printlogo


printlogo


مذکّرة
نظرات تساوي الألماس!

في خضم بحثنا عن المعادن والأحجار الكريمة، نجد أن الألماس هو الأثمن بينها جميعًا. وكذلك، بين أعضاء جسم الإنسان، للعين مكانة خاصة، حتى أنه إذا كان لشخص ما مكانة عظيمة عندنا، نعتبره "عيننا" أو "نجلسه فوق أعيننا".
هذه العين، مع ما لها من قيمة ومنزلة، إذا وجّهت نحو شيء ثمين، فإنها تضيف إلى ذلك الشيء قيمة تفوق قيمة الألماس، وتصبح قيمتها مضاعفة أضعافًا كثيرة. (وكذلك إذا وجّهت إلى ما لا يرضي الله تعالى، أو إلى ما هو غير لائق، فإنها تصبح بلا قيمة، بل تكون ضد القيمة. عندئذ يكون التراب أثمن من تلك النظرة. وفي هذا المقال سنتناول موضوع النظرة من الزاوية الأولى، أي النظرة التي يمكن أن تكون في غاية القيمة).
في منطق الدين، هناك بعض النظرات تشبه الألماس، أي أن قيمتها تفوق تصوّر البشر. هذه النظرات تنطوي في ذاتها على معرفة وإدراك، أو تنتج وتستلزم نوعًا من المعرفة لصاحبها. وهذه النظرات تنبع من إدراك رفيع، كما أنها تهيئ الأرضية لمعرفته الأسمى. وبالطبع، الجانب المعرفي لهذه النظرات ليس محل بحثنا الآن، إذ يحتاج إلى بحث مفصل في موضعه الخاص. ما يمكننا الحديث عنه هنا هو أن بعض النظرات، بحسب الروايات الواردة عن المعصومين(ع)، هي نظرات مميزة؛ فالإنسان بهذه العين نفسها التي قد يستخدمها في نظرات سلبية وضارة، يمكنه أن يوجه نظرات ثمينة كالألماس. النظر إلى ولي الله، النظر إلى الكعبة، النظر إلى القرآن، النظر إلى العالم، النظر إلى الوالدين، النظر إلى المؤمن، والنظر إلى الزوجة والأبناء والأصدقاء؛ كل واحدة من هذه النظرات ترفع من قيمة نظر الإنسان وتقرّبه أكثر فأكثر إلى مقام القرب الإلهي.
سرّ قيمة بعض النظرات
ولكن ما هو سر قيمة هذه النظرات؟ إذا أمعنا النظر جيدًا، سندرك أن قيمة النظرة، بالإضافة إلى قيمة من ينظر إليه، تكمن في النتيجة والثمرة التي يجنيها الناظر من تلك النظرة. فمثلاً، إذا نظر الإنسان إلى أشياء تلهيه عن ذاته وتشغله عن ذكر الله وتفكيره، فإن ذلك سيمنعه من النمو والكمال وتطوير شخصيته. فعلى سبيل المثال، النظر إلى ثروة الأغنياء وأصحاب الدنيا يورث الحسرة والحزن في قلب الناظر، ويشتت فكره، وربما يدفعه إلى جمع المال والثروة. أو أن النظر إلى الأجنبي/الأجنبية مثل سهم يطلقه الشيطان نحو قلب المؤمن، فيظل ذلك القلب هدفًا له باستمرار، وبهذا يفتح الشيطان طريقه إلى قلب الناظر حتى لا يبقى فيه موضع للمحبوب الحقيقي. وكما قال علي(ع): "العيون طلائع القلوب"، فإلى أينما توجهت العيون، تتبعها القلوب، لذا ينبغي توجيه النظر نحو ما ينير القلب والروح لا ما يظلمهما.
وقد أشارت الأحاديث الشريفة إلى بعض هذه النظرات الماسية، وسنذكرها فيما يلي:
١. النظر إلى وجه العالم
العلماء الصادقون، لما لهم من دور هادٍ في حياة البشر وهدايتهم إلى السعادة والخير، لهم دائمًا مكانة سامية في نظر الإسلام. الأنس بمجالستهم يهيئ للأشخاص التعرف على حقائق الدين ويهديهم إلى منابع الحقائق، لذا فإن النظر بمحبة إلى وجوههم الملكوتية يعد عبادة. قال النبي(ص): "النظر إلى وجه العالم عبادة". کما قال(ص): "... والنّظر إلى وجْه الْعالم خيْرٌ لك منْ عتْق ألْف رقبةٍ" هؤلاء العلماء يذكرون الناظر بيوم القيامة، وإن لم يكن كذلك فإن النظر إليهم لا يجلب إلا الفتنة.
٢. النظر إلى المصحف الشريف
القرآن كتاب هداية، وهو آخر ميراث تركه الأنبياء للبشرية، ولم يحرّف أبدًا، وهذه الحماية من التحريف– فضلاً عن كونها معجزة إلهية– هي ثمرة اهتمام النبي(ص) بترسيخ الألفة مع القرآن الكريم، حتى أن مجرد النظر إلى القرآن دون تلاوته عدّ عبادة. قال(ع): "النظر في المصحف من غير قراءة عبادة". قال الراوي: "سألْت الصّادق عليْه السّلام فقلْت له جعلْت فداك إنّي أحْفظ الْقرْآن على ظهْر قلْبي أ فأقْرؤه على ظهْر قلْبي أمْ أنْظر في الْمصْحف فأقْرأ منْه قال فقال لي بل اقْرأْه و انْظرْ في الْمصْحف فهو أفْضل أ ما علمْت أنّ النّظر في الْمصْحف عبادةٌ ."
٣. النظر إلى وجه الوالدين
جعل القرآن الكريم للوالدين مكانة عالية وأمر بالإحسان إليهما بعد النهي عن الشرك. وهذه المكانة لما لهما من دور في تربية المؤمنين. ولهذا قال النبي(ص): "ما ولدٌ بارٌّ نظر الى ابويْه برحْمةٍ الاّ كان له بكلّ نظْرةٍ حجّةٌ مبْرورةٌ فقالوا: يا رسول اللّه وانْ نظر فى كلّ يوْمٍ مائة نظْرةٍ؟ قال: نعمْ اللّه اكْبر واطْيب." وكما أن النظر بمحبة للوالدين عبادة، فإن النظر إليهما بعين الغضب والمعصية، كما قال الإمام الصادق(ع)، يعد عقوقًا ويمنع قبول الصلاة، ولو كان ذلك بسبب ظلم الوالدين للولد. "منْ نظر الى ابويْه نظر ماقتٍ، وهما ظالمان له، لمْ يقْبل اللّه له صلاةً."
٤. النظر بمحبة من الوالدين إلى الأبناء
التربية الصحيحة تنمو في ظل روابط عاطفية متينة بين الوالدين والأبناء، وهذه الروابط تزداد قوة بنظرة المحبة من الوالدين إلى أبنائهم، ولهذا عدّ النبي(ص) نظر الأب إلى ابنه بمحبة عبادة وقال: "اذا نظر الْوالد الى ولده فسرّه كان للْوالد عتْق نسمةٍ! قيْل: يارسول اللّه وانْ نظر ستّين وثلاثمائة نظْرةً؟ قال: اللّه اكْبر."
٥. النظر إلى وجه المؤمن
الإيمان بالله يربط المؤمنين ببعضهم، وكلما ازدادت روابط المحبة بينهم، ترسخت جذور الإيمان في نفوسهم ومجتمعهم. ولهذا أكد الإسلام على النظر بمحبة بين المؤمنين واعتبره عبادة. قال الإمام زين العابدين: "نظر المؤمن فی وجه أخیه المؤمن للمودّة و المحبّة له عبادةٌ".