printlogo


printlogo


مذکرة
"الإنسانية ويقين العدل الآتي"

حين نحدّق في معاناة البشرية، وما تتقلّبه من ظُلم واستبداد، وصراعات لا تكاد تهدأ حتى تشتعل، يتبادر إلى الذهن تساؤل وجودي كبير: هل سيبقى هذا حال العالم إلى الأبد؟ وهل كُتب على الإنسان أن يُولد في دوّامة الجور ويموت تحت عباءته؟ إنّ الجواب الذي يرسّخه لنا التراث الإسلامي، لا سيما مدرسة أهل البيت(ع)، هو أنّ هذا العالم، رغم ما يعيشه من اضطراب، يسير نحو محطة كبرى من محطات التاريخ، تُزهق فيها روح الظلم، وتنتصر فيها كلمة العدل، ويُعاد للإنسان كرامته، وللحياة توازنها.
وإنّنا لا نشكّ لحظة في مجيء ذلك اليوم العظيم، يوم يُبسَط فيه العدل على وجه الأرض كلّها، وتُرفع فيه راية القسط على كل شبر من المعمورة، وتُؤسَّس فيه الحياة على أُسس الإنصاف الإلهي. هذا الإيمان لا ينبع من أمنيات عاطفية، أو أحلام حالمة، بل هو عقيدة راسخة مستندة إلى مئات النصوص الموثوقة التي جاءت عن النبي الأعظم(ص) والأئمة الطاهرين(ع)، والتي بلغ تواترها حدّاً لا يُمكن لأي باحث منصف إنكاره أو التشكيك فيه.
والروايات التي تتحدث عن اليوم الموعود، وعن ظهور الإمام المهدي المنتظر(عج)، تُجسّد وعد الله لعباده، وتُطمئن القلوب المتعبة، بأنّ هذا الليل الطويل لن يطول، وأنّ نور العدل آتٍ لا محالة. يقول النبي(ص): «لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من أهل بيتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً».
وإن هذا الحديث الشريف ليس مجرد تصريح، بل هو وعد رباني، يتكرّر في روايات شتى بطرق مختلفة، وتواترت مضمونيًّا في كتب المسلمين جميعاً، ما يُعطيها مصداقية تاريخية وعقائدية لا تُضاهى.
وإن إيماننا بأنّ البشرية ستصل إلى تلك المرحلة ليس رجماً بالغيب، ولا تعويلاً على خرافة، بل هو إيمان بموعودٍ إلهي، له علائمه، وله فلسفته، وله جذوره في الفطرة والتاريخ. فقد خلق الله الإنسان وهو يحنّ إلى العدل، ويتألم للجور، ويطمح إلى عالم يُحترم فيه الضعيف، ويُجازى فيه الظالم مثلما يحدث اليوم في غزة حيث تتفشى جرائم القتل، وتعمّ المجاعة، وتتواصل الانتهاكات بحق النفس البشرية، ويُحرم الإنسان من نعمة الأمان، ولذا يهدف هذا التطلّع الإنساني العامّ، ليس عبثاً، بل هو استعداد فطري لغدٍ مشرق، يُعدّه الله للبشرية جمعاء.
وقد ركّزت تعاليم أهل البيت(ع) على ترسيخ هذا الأمل، ليس فقط بوصفه حدثاً مستقبلياً، بل كمنهج حياة، يُعدّ الإنسان من خلاله ليكون جزءاً من مشروع العدل الإلهي. فالمهدي المنتظر(عج) لا يظهر في فراغ، بل في بيئة تتطلّع للعدل، ويهيّئ لها أنصاراً مؤمنين يهيئون الأرض لذلك اليوم الموعود، كما قال الإمام الصادق(ع): «من سَرَّه أن يكون من أصحاب القائم، فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، وهو منتظر».
وإننا اليوم، وسط أمواج الفتن، وسقوط القيم، وانكفاء العدالة، بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة إحياء هذا اليقين. فالإيمان بظهور العدل، لا يجعلنا متواكلين، بل يمنحنا أملاً يدفعنا للبذل والإصلاح، والتمهيد لذلك اليوم الذي وعد الله به عباده، وتعهّد به أنبياءه، وأكّده أئمته الطاهرون(ع).
فلا مجال للشكّ في مجيء يوم يُشرق فيه العدل، ويعمّ فيه القسط، لأنّ الأحاديث التي بشّرتنا بذلك هي من الكثرة والثبوت بمكان، يجعلها تقطع طريق الشكّ، وتفتح أبواب اليقين. وإنّه لآتٍ لا محالة، يوم يسجد فيه التاريخ للعُدل بعد طول انحناء أمام الجور، وتُعلَن فيه نهاية لزمن الظلم، وبداية لعصر النور والكرامة الإنسانية.
 
الكاتب والباحث: الشيخ حسين التميمي