printlogo


printlogo


مقالة
في ذكرى ميلاده (ع).. العباس؛ إقدام ووفاء وصلابة موقف

كان العباس (ع) خلاصة عليّ والحسن والحسين (ع)، في معنى الوعي والروحانية، وفي حركة العلم وثبات الموقف وصلابة الإيمان ونفاذ البصيرة، كان ذلك كله، ولم يكن مجرد مجاهد نذكره في جهاده - جاهد مع أبي عبد الله الحسين (ع)-وأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيداً"، ويقول الإمام زين العابدين (ع):"رحم الله العباس، فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه".
 
ان اليوم الرابع من شعبان المبارك يحمل ذكرى عزيزة على قلب كل انسان حر شريف عاشق للوفاء والتضحية والاخلاص والصلابة، ألا وهي ذكرى ولادة بطل كربلاء، بطل بني هاشم، العباس بن عليّ (ع)، هذا البطل الإسلامي الكبير الذي لم يتجسد إقدامه في موقعة كربلاء فحسب، بل في علمه ووعيه وثباته وروحانيته أيضاً، وقد جاء عن الإمام جعفر الصادق (ع) وهو يتحدث عن العباس أنه قال: "كان عمنا العباس نافذ البصيرة - كان يتميّز ببصيرة تجعله ينفذ إلى الأمور وينفتح على القضايا كلها، ليرتبط بالحق من خلالها.
ففي مثل هذا اليوم المبارك سنة (26 ) للهجرة ازدهرت المدينة المنورة واشرقت الدينا بمولد "ابي الفضل العباس" بن الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام، وبمولده أضاف إلى الهاشميين مجداً خالداً وذكراً نديّاً عاطراً. ونسبه (ع) يرجع الى صميم الأسرة العلوية، التي هي من أجلّ وأشرف الأسر التي عرفتها الإنسانية في جميع أدوارها، تلك الأسرة العريقة في الشرف والمجد، التي أمدّت للعالم الاسلامي بعناصر الفضيلة، والتضحية في سبيل الخير، وما ينفع الناس، وأضاءت الحياة العامة بروح التقوى، والايمان والوفاء والصلابة والتضحية.
أمّا الأب فهو الامام أمير المؤمنين (ع)، وصيّ رسول الله (ص)، وباب مدينة علمه، وهو أول من آمن بالله، وقد تمثلت بهذا الإمام العظيم جميع فضائل الدنيا، فلا يدانيه أحد في فضله وعلمه، وهو - بإجماع المسلمين - أثرى شخصية علمية في مواهبه وعبقرياته بعد الرسول محمد (ص)، وهو غنّي عن البيان والتعريف.
أمّا الأم الجليلة المكرّمة لأبي الفضل العباس (ع) فهي السيدة الزكية فاطمة بنت حزام بن خالد..، وأبوها حزام من أعمدة الشرف في العرب، ومن الشخصيات النابهة في السخاء والشجاعة وقرى الأضياف، وأما أسرتها فهي من أجلّ الأسر العربية، وقد عُرفت بالنجدة والشهامة، و أشتهرت بالنبل والبسالة ومراعاة العهد.
 
وكان أوّل مولود زكيّ للسيّدة أمّ البنين هو سيّدنا أبو الفضل العباس (ع)، وقد إزدهرت يثرب، وأشرقت الدنيا بولادته وسرت موجات من الفرح والسرور بين أفراد الأسرة العلوية، فقد ولد قمرهم المشرق الذي أضاء سماء الدنيا بفضائله ومآثره.
سمّى الإمام أمير المؤمنين (ع) وليده المبارك (بالعباس) وقد استشفّ من وراء الغيب انه سيكون بطلاً من أبطال الاسلام، وسيكون عبوساً في وجه المنكر والباطل، ومنطلق البسمات في وجه الخير، وكان كما تنبّأ فقد كان عبوساً في ميادين الحروب التي أثارتها القوى المعادية لأهل البيت عليهم السلام، فقد دمّر كتائبها وجندل أبطالها، وخيّم الموت على جميع قطعات الجيش في يوم كربلاء، ويقول الشاعر فيه:
عبست وجوه القوم خوف الموت      والعبّاس فيهـم ضاحـك متبسّم
 
ان نفاذ بصيرة العباس (ع)، يوحي إلينا بما كان يتميز به من علم ورأي وشمولية في وعي الواقع كله - صلب الإيمان - كان إيمانه الإيمان الصلب الذي لم تضعفه أو تزلزله كل إغراءات الدنيا وإرهاباتها. وكيف لا يكون كذلك، وهو الذي عاش مع أبيه عليّ (ع) في طفولته وأول شبابه، وعاش مع أخويه الحسنين (ع) كل أجواء العلم والروحانية والسداد، وما يفتح عقول الناس على الحق، وقلوبهم على المحبة، وحياتهم على الخير.
كان العباس (ع) خلاصة عليّ والحسن والحسين (ع)، في معنى الوعي والروحانية، وفي حركة العلم وثبات الموقف وصلابة الإيمان ونفاذ البصيرة، كان ذلك كله، ولم يكن مجرد مجاهد نذكره في جهاده - جاهد مع أبي عبد الله الحسين (ع)-وأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيداً"، ويقول الإمام زين العابدين (ع):"رحم الله العباس، فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه".
وعندما ندرس بعض اللمعات ذات الدلالة في بعض مواقفه في كربلاء، نرى أنه كان في البداية صاحب لواء الحسين (ع)، ونحن نعرف أن اللواء يُعطى للشخصية المميزة في الثبات والشرف والشجاعة.
 
لقد احتلّ أبو الفضل العباس (ع)  قلوب العظماء ومشاعرهم، وصار أنشودة الأحرار في كلّ زمان ومكان، وذلك لما قام به من عظيم التضحية تجاه أخيه سيّد الشهداء، الذي ثار في وجه الظلم والطغيان، وبنى للمسلمين عزّاً شامخاً، ومجداً خالداً. برز أبو الفضل العباس (ع) على مسرح التاريخ الاسلامي كأعظم قائد فذّ لم تعرف له الإنسانية نظيراً في بطولاته النادرة بل ولا في سائر مثله الأخرى التي استوعبت ـ بفخر ـ جميع لغات الأرض. لقد أبدى أبو الفضل يوم الطف من الصمود الهائل، والارادة الصلبة ما يفوق الوصف، فكان برباطة جأشه، وقوّة عزيمته جيشاً لا يقهر فقد أرعب عسكر ابن زياد، وهزمهم نفسيّاً، كما هزمهم في ميادين الحرب.
انّ شجاعة أبي الفضل وعلمه وايمانه وتقواه وسائر مواهبه ومزاياه مما تدعو إلى الاعتزاز والفخر ليس له وللمسلمين فحسب، وإنما لكل إنسان يدين لإنسانيته، ويخضع لقيمها الكريمة. وبالإضافة إلى ما يتمتّع به أبو الفضل العباس (ع)، من البطولات الرائعة فانّه كان مثالاً للصفات الشريفة، والنزعات العظيمة، فقد تجسّدت فيه الشهامة والنبل والوفاء والمواساة، فقد واسى أخاه أبا الاَحرار الاِمام الحسين (ع)، في أيام محنته الكبرى، ففداه بنفسه ووقاه بمهجته، ومن المقطوع به أن تلك المواساة لا يقدر عليها إلاّ من امتحن الله قلبه للاِيمان، وزاده هدى.
ان ابي الفضل العباس (ع) مثَّل في سلوكه مع أخيه الامام الحسين (ع) حقيقة الأخوّة الإسلامية الصادقة، وأبرز جميع قيمها ومثلها، فلم يبق لون من ألوان الأدب، والبرّ والاحسان إلاّ قدّمه له، وكان من أروع ما قام به في ميادين المواساة له، انه حينما استولى على الماء يوم الطفّ تناول منه غرفة ليشرب، وكان قلبه الزاكي كصالية الغضا من شدّة الظمأ، فتذكّر في تلك اللحظات الرهيبة عطش أخيه الاِمام الحسين وعطش الصبية من أهل البيت عليهم السلام، فدفعه شرف النفس، وسموّ الذات إلى رمي الماء من يده، ومواساتهم في هذه المحنة الحازبة.
لقد استشهد أبو الفضل العباس من أجل المبادئ العليا التي رفع شعارها أبو الأحرار أخوه الامام الحسين (ع)، والتي كان من أهمّها أن يقيم حكم القرآن، وينشر العدل بين الناس ويوزّع عليهم خيرات الأرض، فليست هي لقوم دون آخرين.
لقد استشهد أبو الفضل من أجل أن يعيد للانسان المسلم حرّيته وكرامته، وينشر بين الناس رحمة الإسلام، ونعمته الكبرى الهادفة لاستئصال الظلم والجور، وبناء مجتمع لا ظلّ فيه لأي لون من ألوان الفزع، والخوف. لقد حمل أبو الفضل مشعل الحرية والكرامة، وقاد قوافل الشهداء إلى ساحات الشرف، وميادين العزّة، والنصر للشعوب الإسلامية التي كانت ترزح تحت وطأة الظلم والجور. لقد انطلق أبو الفضل إلى ميادين الجهاد من أجل أن ترتفع كلمة الله تعالى عالية في الأرض، تلك الكلمة التي هي منهج كامل للحياة الكريمة بين الناس.
 
فقد أضحت مدرسة العباس بن علي (ع) والذي يصادف اليوم الرابع من شعبان المعظم ذكرى ميلاده المبارك، منهاجاً وضاءاً ومشعلاً منيراً لدرب المضحين والمقاومين والمنتفضين في وجه الطغاة والظالمين والفراعنة والمستكبرين وعملائهم المتعصبين الجلهة وكبح جماحهم ومطامعهم واجرامهم طيلة السنين الماضية وستبقى شوكة في عيونهم مادامت الدنيا قائمة.
لقد كان العباس (ع) رمز البطولة والتضحية والفداء وقدوة النصر والإقدام والنجدة والولاء ومعجزة الامام علي (ع) لنصرة واثبات الحق الحسيني الالهي، ومجمعاً للفضائل، وملاذاً للخصال الحسنة الشمائل وكان ذا قوة روحية هائلة، وطبيعة بنائه الجسدي تخدم قوته المعنوية والروحية.. فامتزجت فيه قوة الروح وقوة الجسد، وأضيفت إليهما النخوة الهاشمية، والشجاعة الحيدرية، والقوة الالهية، والايمان الحسيني، والأخوة الصادقة، والطاعة والولاء، والعزة والكرامة، والحرية والرفعة .. وهو أبن خير القوم وأوله ايماناً وسيد الوصيين وأشجعهم يقيناً وبصيرة وقوة وأفداهم بنفسه عن رسول الله ((ص)) أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب (ع).
السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْفَضْلِ الْعَبَّاسَ ابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ أَوَّلِ الْقَوْمِ إِسْلاماً وَ أَقْدَمِهِمْ إِيمَاناً وَ أَقْوَمِهِمْ بِدِينِ اللَّهِ وَ أَحْوَطِهِمْ عَلَى الْإِسْلامِ أَشْهَدُ لَقَدْ نَصَحْتَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِأَخِيكَ فَنِعْمَ الْأَخُ الْمُوَاسِي.. ورحمة الله وبركاته.
 
المصدر: قناة العالم