصدرها".
"الجِلْبَابُ: ثَوْبٌ واسِعٌ دُوْنَ الرِّدَاءِ، يُقال: تَجَلْبَبْتُ"."والجِلباب: المِلحفة".
وبالرّجوع إلى كتب التَّفاسير، وجمعاً بين كلامهم وكلام اللغويين، هو أن الجلباب قطعة كانت تلبسها نساء العرب، ويطلق على مطلق الرِّداء حتّى للرَّجل.
▪ حدود الحجاب
الحجاب الشَّرعيّ على نوعين، ظاهريّ وباطنيّ:
أمّا الحجاب الظّاهريّ، فهو الحجاب الّذي أمر الله(عزوجل) الفتيات والنّساء الالتزام بمواصفاته؛ كساتر للبدن أمام الرّجال غير الزّوج والمحارم، وقد أمر به في القرآن الكريم، وأكّدته أحاديث النَّبي المصطفى(ص)والأئمّة المعصومين(ع).
وقد فصَّل الفقهاء والمراجع في ذلك، ونحن نُشير الى حدوده باختصار.
الواجب في ارتداء الحجاب هو ستر الفتاة أو المرأة كافّة أجزاء بدنها، ما عدا الوجه والكفّين عن غير الزّوج والمحارم، ولا خصوصيّة للجلباب في الحجاب إذا حصل السّتر بغيره.
نعم يجب أن تتوفّر في السّاتر (الحجاب) الأمور التّالية:
1- ألّا يكون مثيراً للفتنة النّوعيّة، سواء كان بسبب اللون أو الخياطة أو غيره.
2 ألّا يكون ضيّقاً بحيث يُظهر مفاتن البدن.
3 ألّا يكون رقيقاً بحيث يُرى من خلاله ما يجب ستره.
فإذا اجتمعت الأمور المذكورة فيما يستر البدن، كان هذا السَّاتر حجاباً شرعيّاً، حتّى لو كان السَّاتر قميصاً وسروالاً واسعين.
وهنا لا بُدَّ من الالتفات إلى  أنَّ ستر القدمين أيضاً واجب عن الأجانب، ولا فرق في ستره بالجوراب أو بغيره.
ومن الواضح أنَّه كلَّما كان الحجاب محتشماً كان أفضل.
وأما الحجاب الباطني: فهو ما أمر الله(عزوجل) به الفتاة والمرأة، كما أمر به الشّباب والرِّجال أيضاً في القرآن الكريم، وأكّدته أحاديث نبيّه الكريم محمَّد(ص) والأئمّة المعصومون(ع).
والمقصود بالحجاب الباطنيّ هو ما يحجب الإنسان، عن الرّذيلة والفساد وكلّ ما يسخط الله، أي العفّة والحشمة وغضّ البصر، والحجاب الباطنيّ هو الحجاب الّذي يتعلّق بسلوك الفتاة والمرأة، وكذلك الفتى والرّجل، وهو كذلك مهمّ؛ حيث إنّ كلّ من الحجابين مكمّل للآخر، ولا معنى للحجاب الحقيقيّ إلّا بمراعاتهما معاً.
قال الله(عزوجل): [.. وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ..] (الأحزاب:53).
وقال جل جلاله: [قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ٭ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النّساء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] (النور:30-31).
وقال عزَّ مِنْ قائل: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا] (الأحزاب:59).
وهنا من المناسب ذكر هذه القصَّة وهي أنَّه حدّث يحيى المازنيّ قال: "جاورت أمير المؤمنين علي(ع) في المدينة المنوّرة، مدّة مديدة وبالقرب من البيت الذي تسكنه السّيّدة زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصاً، ولا سمعت لها صوتاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدّها(ص) تخرج ليلاً، الحسن عن يمينها والحسين عن شمالها، وأمير المؤمنين(ع) أمامها، فإذا قربت من القبر الشّريف، سبقها أمير المؤمنين(عليه السّلام) فأخمد ضوء القناديل، فسأله الإمام الحسن(ع) مرّة عن ذلك، فقال: أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب.
إنتهت ویلیها الجزء الثاني في العدد الآتي
المصدر: مجلة بقیة الله(عج)، العدد 70-70