□ مقال
من زارها وجبت له الجنّة
□ الشيخ علي الهادي
فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم(ع)، فرع من بيت النبوّة، والعترة الطاهرة، التقيّة الورعة، العابدة، العالمة المحدِّثة، صاحبة الفضل الكبير، وهي باب الشفاعة يوم القيامة، وببركتها يدخل الشيعة إلى الجنّة، وزيارتها تعادل الجنّة. هي قرّة عين أهل قمّ، وملاذ الناس ومعاذهم؛ بحيث تشدّ إليها الرحال كلّ سنة من الأماكن البعيدة؛ لاقتباس الفيض، واكتساب الأجر من زيارتها(ع).
▪ حياتها الاجتماعيّة
هي أكبر بنات الإمام الكاظم(ع) الفواطم؛ فله أربع بنات باسم "فاطمة"، كبرى، ووسطى، وصغرى، وأخرى، وقيل إنّهما اثنتان: فاطمة الكبرى، وفاطمة الصغرى، وقيل ثلاث، بل قيل واحدة.
ثمّ إنّ بنات الإمام الكاظم(ع) لم يتزوّجن باستثناء ابنته أم سلمة، فقد أوصى الإمام الكاظم(ع) بأن لا يتزوّجن إلّا بموافقة الإمام الرضا(ع)؛ لأنّه أعرف بقومه، ولم يتزوّجن لعدم وجود الكفؤ، أو لعلّه لو زوّجهن بغير أكفائهن؛ لأوجب ذلك متاعب كبيرة وخطيرة لهنّ وللأئمّة عليهم السلام، وتكون المفسدة فيها أعظم من ذلك. وورد أنّ هارون العباسيّ قد طالب الإمام الرضا(ع) بذلك، فقال: فلم لا تزوّج النسوان من بني عمومتهنّ وأكفائهنّ؟ فقال(ع): "اليد تقصر عن ذلك".
▪ ألقابها
من أشهر ألقابها "الكبرى"، فقد ورد اسمها في المصادر التاريخيّة بـ"فاطمة الكبرى": "وقد لُقّبت بذلك تمييزاً لها عن أختها فاطمة أو أخواتها الفواطم". ولُقّبت بـ"المعصومة"، ولعلّ تسمية أهل قمّ لها بـ "فاطمة المعصومة"؛ لشدّة إيمانها وتقواها وورعها.فظ معصوم الذي يعني بالعربية: المحفوظ من الخطأ والذنب، يعني بالفارسيّة "البريء" الذي لا ذنب له، فيطلقونه على الطفل أيضاً لطهارته ونقائه. ويظهر أنّ لقب "معصومة" ظهر في زمن العلّامة المجلسي قدس سره أو قبيله بقليل، حيث عُرفت في زمنهم بهذا اللقب.
▪ العالمة المحدِّثة
كانت فاطمة الكبرى من الرواة والمحدِثين، فقد روت حادثة الإسراء، فكانت من ضمن سلسلة الفواطم رواة حديث الإسراء، إذ روت عنها فاطمة بنت الإمام الرضا(ع)، وروت هي عن فاطمة بنت الإمام جعفر الصادق(ع)، عن فاطمة بنت الإمام الباقر(ع)، عن فاطمة بنت الإمام السجّاد(ع)، عن فاطمة وسكينة ابنتي الإمام الحسين(ع)، عن أمّ كلثوم بنت الإمام علي(ع)، عن أمّها فاطمة بنت رسول الله(ص).
ويروي ابن الجزري حديث الغدير بسنده المتسلسل إلى أن يصل إلى سلسلة الفواطم نفسها، وحديث المنزلة، وهذا الحديث يُعرف بـ"المسلسل"، من جهة أنّ كل واحدة من الفواطم تروي عن عمّة لها.
▪ منزلتها وفضلها في الإسلام
1. فضل زيارتها: أشارت الروايات إلى استحباب زيارتها، وأنّ من زارها فله الجنّة، روي عن سعد بن سعد، عن الإمام الرضا(ع)، قال: سألته عن زيارة فاطمة بنت موسى(ع)، قال: "من زارها فله الجنّة". وعن الإمام الجواد(ع) أنّه قال: "من زار قبر عمّتي بقم فله الجنّة".
وأشار الإمام الصادق(ع) إلى وجوب الجنّة لزوّارها، قال: "إنّ لله حرماً وهو مكّة، وإنّ للرسول(ص) حرماً وهو المدينة، وإنّ لأمير المؤمنين(ع) حرماً وهو الكوفة، وإنّ لنا حرماً وهو بلدة قم، وستُدفن فيها امرأة من أولادي تُسمّى فاطمة، فمن زارها وجبت له الجنّة".
2. الشفاعة يوم القيامة: ورد عن الإمام الصادق(ع) قال: "ألا إنّ حرمي وحرم ولدي من بعدي قم، ألا إنّ قم كوفة الصغيرة، ألا إنّ للجنّة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قم، يقبض فيها امرأة هي من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى، يدخل بشفاعتها شيعتي الجنّة بأجمعهم". وفي هذا الحديث دلالات مهمّة، هي:
أ. تحدّث الإمام الصادق(ع) بهذا الأمر قبل ولادة ابنه؛ الإمام الكاظم(ع)، وهذا يكشف عن عظمة هذه المرأة الجليلة وفضلها، وهذا ما تقدّمت الإشارة إليه أيضاً في رواية سابقة، وقد تحقّق ذلك بعد أكثر من سبعين سنة تقريباً.
ب. أنّ فاطمة الكبرى تشفع للمؤمنين يوم القيامة، وشفاعتها قضيّة حتميّة، وبشفاعتها يدخل الشيعة بأجمعهم إلى الجنّة، وهذه من أهمّ الدلالات على فضلها، ومنزلتها يوم القيامة.
▪ الظروف السياسيّة في عصرها
عاش الإمام الكاظم(ع) ظروفاً سياسيّة وأمنيّة صعبة للغاية، فقد اقتيد إلى بغداد قسراً، وأُودع في سجون السلطة العباسيّة. وهذه الظروف أرخت بظلالها على الشيعة، وعلى أبنائه خصوصاً، فتفرّق أبناؤه في الكثير من بلدان العالم، وهذه الظروف بعينها جرت في عصر الإمام الرضا(ع)، حيث استدعاه المأمون إلى مرو قسراً، ووضعه تحت الإقامة الجبريّة، وهذا ما حفّز العديد من إخوته للتوجّه نحو إيران، وكان منهم أخته فاطمة الكبرى، فأرادت أن تلحق به، وتعيش في جواره، فخرجت تقصده في سنة إحدى ومائتين.
ولا نشكّ في وجود علاقة أخويّة قويّة بين الطرفين؛ ففاطمة امرأة مؤمنة تقيّة ورعة، ولها هذا الفضل العظيم عند الله سبحانه وتعالى. ومن جهة أخرى، إنّ الروايات التي تحدّثت عن استحباب زيارتها وشفاعتها تشير إلى أنّ المشيئة الإلهيّة ساقتها إلى هناك؛ حتّى يتحقّق الأمر، وتتّضح منزلتها وفضلها في الإسلام، ويزورها الناس، ويتشفّعوا بها.
▪ مرقدها في قمّ المقدّسة
توفّيت السيّدة فاطمة الكبرى في سنة 201هـ، بعد قدومها إلى قم، ولا يوجد تاريخ محدّد ليوم وشهر وفاتها، ونُقل أنّها توفّيت في 12 من ربيع الثاني سنة 201هـ، ويُذكر في سبب وفاتها أنّ مرضاً -لم يصرّح عنه صاحب كتاب "تاريخ قم"- ألمّ بها في منطقة ساوة قبل وصولها إلى قم، فسألت كم بينها وبين قم؟ قالوا: عشرة فراسخ، فقالت: احملوني إليها؛ فحملوها إلى قم، فلمّا وصل خبرها إلى قم استقبلها أشراف قم، وتقدّمهم موسى بن الخزرج بن سعد الأشعريّ، فأخذ بزمام ناقتها وجرّها إلى منزله، وبقيت في داره سبعة عشر يوماً، ثمّ ماتت، ودُفنت في قم، فأمر موسى بتغسيلها وتكفينها، وصلّى عليها، ودفنها في أرض كانت له، ويُحتمل أن تكون بجانب داره "مقبرة بابلان"، المشهورة بشيخان الكبير، ووضعوها(رض) في سرداب حُفر لها، وهو الآن روضتها.
حصل عند الناس شياع عام أنّها أرض موسى، فصار يطلق على كلّ المنطقة أرض موسى، ولم يتمّ التمييز بين المحراب في داره، ودفنها في المقبرة عبر الزمن.
وصار مزارها عظيماً، وبنى عليه سقيفة من البواري، إلى أن تكفلت السيدة زينب بنت الإمام محمّد الجواد(ع) ببناء قبّة عليه، وفيه يوجد المحراب الذي كانت(رض) تصلّي فيه في دار موسى، في محلّة "ميدان مير" في القرن الرابع عشر الهجريّ.
وما يزال هذا المحراب المبارك إلى يومنا هذا مأوى الناس على اختلاف طبقاتهم، ويزورونه، ويقصدونه بالتبرّك، والصلاة، والدعاء والتوسّل، وطلب الشفاعة فيه، وهو عبارة عن غرفة صغيرة، جُدّدت عمارتها في السنين الأخيرة على شكل رائق جميل، وأُقيمت إلى جانبها غرف خاصّة لطلّاب العلوم الدينيّة، وتُعرف الآن بـ"المدرسة الستّيّة"، نسبة إلى "ستّي فاطمة"؛ أي سيّدتي فاطمة.
المصدر: مجلة بقیة الله