printlogo


printlogo


ملاحظة
العلم، شبه العلم والمعتقدات الدينية: مكانة التعاليم الإسلامية والشيعية في هذا السياق

في عصرنا الحالي، حيث يلعب العلم التجريبي دورًا محوريًا في فهم العالم من حولنا، أصبحت مسألة العلاقة بين المعتقدات الدينية والاكتشافات العلمية ذات أهمية خاصة. هذه المسألة تكتسب حساسية خاصة بالنسبة للمسلمين، وخاصة أتباع المذهب الشيعي الذين يعيشون في مجتمعات ذات إرث علمي وديني غني. لفهم هذا الموضوع بدقة، يجب أولاً التمييز بين ثلاثة مفاهيم رئيسية: العلم، شبه العلم، والمعتقدات الدينية.
العلم التجريبي: خصائصه وأساسياته
العلم التجريبي يعتمد على منهج منظم يشمل الملاحظة، وضع الفرضيات، التجربة، واستخلاص النتائج. الميزة الأساسية للعلم هي قابليته للدحض؛ أي أن أي نظرية علمية يجب أن تكون قابلة للاختبار والإثبات أو الرفض. كما أن العلم يعتمد على تكرار النتائج، المراجعة المستمرة، وتقييم الأقران. العلماء الحقيقيون مستعدون لتعديل أو حتى التخلي عن نظرياتهم عند ظهور أدلة جديدة.
شبه العلم: المظهر العلمي الزائف
على النقيض من ذلك، فإن شبه العلم يتظاهر بكونه علميًا لكنه لا يتبع منهجية علمية موثوقة. يبدأ عادةً بنتائج محددة مسبقًا، ثم يبحث عن أدلة تدعم تلك النتائج. غالبًا ما تكون ادعاءات شبه العلم غامضة وغير قابلة للاختبار، كما أنها تتجنب النقد والمراجعة العلمية. أمثلة على ذلك تشمل التنجيم، قراءة الكف، وبعض الادعاءات العلاجية غير المدعومة بأدلة علمية.
المعتقدات الدينية: طبيعتها ومجالها
أما المعتقدات الدينية، فهي تنتمي إلى مجال مختلف تمامًا. الدين يعالج أسئلة معنوية، أخلاقية، وميتافيزيقية: لماذا يوجد الكون؟ ما هو هدف الحياة؟ كيف يجب أن نعيش؟ هذه الأسئلة تقع خارج نطاق العلم التجريبي الذي يركز على "كيف" تعمل الظواهر، وليس "لماذا" توجد. الإيمان الديني يعتمد على التجربة الروحية، الوحي، والتقاليد، وليس على التجربة العلمية.
التعاليم الإسلامية والتمييز بين المجالات
في التراث الإسلامي، تم التعرف منذ زمن طويل على هذا التمييز. يدعو القرآن الكريم المؤمنين للتفكر في آيات الخلق: "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" (آل عمران: 190). هذا الحث على التفكير كان أساسًا لازدهار العلوم في الحضارة الإسلامية. علماء مسلمون مثل ابن سينا، ابن الهيثم، الخوارزمي، والبيروني، كانوا رواد المنهج العلمي ولم يروا تناقضًا بين إيمانهم الديني وسعيهم العلمي.
مكانة التعاليم الإسلامية والشيعية
التعاليم الإسلامية، وخصوصًا الشيعية، تركز بشكل رئيسي على الإيمان، الأخلاق، والأحكام العملية. التوحيد، النبوة، المعاد، العدل، والإمامة - التي تشكل أصول الدين والمذهب - هي قضايا ميتافيزيقية لا يمكن إثباتها أو دحضها باستخدام المنهج العلمي. هذه التعاليم لا تدعي تفسير الظواهر الطبيعية، بل تقدم إطارًا معنويًا لفهم مكانة الإنسان في الكون.
حتى الأحكام الفقهية، التي تمثل جزءًا رئيسيًا من التعاليم الدينية، هي في الأساس توجيهات لحياة أخلاقية واجتماعية، وليست نظريات عن العالم الطبيعي. فالصلاة، الصيام، الخمس، والزكاة ليست لها علاقة بادعاءات علمية، بل هي وسائل للتطوير الروحي وتعزيز الوحدة الاجتماعية.
التوتر بين الروايات الدينية والعلم
في بعض الأحيان، قد يظهر توتر بين الروايات الدينية وبعض الاكتشافات العلمية. على سبيل المثال، هناك روايات حول معجزات الأنبياء أو المعراج، والتي قد تبدو غير عادية من منظور العلم التجريبي. لكن يجب أن ندرك أن هذه الروايات ليست ادعاءات علمية؛ بل هي تعبير عن الإيمان بقدرة الله التي تتجاوز القوانين الطبيعية. المعجزة تُسمى كذلك لأنها خارقة للطبيعة.
الخلط بين الدين والعلم
المشكلة تظهر عندما يحاول البعض تقديم التعاليم الدينية في قالب علمي، أو العكس، استخدام العلم لإثبات أو نفي المعتقدات الدينية. على سبيل المثال، محاولة "إثبات علمي" للمعجزات أو استخدام آيات القرآن كمصدر لدروس الفيزياء أو الأحياء هو نوع من الخلط بين المجالات، الذي لا يخدم الدين ولا العلم. القرآن هو كتاب هداية، وليس كتاب علوم طبيعية.
الإسلام والعلم: علاقة تكاملية
الإسلام والمذهب الشيعي لا يعارضان العلم الحقيقي، بل يعتبران طلب العلم عبادة. الحديث الشريف "اطلبوا العلم ولو بالصين"، وتأكيد أئمة الشيعة على أهمية اكتساب المعرفة، يعكس القيمة الكبيرة للعلم في هذا التقليد. العديد من علماء الشيعة المعاصرين، مثل العلامة الطباطبائي والشهيد مطهري، أكدوا على ضرورة التعرف على العلوم الحديثة وعلى عدم وجود تعارض جوهري بين الدين والعلم.
الخلاصة
إن التعاليم الإسلامية والشيعية تقع في مجال منفصل عن العلم وشبه العلم. فهي لا تدعي العلمية التي تتطلب إثباتات تجريبية، كما أنها ليست شبه علم يسعى لخداع الناس بمظهر علمي زائف. هذه التعاليم تقدم إجابات على الاحتياجات الروحية، الأخلاقية، والاجتماعية للإنسان، التي يعجز العلم التجريبي عن تلبيتها. فهم واحترام حدود كل من هذه المجالات هو السبيل الصحيح للتعامل مع تراثنا العلمي والديني القيم.