printlogo


printlogo


کلمة رئیس التحریر
إمامٌ في مهد العبقرية

في خضم الأحداث المتلاطمة التي شهدها التاريخ الإسلامي، تبرز شخصية فذة جمعت بين عبقرية الطفولة وحكمة القيادة - إنه الإمام محمد الجواد(ع)، التاسع من أئمة أهل البيت الأطهار.
عندما نتأمل في سيرة هذا الإمام العظيم، نجد أنفسنا أمام معجزة إلهية تجلت في طفل تولى الإمامة وهو ابن سبع سنين، ليثبت للعالم أن الحكمة والعلم لا تقاس بالسنين، وأن العبقرية لا تنتظر اكتمال العمر. فكان(ع) كالقمر في ليلة بدره، يشع نوراً وعلماً وحكمة.
لقد واجه الإمام الجواد(ع) تحديات جسيمة منذ توليه الإمامة. فمن جهة، كان عليه أن يواجه التشكيك في أهليته للإمامة بسبب صغر سنه، ومن جهة أخرى، كان عليه أن يتعامل مع سلطة سياسية ماكرة تمثلت في المأمون العباسي الذي حاول احتواءه واختباره. لكنه(ع) أثبت في كل موقف أنه الامتداد الطبيعي لسلسلة النور المحمدي، وأنه وارث علوم النبوة بجدارة.
في مناظراته العلمية، كان الإمام(ع) يذهل العلماء والفقهاء بغزارة علمه ودقة استنباطاته. فعندما ناظر يحيى بن أكثم، قاضي القضاة آنذاك، في مسألة فقهية معقدة، أظهر من العلم والحكمة ما جعل الحاضرين يدركون أن هذا العلم ليس علماً مكتسباً، بل هو فيض إلهي ونور رباني.
إن قراءة سيرة الإمام الجواد(ع) اليوم تقدم لنا دروساً عميقة في القيادة والحكمة والصبر. فقد استطاع خلال فترة إمامته القصيرة - التي امتدت سبعة عشر عاماً - أن يؤسس مدرسة فكرية متكاملة، وأن يربي جيلاً من العلماء والفقهاء، وأن يحفظ تراث جده المصطفى(ص) في ظروف سياسية بالغة التعقيد.
وختاماً، إن في سيرة الإمام الجواد(ع) رسالة لكل الأجيال مفادها أن العطاء لا يعرف العمر، وأن النبوغ لا يحده الزمن، وأن الحكمة قد تتجلى في قلب صغير يحمل روحاً كبيرة. فهل لنا أن نستلهم من سيرته العطرة ما يضيء دربنا في عصر تتصارع فيه الأفكار وتتشابك فيه التحديات؟
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لاقتفاء أثر هذا الإمام العظيم، وأن يجعلنا من المتمسكين بنهجه القويم.