مقالة
خصائص مدرسة العلامة العسکري
الجزء الثاني والأخیر
السید سامي البدري
*صدى بحوث العلامة العسكري :
وقد استقبلت بحوثه التي ترتبط بعد الله بن سبا وخمسون ومأة صحابي مختلق في الوسط العلمي الشيعي والسني على السواء .
قال استاذ الفقهاء آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي في موسوعته معجم رجال الحديث في ترجمة عبد الله بن سبأ : “ان اسطورة عبد الله بن سبأ وقصص مشاغباته الهائلة موضوعة مختلقة اختلقها سيف بن عمر الوضاع الكذاب ولا يسعنا المقام الاطالة في ذلك والتدليل عليه وقد اغنانا العلامة الجليل والباحث المحقق السيد مرتضى العسكري في ما قدم من دراسات عميقة دقيقة عن هذه القصص الخرافية وعن سيف وموضوعاته في مجلدين ضخمين طبعا باسم عبد الله بن سبأ وفي كتابه الاخر خمسون ومأة صحابي مختلق)”.
وقال المرحوم محمد جواد مغنية : (لا اغالي اذا قلت انه (أي كتاب عبد الله بن سبأ) هو الكتاب العربي الوحيد الذي بحث التاريخ على اساس العلم وتعمق فيه هذا التعمق وايضا لست مبالغا اذا قلت ان المؤلف قد ادى الى الدين والعلم وبخاصة الى مبدأ التشيع خدمة لا يعادلها أي عمل في هذا العصر الذي كثرت فيه التهجمات والافتراءات على الشيعة والتشيع بل قد ادى خدمة جلى للاسلام وجميع المسلمين لانه اقفل الباب في وجوه السماسرة والدساسين الذين يتشبثون بالطحلب لتمزيق وحدة المسلمين واضعاف قوتهم …).
وكتب الاستاذ جعفر الخليلي يعرف بكتاب خمسون ومأة صحابي مختلق قال : ” صحيح ان عددا من المحققين القدماء قد التفت الى شخصية ابن سبأ الوهمية ووضع سيف بن عمر الاخبار على لسانها وان من المتاخرين الذين اشاروا الى وهمية وجود ابن سبأ كان عميد الادب العربي الدكتور طه حسين ولكن لم يتصد احد من المتقدمين ولا من المتاخرين للتغلغل في سيرة هذا الرجل الوضاع اعني به سيف بن عمر الذي يخلق الاشخاص ويضع على السنتهم الاحاديث وينسب لهم الاشعار حسب ميوله واهوائه واهدافه التي ينشدها على الرغم ما اتصف به من الكذب والاختلاق والزندقة فكان السيد العسكري اول باحث تتبع اخبار ابن سبأ ووضع امام القراء كيفية اختلاق سيف بن عمر لها حتى حسبها الناس (الذين ليس لهم بالتحقيق والتدقيق صلة او بعض صلة) انها حقائق ناصعة لا تقبل التشكيك … هذا كتاب فتح لنا بابا جديدا في عالم التحقيق والتمحيص وهو اول نهج من نوعه في تقليب صفحات التاريخ وتمحيصها وغربلة الروايات بطريقة علمية بعيدة عن الاهواء والميول والعواطف الامر الذي يستدعي تسطير الاعجاب كل الاعجاب الى سماحة مؤلفه العالم الكبير السيد مرتضى العسكري …).
وقال الدكتور حامد حفني داود المصري مقدما الطبعة المصرية للكتاب : ” لعل اعظم هذه الاخطاء التاريخية التي افلتت من زمام الباحثين وغم عليهم امرها فلم يفقهوها ويفطنوا اليها حين لفقوا عليهم قصة عبد الله بن سبأ فيما لفقوهن من قصص اشرت الى بعضها في مؤلفاتي وزعموا ان كل خرافة او اسطورة او اكذوبة جاءت من فجر التاريخ الاسلامي كانت من نسج خيال علماء الشيعة … وها هو البحاثة الجليل مرتضى العسكري يسجل لنا في كتابه عبد الله بن سبأ ان هذه الشخصية لم تخرج عن كونها شخصية خرافية … قيض الله للتاريخ جهابذة محققين لا يخشون في الله وفي الحق لومة لائم كان الاستاذ المؤلف في الطليعة منهم حين استطاع ان يحمل الباحثين على اعادة النظر فيما جاء به ابو جعفر الطبري في كتابه تاريخ الامم والملوك وان يحملهم على النقد التاريخي لكل ما جاء به في الكتاب وغيره من امهات كتب التاريخ بعد ان كان هؤلاء ينظرون الى الاحداث التاريخية نظرتهم الى المقدسات التي لا تقبل التغيير والتبديل “… القاهرة 12اوكتوبر 1961).
وقال المستشرق البريطاني جمس رابسون في كتابه الى العلامة العسكري يعلق على مؤلفيه عبد الله بن سبأ الجزء الاول ، وكتاب خمسون ومأة صحابي مختلق الجزء الاول ايضا : قال : كتبت لكم في حينه اني كبير السن ولا اتمتع بصحة تامة ولهذا فاني بحاجة الى وقت طويل لدراسة الكتابين وقد اخذا مني وقتا اطول مما كنت احسب ، لكني قرأتهما مرتين برغبة شديدة واشعر الان انه يجب علي ان اكتب بشئ من التفصيل لاعبِّر عن اعجابي بالمنهج المتبع ودقة التحقيق المشهودين فيهما …كشف البحث ان سيفا غالبا ما نقل عن رجال رواة مجهولين ويبعث على التساؤل بان غير سيف من نقلة الاخبار لماذا لم ينقلوا من احد من اولئك المجهولين ويدل على ان سيفا قد اختلقهم وهذا الاتهام الجاد منطقي بمقارنة روايات سيف بروايات غيره …. وما اراه ان دراسات بعض المستشرقين بنت على اخبار سيف نظير القول بان عددا ضخما من الناس قتلوا في الحروب الاسلامية الاولى … هذه دراسة عميقة جدا مع قدرة فائقة على الملاحظة والنقد .
انا شاكر جدا لامتلاكي الفرصة لصرف الوقت الكثير على دراسة البراهين التي اعجبتني واقنعنتي تماما وانا متأكد من كل من يدرس هذين الكتابين بذهنية متفتحة سوف يقدر بطيب نفس قوة البراهين حق قدرها … 1/7/1974).
اقول : وفي اواخر التسعينات اثارت هذه البحوث ردود فعل واسعة في صحف المملكة العربية السعودية وذلك حين ظهر الدكتور عبد العزيز الهلابي وتبنى منهج العلامة العسكري في الدراسات التاريخية وكتب عن عبد الله بن سبأ وتأثر به تلميذه النابه الاستاذ حسن فرحان المالكي وناقش الاطروحات الجامعية التي حاولت رد اعتبار روايات سيف بن عمر وبخاصة اطروحة سليمان العودة وغيره ولاول مرة ينفتح المثقفون والاكاديميون في المملكة العربية السعودية على ابحاث من هذا القبيل وقد جمع اغلبها وصدر تحت عنوان ” اراء واصداء حول عبد الله بن سبأ في الصحف السعودية” انتشارات كلية اصول الدين سنة 2000 ميلادية .
قال الدكتور سليمان العودة وقد كانت رسالته في الماجستير عن شخصية عبد الله بن سبأ وهو من القائلين بوجوده ومتحمس جداً لتثبيت ما رواه سيف بن عمر بشأنه . قال: « ان في هذا الرأي /أي القول بأسطورية عبد الله بن سبأ/ نسف لكتب بأكملها تعد من مفردات كتب التراث ويعتمد عليها في النقل والتوثيق من قرون متطاولة فكتاب منها ج السنة مثلا لشيخ الإسلام ابن تيمية ينطلق من اعتبار عبد الله بن سبأ اصل الرافضة فهو أول من قال بالوصية والرجعة وغيرها من معتقدات ، وإنكار هذه الشخصية أو التشكيك فيها تشكيك في الكتاب كله ونسف من أصوله ، بل ربما تجاوز الأمر إلى التشكيك في أصول الرافضة وتاريخ نشأتهم ».
ومراده من عبارته الأخيرة ان التشكيك بعبد الله بن سبأ معناه التشكيك بالقول المعروف لديهم ان اصل الرافضة ونشأتهم إنما كان على يد ابن سبأ، هذا القول الذي تبناه ابن تيمية تـ 728 ومن قبله أبو علي الجبائي تـ 303 شيخ المعتزلة ومن بعد ابن تيمية من اخذ بقوله في اصل التشيع وهم كثير في عصرنا ومنهم الدكتور سليمان العودة المذكور آنفاً قال في رسالة الماجستير « ان عبد الله بن سبأ اصل التشيع ».
وليس من شك ان نسف هذا القول عند هؤلاء وغيرهم سيؤدي بهم إلى الانفتاح على الأطروحة الصحيحة في نشأة التشيع والقول بالوصية ، وهي الأطروحة المبنية على روايات صحيحة سنداً عند أهل السنة أنفسهم كحديث الثقلين وحديث المنزلة وحديث الكساء وحديث الدار وغيرها .
وقال الدكتور حسن بن فهد الهويمل وهو في معرض تقييم نتائج كتابات الدكتور الهلابي والأستاذ حسن المالكي حول عبد الله بن سبأ حيث ذهب الأول إلى نفي وجوده ودوره في أحداث الثورة على عثمان وذهب الثاني الى نفي دوره في احداث الثورة على عثمان: « ومع قراءتي لما كتبا ووقوفي على الجهد المبذول في التقصي إلا انني لا اطمئن لما ذهبا إليه ولا ارتاح له لان في نسف هذه الشخصية (أي شخصية عبد الله بن سبأ) نسف لأشياء كبيرة وتفريغ لكتب تراثية لكبار العلماء من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن حجر والذهبي وغيرهما فابن سبا أو ابن السوداء يشكل مذهبا عقديا ويشكل مواقف أخرى لو تداعت لكنا أمام زلزلة تمس بنايات كثيرة».
اما كتابه القرآن وروايات المدرستين بمجلداته الثلاثة فلا يزال غير معروف بسبب بحوثه التفصيلية المتتخصصة وعدم طباعته في البلاد العربية ومن ثم عدم انتشاره في الاوساط الاسلامية العامة ومن المؤكد سوف يثير جدلا نافعا حين تنتشر بحوثه .
المصدر: مؤسسة تراث النجف الحضاري والدیني