printlogo


printlogo


حوار
حول الانتظار والمجتمع

 أجرت مجلة الآفاق الأسبوعية حواراً مع الأستاذ محمد صادق کفیل؛ أحد الخبراء في مجال المهدوية، وفيما يلي نص الحوار:
 
 الآفاق: ما هو مفهوم الانتظار؟ وكيف يمكن أن يكون الانتظار باعثًا على التحفيز سواءً للفرد أو للمجتمع؟
الأستاذ كفيل: في موضوع المهدوية، عندما نترجم الانتظار، فإن معناه هو التطلع والترقّب. ولكن، الترقّب لمن؟ الانتظار في المهدوية يعني التطلع والترقّب لظهور الإمام المهدي(عج). وعادةً ما يكون الترقّب مصحوبًا بالقلق، وقد يبعث طاقة سلبية في النفس. ولكن يجب أن نقول للمنتظِر في المهدوية: أنت مؤثّر في النتيجة!
عندما تنتظر القطار، أو تترقّب موعد إقلاع الطائرة، أو تنتظر قدوم الأستاذ، فإنك في الحقيقة لا تملك أي تأثير في النتيجة؛ فسواءً انتظرت أم لم تنتظر، فإن القطار سينطلق في موعده، والطائرة لن تقلع قبل الإعلان المحدد.
أما في ظهور الإمام صاحب الزمان(عج)، فإن الانتظار نفسه هو الذي يُحدث الظهور! لماذا لم يتحقق الفرج حتى الآن؟ لأننا لم نكن حقًّا منتظرين بالمعنى الفعلي. وهذا بحد ذاته يخلق الأمل، ويدفع للحركة، ويحفّز على السعي والعمل. ينبغي لكل فرد، عندما يستيقظ في الصباح، أن يردّد في قلبه: "فرج الإمام العصر(عج) بيدي، أنا من يصنع الظهور، أنا من يمهّد لقدوم منقذ البشرية." هذا هو الانتظار الحقيقي. انتظارٌ يصنع الأمل، ويحرّك الإنسان نحو المستقبل.
الآفاق: لقد اعتبرتم الانتظار، وبحقّ، عاملًا للحركة. وسؤالي هو: هل الانتظار فعلٌ أم انفعال؟ سواء كان عاملًا للحركة أم لا؟
 
الأستاذ كفیل: خلال فترة الغيبة، لم يكن هناك قِلّة من المنتظرين، لكن الكثير منهم اعتبروا الانتظار مجرّد حالة شعورية. غير أنّ الإمام الخميني(قد) وضّح لنا أن الانتظار لا يعني اللامبالاة، ولا يعني العزلة. لقد فسّر لنا حديث الإمام الصادق(ع): "المُنتظرُ لأمرِنا كالمُجاهدِ في سبيلِ الله" أي أنّ المنتظِر الحقيقي هو بعينه مجاهدٌ في سبيل الله. الإمام الخميني(قد) قال: "تعالوا لنفعل في زمن الغيبة كل ما سيفعله الإمام المهدي عند ظهوره". هذه هي نظرية الانتظار! هذا العالِم الربّاني علّمنا المعنى الحقيقي للانتظار، حيث الثورة الإسلامية في إيران تجسيدٌ عمليٌّ لهذا المفهوم. أيّ شخص، أينما كان في العالم، يجب أن ينظر إلى الانتظار بهذه الرؤية:  "الظهور بيدي، الفرج بيدي!"
على كل فرد أن يعمل بما يستطيع، ليطبّق ما سيقيمه الإمام في زمان ظهوره. فنحن نقول إن الإمام المهدي(عج) "سيملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئت ظلمًا وجورًا"، إذن: أين يمكنني أن أُقيم العدل بحسب استطاعتي؟ في بيتي؟ في مدينتي؟ يجب علينا أن نُقيم العدل قدر استطاعتنا. كما قال الله تعالى في سورة النور: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ". ثمّ بعد أن يصف ملامح هذه الحكومة، يقول: "يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا". الظهور يعني رفعة كلمة التوحيد، يعني تحقيق العبودية الحقيقية لله. لذلك، يجب أن نخطو نحو بناء مجتمع توحيدي.
حين يسألني أحد: لماذا أصبحتَ طالب حوزوي؟ لماذا التحقتَ بالحوزة في هذا البلد أو ذاك؟ لماذا تقوم بهذا العمل؟ أجيبه: "لأنني أريد بناء مجتمع توحيدي!" إنها مسؤولية، وليست مجرّد قضية شخصية بأن أصبح موحّدًا وحدي، أو أن أكون عبدًا صالحًا وحدي، أو أن أكون إنسانًا جيدًا وحدي. الانتظار يعني بناء مجتمع توحيدي، أن أسعى لجعل الجميع موحّدين. هذا هو الفهم الدقيق للمهدوية. عندما يأتي الإمام، سيوقظ المجتمع؛ إذن علينا أن نبذل جهدنا لإيقاظ المجتمع حتى يتحقّق الظهور!
 
الآفاق: لقد قمتم بتوضيح مفهوم الانتظار وتأثيره في حياة الفرد بشكلٍ واضحٍ وجليّ. وسؤالي الآن هو: هل تمتلك "مجتمع المنتظرين" هويةً مستقلة عن هوية الأفراد؟ وإن لم تكن هناك هوية منفصلة للمجتمع عن الأفراد، فما الفرق بين "مجتمع المنتظرين" و"المجتمع تحت حُكم الإمام(عج)" إذا كان المنتظرون نفّذوا كل ما سینفذه الإمام(عج)؟ وما هي الفائدة من حضور الإمام(عج) في هذا المجتمع؟
 
الأستاذ كفيل: إذا أصبح المجتمع بأكمله منتظِرًا حقيقيًّا، فحينها سيحدث الظهور. وإذا أصبح العالم كله في حالة انتظارٍ حقيقيّ، فسيُكتب للظهور أن يتحقق. نحن مكلّفون بتهيئة الأرضية المناسبة للظهور. بالطبع، لا يمكننا إقامة العدل الشامل في العالم بمفردنا، لأن الحكومة العادلة الحقيقية لها ثلاثة شروط أساسية:
1.            أن يكون الحاكم معصومًا.
2.            أن يكون القانون إسلاميًّا بالكامل.
3.            أن يكون المُنفّذ عادلًا.
وبالتالي، علينا أن نخطو نحو تحقيق هذه الأهداف الثلاثة:
•              كلّما استطعنا تقريب الحاكم من العصمة.
•              كلّما استطعنا تقريب القوانين من الإسلام.
•              كلّما استطعنا اختيار مُنفّذين أكثر عدلًا.
إذا تحققت هذه الأمور في أي مجتمع، فإن ذلك المجتمع يصبح "مجتمعًا مهدويًّا".
ثلاثة معايير للمجتمع المهدويّ قد ذکرت في دعاء الافتتاح. دعاء الافتتاح، الذي ورد عن الإمام(عج)، يُحدّد ثلاثة معايير أساسية للمجتمع المهدويّ:
1.            الشكاية الاجتماعية: (اللهم إنا نشكو إليك فقد نبيّنا...) أي أن يكون المجتمع واعيًا للغياب والشعور بالحاجة إلى الإمام.
2.            الرغبة الاجتماعية: (إنا نرغب إليك في دولة كريمة...)  أي أن يكون هناك توق شديد لإقامة الحكومة الإلهية العادلة.
3.            الاستعانة الاجتماعية: (وأعِنّا على ذلك بفتحٍ منك تعجّله...) أي أن يسعى المجتمع بأسره لتحقيق هذا الهدف، مع الاستعانة بالله.
خطوتان أساسيّتان لتحقيق المجتمع المهدويّ حتى ينجح المنتظِرون في إحياء هذه المعايير وتحقيق المجتمع المهدويّ، عليهم اتخاذ خطوتين رئيسيّتين: الأول، تبيين عصر الغَيبة للناس، الأئمة المعصومون(ع) أكدوا مرارًا وتكرارًا أن الحياة في عصر الغَيبة صعبة، ولذلك يجب أن يدرك الناس طبيعة هذا الزمن وتحدياته. الثاني، تبيين عصر الظهور وتعريف الناس به، رواياتنا، آياتنا، وأدعيتنا، كلها تصِف عالم ما بعد الظهور بشكل بديع. لننظر إلى دعاء الافتتاح، دعاء العهد، خاصةً في ختامه: " وَاعْمر اللَّهُمَّ بِهِ بِلَادَكَ، وَأَحْيِ بِهِ عِبَادَكَ"  كلّها فقرات تُبين ملامح العالم بعد الظهور. عندما يقرأ شخصٌ هذه الأدعية تنمو في قلبه محبة الظهور، ويشتدّ شوقه له، وعندها يطلب الظهور بصدقٍ من الله. إذن، إذا أُحييت هذه الثلاثة معايير في المجتمع، فإن الظهور سيحدث.
 
الآفاق: سؤالي التالي يتعلق بالعلاقة بين المجتمع ومفهوم الانتظار. ما هي مسؤولية الفرد المسلم داخل مجتمع المسلمين؟ وهل يجب عليه أن يجعل الآخرين منتظرين مثله؟
 
الأستاذ كفيل: نعم، من الواجب على المسلمين أن يدعوا الآخرين إلى المهدوية. الدعوة إلى المهدوية هي أمرٌ بالمعروف، وهي امتدادٌ لمسار الأئمة(ع). أعظم معروفٍ يمكن الدعوة إليه هو الإيمان بالولاية والإمامة. الإمام المهدي(عج) نفسه بيّن لنا سبب تأخّر الظهور، حيث قال: "وَلَوْ أَنَّ شِيعَتَنَا وَفَّقَهُمُ اللَّهُ لِطَاعَتِهِ عَلَى اجْتِمَاعٍ مِن الْقُلُوب، لَمَا تَأَخَّرَ عَنْهُمُ الْيَوْم بلقَاؤنَا." أي أن عدم وحدة القلوب هو السبب في تأخّر الظهور. وحدة القلوب هي مفتاح الظهور. في التعاليم الدينية، على الناس أن يعيشوا وفق هذا الشعار: "مُحِبٌّ لِمَنْ وَالاكُمْ، مُحِبٌّ لِمَنْ أَحَبَّكُمْ، سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ."
كلّما زاد حبّنا لبعضنا البعض، واقتربنا من بعضنا البعض، اقتربنا من الظهور. الإمام(عج) هو موحّد الشتات، ورافع الصلاح، وباعث الرضا. الإمام سيأتي لإزالة الأحقاد من القلوب، كما قال الله تعالى عن أهل الجنة: "وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ"  (الأعراف: 43)
خدمة المؤمنين في زمن الغَيبة أحبّ إلى الإمام من خدمته مباشرة. يجب أن ندرك أنّ أعظم خدمةٍ يمكننا تقديمها في عصر الغَيبة هي خدمة المؤمنين، لأن الإمام المهدي(عج) يعتبرنا أبناءه. كما أن كلّ أبٍ يحبّ أن يرى أبناءه متحابّين ومتآلفين أكثر مما يريد أن يوجّهوا كل اهتمامهم إليه وحده، فإنّ الإمام المهدي(عج) يحبّ أن يرى شيعته في وحدةٍ وانسجامٍ فيما بينهم. لذلك، على كل فردٍ في المجتمع أن يسعى لجعل الآخرين "منتظرين حقيقيّين"، لأن اجتماع القلوب ووحدة الأمة هي الطريق الأقرب لتحقيق الظهور.
 
الآفاق: قد يتبادر إلى الذهن سؤالٌ مهم: هل من الممكن تحقيق الوحدة والتآلف في المجتمعات المعاصرة، بينما هذه المجتمعات لا تتكوّن فقط من الشيعة، بل يعيش فيها غير الشيعة أيضًا؟
 
الأستاذ كفيل: نحن غالبًا ما نتصور أن شرط الظهور هو أن يتبع الجميع الحجاب أو الصلاة، ثم نلاحظ أن الحجاب والصلاة لا يحظيان بالأهمية في بعض الأماكن في العالم، فنعتقد أن الظهور بعيد. ولكن شرط الظهور ليس هذه الأمور، بل شرط الظهور هو السعي من أجل العدالة، وهو مكافحة الظلم. إذا رأينا الظلم يُمارس ضد الفلسطينيين، ورأينا الناس في أوروبا وأمريكا يتظاهرون ضد الظلم، فهذا يعني أن الأرض مهيّئة للظهور. إن العالم أصبح يسير نحو العدالة، وأصبح العالم يقاوم الظلم. لذلك، لا نعتقد أن الظهور بعيد جدًا، لأن العالم في طريقه نحو العدالة، وبالتالي نحن نقترب أكثر من الظهور.
الآفاق: أريد أن أطرح سؤالي حول مفهوم الانتظار والمجتمع العالمي. لقد قلتم أنه يمكن للإنسان أن يكون منتظرًا دون أن يكون شيعيًّا، ويمكنه أن يكون منتظرًا دون أن يكون مسلمًا. ما هو العنصر الأساسي في الانتظار الذي يجعل أي شخص، مهما كان دينه، قادرًا على أن يكون منتظرًا؟
 
الأستاذ كفيل: جميع البشر الذين يتنفسون، هم منتظرون لمستقبلٍ مشرق. ففي الكتب السماوية تمت الإشارة إلى المهدوية. على سبيل المثال، مصطلح "ابن الإنسان" ورد في الإنجيل ثمانين مرة، منها خمسون مرة تشير إلى الموعود المنتظر. وفي العهد القديم أيضًا تم الإشارة إلى الموعود. أما بالنسبة للديانات الأخرى، فإن الزرادشتية تؤمن بـ سوشيانس، والديانة البوذية تؤمن بـ البوذا الخامس. إذن، معظم الأديان تنتظر موعودها الخاص. وحتى أولئك الذين لا ينتظرون موعودًا معينًا، فهم ينتظرون مستقبلًا مشرقًا. إذاً، العالم كله في حالة انتظار لحدوث مستقبلٍ مشرق. وبالتالي، الانتظار هو قضية عالمية يمكن من خلالها إجراء حوار مع جميع شعوب العالم. المهدوية يمكن أن تكون عاملًا لتوحيد جميع الناس في العالم.
 
الآفاق: قد يؤدي انتشار مفهوم الانتظار إلى بعض الأضرار. فقد شهدنا في التاريخ محاولات متعددة من أشخاص حاولوا أن يقدموا أنفسهم كالمهدي المنتظر. كيف يمكننا تجنب هذه الأضرار؟ وكيف نكون محصنين من الادعاءات الكاذبة؟
 
الأستاذ كفيل: لقد كان هناك مدّعُون بالإمامة في عصور الأئمة، لكن هؤلاء المدّعين لم يحظوا أبدًا بتأييد أغلبية المجتمع. أنا أؤمن أن من يحمل روح العدالة والمقاومة ضد الظلم لن يقع أبدًا في فخ المدّعين. اليهود كانوا يعرفون النبي(ص) أفضل من غيرهم، لكنهم كانوا أشد الناس عداوة له. إذن، العلم بالعلامات وحده لا يضمن الهداية، بل العدالة ومقاومة الظلم هما اللتان تقوداننا إلى الإمام الحقيقي.
 
الآفاق: في عصرنا الحديث، أصبح الإعلام في أيدي الأعداء للإسلام. كيف يمكننا الانتصار في هذه الحرب غير المتكافئة، وكيف يمكننا نقل صوت العدالة إلى جميع أنحاء العالم؟
 
الأستاذ كفيل: في حرب غزة، كان الإعلام بالكامل في يد إسرائيل و أمريكا. لكن لماذا تظاهر الناس في جميع أنحاء العالم ضد إسرائيل؟ بمعنى آخر، لم يتبع الناس بالكامل التوجه الإعلامي. يجب أن نعلم أنه في زمن الغيبة، هناك مماثلة بين المنتظِر و المنتظَر. يجب أن يكون المجتمع مساندًا للدين. إذا كان المجتمع داعمًا للدين، فإن صوته سيصل إلى العالم.
 
الآفاق: السؤال الأخير هو: لقد قلتم أن مقياس الانتظار هو السعي للعدالة، ولكن هل يوجد إنسان في هذا العالم يحب الظلم؟ لا أحد في هذا العالم سعيد عندما يُظلَم.
 
الأستاذ كفيل: محبة العدالة شيء، و السعي لإحيائها شيء آخر. نحن جميعًا نحب الخير والعدالة، ولكن هل نقوم بالعمل من أجل تحقيقها؟ مشكلتنا في عالم اليوم هو أن الناس لا يفهمون العدالة بشكل صحيح أو أنهم لا يرون بعض الأمور ظلمًا. لذلك، يجب أن نفهم العدالة أولاً، ثم نبدأ التحرك نحو تحقيقها. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.