ملاحظة
قصة مصحف المشهد الرضوي
*تفاصیل المصحف وخصائصه
يعدّ مصحف المشهد الرضوي أحد أهمّ ما تبقّی من الوثائق القرآنية التي يعود تاريخها إلی القرن الأوّل الهجري، حيث يمكن أن نستقي منها صورة واضحة ومتكاملة عن تاريخ كتابة القرآن. وقد أَطلَقْتُ في هذا البحث تسمية: مصحف المشهد الرضوي أو (Codex Mashhad) علی هذا المصحف القديم الذي وجدتُ أكثر أوراقه في مكتبة العتبة الرضوية موزّعةً علی نسختين مرقّمتين: 18، و4116، تتكوّن الأولی من 123 ورقة، والثانية من 129 ورقة، بحيث تمثّل مجموع هذه الأوراق أكثر من 95 بالمائة من النصّ القرآني؛ فهذا أکمل قرآن وصل إلينا بالخط الحجازی من القرن الأول للهجرة. وقلّما نعثر على مصحف من المصاحف الحجازيّة القديمة تجتمع فيه جميع الخصائص الموجودة في مصحف المشهد الرضوي. وإذا دقّقنا النظر في النصّ ومميّزات الرسم وغرائب الإملاء واختلاف القراءات ونظم السوَر وترتيبها؛ أمكننا أن نستنتج أنّ القسم الأصلي من هذه النسخة قد تمّت كتابته في زمن متقدّم جداً، قد يرقى لأن يعود إلى القرن الأوّل للهجرة. ومن ميّزات هذا المصحف أنّ تركيبته الأصليّة وخلافاً لسائر النسح القرآنيّة الراجعة للقرن الأوّل الهجري، قد جاءت موافقةً للرواية الرسميّة العثمانيّة، في حين جاء ترتيب السور فيه موافقاً للترتيب المنسوب للصحابي عبد الله بن مسعود.
50-100 هـ.ق
*كتابة القرآن في المدينة أو الكوفة
تُشير الخصائص المتنيّة العامّة في مصحف المشهد الرضوي إلى احتماليّةَ أن يكون هذه المصحف قد دُوّن في المدينة، غير أنّ ترتيب السور فيه جاء مطابقًا لترتيب ابن مسعود في الكوفة. كما وتشير الخصائص الإملائيّة، والتحليلات الباليوغرافية باستخدام فحوصات الكربون-14 إلى كون هذا المصحف ينتمي إلى منتصفات القرن الثاني للهجرة.
100-300 هـ.ق
*احتماليّة وجود المصحف في الكوفة
وفقًا للنقولات التاريخيّة، فالكثير من المصاحف التي جاء ترتيب السور فيها مطابقًا لرواية ابن مسعود كانت متداولة في الكوفة. فتلامذة ابن مسعود في القراءة وتفسير القرآن وكذلك الأجيال التي تلتهم حضروا بشكل كبير في الكوفة لقرنيْن من الزمن على الأقلّ.
300-400 هـ.ق
*إعادة ترتيب سور المصحف في العراق أو إيران
نظرًا إلى اشتهار الرواية الرسميّة للمتن القرآني بالترتيب العثماني في العالم الإسلامي في القرون اللاحقة، فقد تعرّض مصحف المشهد الرضوي للحكّ والإصلاح وإعادة ترتيب للسور، ليصبح مطابقًا للرواية الرسميّة.
400-500 هـ.ق
*حضور المصحف في نيشابور
حظيت مدينة نيشابور بأهميّة سياسية وثقافيّة وعلميّة منذ القرون الأولى للإسلام، ويمثّل مرور الإمام الرضا من هذه المدينة وتحديثه برواية السلسلة الذهبيّة خير شاهد على حضور الكثير من المحدّثين هناك في أواخر القرن الثاني للهجرة. ومع تأسيس المدارس العلميّة المختلفة وحضور العلماء من مختلف الفرق الإسلاميّة، باتت هذه المدينة في الفترة الممتدّة بين القرنيْن الثالث والخامس للهجرة ذات أهميّة علميّة وتاريخيّة أكبر بكثير.
في حدود سنة 490 هـ.ق
*امتلاك علي بن أبي القاسم المقرّي السروي
لهذا المصحفتشير الشواهد الموجودة في الوقفيّة وكذلك بعض الصفحات الأخرى من المصحف إلى أنّه كان في أواخر القرن الخامس للهجرة ملكًا لأحد قرّاء نيشابور يُدعى علي بن أبي القاسم المقرّي السَرَوي، ليعود ويتمّ وقفة على الحرم الرضوي عن طريق هذا الشخص نفسه.
في حدود سنة 490 هـ.ق
*إعادة كتابة سورة الفاتحة في بداية المصحف بقلم وجيه بن طاهر الشحامي
يشير وجود ملاحظات في أواخر سورة الفاتحة إلى كون أحد الفقهاء الشافعيّين في نيشابور يُدعى وجيه بن طاهر الشحّامي (متوفّى 541 ق) قد أعاد كتابة سورة الفاتحة في بداية النسخة.
في حدود الفترة الممتدة بين سنة 500 إلى 520 هـ.ق
*وقف المصحف على حرم الإمام الرضا (ع)
في ضمن جزأيْن منفصليْن مجزامن خلال متن وقفيّة المصحف التي جاءت في بداية النسخة رقم 18 وتكرّرت مجدّدًا في نهاية سورة الكهف بخطّ الواقف، نفهم أنّه تمّ وقف هذا المصحف في أواخر القرن الخامس أو أوائل القرن السادس للهجرة على حرم الإمام الرضا (ع) في ضمن جزأيْن منفصليْن.
الفترة الممتدة بين 996 -1006 هـ.ق
*احتلال الأوزبك لمدينة مشهد (اختفاء أوراق ونسخ قرآنيّة مهمّة)
تعرّضت خراسان ومدينة مشهد في الحقبة الصفويّة لحملات وهجمات متكرّرة من قبل حكّام الأوزبك في مروْ، حيث تعرّضت مدينة مشهد للحصار والاحتلال في بعض هذه الحملات. ويغلب الظنّ أنّ بعض المسؤولين عن الحرم الرضوي قاموا بتخبئة قسم من الأغراض الثمينة في جدران الحرم بهدف حمايتها من السرقة والضياع.
في حدود سنة 1250 هـ.ق
*ترميم القسم الأوّل من المصحف (النسخة رقم 18)
وصلنا القسم الأوّل من مصحف المشهد الرضوي بجلده القديم والأصليّ الراجع إلى زمان الوقف، ولكن نظرًا إلى الضرر الذي لحق بأطراف الأوراق، فقد غُطّيت أوراق هذه النسخة في العصر القاجاري بشرائط ورقيّة ومادّة لاصقة طبيعيّة وتمّ ترميمها.
١٣٨٩ هـ.ق
*اكتشاف أوراق قرآنيّة مخبّئة في حائط أطراف الضريح المطهّر ( ومن جملتها النسخة 4116)
كثير من الآثار الإسلاميّة القيّمة ومن جملتها العديد من الأوراق القرآنيّة كانت قد خُبّأت في القرون الماضية خلف الجدران المحاذية للضريح المشرّف، وقد تمّ اكتشافها عام ١٣٨٩ هـ.ق أثناء عمليّة تجديد الضريح وتوسعته.
١٤٣٢ هـ.ق
*ترميم القسم الثاني للمصحف (النسخة رقم 4116)
في عام ١٤٣٢ هـ.ق قام السيّد حسن أحسن في قسم الترميم لمكتبة العتبة الرضويّة بترميم وتجليد مجموعة الأوراق المتناثرة المرتبطة بالقسم الثاني من مصحف المشهد الرضوي والتي أُعيد اكتشافها شيئًا فشيئًا في أنحاء مختلفة من الحرم.
١٤٣٥-١٤٣٧ هـ.ق
*اكتشاف أهميّة ومكانة مصحف المشهد الرضوي الموجود في مكتبة العتبة الرضويّة
في أثناء الدراسات التي كان يقوم بها مرتضى كريمي نيا حول النسخ القرآنيّة القديمة في المتاحف والمكاتب الإيرانيّة، قام ولأوّل مرّة عام ١٤٣٥ هـ.ق بتشخيص القسم الأوّل من مصحف المشهد الرضوي (النسخة رقم 18) بوصفها القرآن الوحيد المكتوب بالخطّ الحجازي القديم في إيران، وفيما بعد عثر على القسم الثاني من هذا المصحف "النسخة رقم 4116" في المكتبة نفسها، وبعد جمع النسختين وووصلهما أطلق على مجموعها اسم "مصحف المشهد الرضوي".
٤٣٧- ١٤٤٢ هـ.ق
*تحقيق متن النسختيْن المرقّمتيْن 18 و4116 (المتن الكامل للمصحف)
تقرّر من قبل مكتبة العتبة الرضويّة إسناد العمل التحقيقي ونشر مصحف المشهد الرضوي في قالب نفيس مرفقًا بمقدّمة تفصيليّة إلى مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث. وقد تمّ الانتهاء من إعادة كتابة المصحف بأكمله وتحقيق المتن صفحة صفحة في عام ١٤٤٢ هـ.ق، وخلال هذه السنوات عُرضت نتائج هذا العمل ومعلومات حول هذا الأثر التاريخي المهمّ في بعض المقالات والمؤتمرات العلميّة التي انعقدت في الخارج.
١٤٤٣- ١٤٤٤ هـ.ق
*طباعة ونشر مصحف طبق الأصل
استغرقت عمليّة نشر مصحف المشهد الرضوي في قالب نسخة طبق الأصل تحتوي على صور عالية الجودة لكلتا النسختيْن، بالإضافة إلى إدخال الصور والتصميم الجرافيكي وترقيم الصفحات والطباعة والتجليد والتغليف وكتابة المقدّمة فترةً امتدّت من شهر محرم لعام ١٤٤٣ هـ.ق حتّى شهر صفر لعام ١٤٤٥ هـ.ق.
المصدر: موقع مصحف المشهد الرضوي