آية الله السيد عبدالأعلى السبزواري تبنى في المسائل الفقهية نظرة عرفية متينة ومدروسة، وأكد في مواضع متعددة من كتبه الفقهية أن الفقه يجب أن يُبيَّن بناءً على الفهم العرفي، لأن كلمات الأئمة(ع) في المسائل الفقهية تشير إلى فهم العرف العام، ولذلك لا ينبغي اعتماد دقة تتجاوز هذا الفهم.
ووفقًا لتقرير شبكة الاجتهاد، ألقى حجة الإسلام والمسلمين محمد جواد أرسطا، أستاذ الحوزة العلمية في قم، كلمة بمناسبة ذكرى وفاة آية الله السيد عبدالأعلى السبزواري، تحدث فيها عن السمات العلمية لهذه الشخصية الفقهية الكبيرة، والتي نورد تفصيلها فيما يلي:
المرحوم آية الله السيد عبدالأعلى السبزواري كان من الشخصيات الكبرى المعاصرة، الذين لم يقتصر إسهامهم على الفقه وأصول الفقه، بل كانوا أيضًا من المتخصصين في مجالات أخرى من الدراسات الحوزوية مثل التفسير وعلوم الحديث.
تميز آية الله السبزواري بعدة سمات علمية، من أبرزها:
الارتباط الوثيق بالقرآن والمتون الروائية
من السمات البارزة لآية الله السبزواري ألفته العميقة مع القرآن والنصوص الروائية، حيث ترك تفسيرًا قيمًا باسم "مواهب الرحمن". نُشر منه أربعة عشر مجلدًا، ولا أعلم إن كان قد أتمه في حياته أم لا. لكن ما هو متوفر يعد أثرا قيمًا للغاية، إذ يتناول كل آية من جوانب مختلفة: لغوية وفقهية وكلامية وأخلاقية. كما أنه يشير إلى تفسير الميزان دون ذكر اسم العلامة الطباطبائي، حيث ينقل بعض آرائه وينتقدها إن لزم الأمر. إن أسلوبهفي التفسير رصين وناضج؛ فيعتبر تفسير "مواهب الرحمن" متميزًا وقيمًا بسبب طرحه لآراء جديدة، وشموليته، بالإضافة إلى نظرته تجاه آراء العلامة الطباطبائي(ره) في تفسير الميزان. بالإضافة إلى ألفته مع القرآن، التي استفاد منها في مباحثه الفقهية، كان للسبزواري ألفة كبيرة مع روايات أهل البيت(ع). يُقال إنه قرأ بحار الأنوار - الموسوعة ذات المائة وعشرة مجلدات - بدقة، وتعمق في دراسة الروايات لدرجة أنه كان قادرًا على تحديد المعصوم الذي صدر عنه الحديث بمجرد سماعه، وفقًا لما ذكره ابنه آية الله السيد علي السبزواري. هذه القدرة والفهم، التي نادرًا ما تتوفر لأحد، تدل على الألفة العميقة والكبيرة التي كانت للمرحوم السبزواري مع روايات أهل البيت(ع).
الفقیه العرفي
ميزة أخرى لدى هذا الفقيه الكبير هي فهمه الجيد والعرفي في المسائل الفقهية. فعلى الرغم من أنه قد راعى في كتابه التفسيري وبعض مباحثه الكلامية الدقة العقلية والكلامية، إلا أنه في المباحث الفقهية تبنى نظرة عرفية متينة ومدروسة. وقد صرّح في مواضع عدة من كتابه الفقهي بأن الفقه يجب أن يُبنى على الفهم العرفي، لأن كلمات الأئمة(ع) في المسائل الفقهية ناظرة إلى فهم العرف العام. ولذلك، لا ينبغي في المباحث الفقهية اعتماد دقة تفوق فهم العرف العام كمقياس.
النظرة العقلائية
الميزة الأخرى لدى هذا العالم هي نظرته العقلانية تجاه القضايا الفقهية؛ حيث أحال العديد من القواعد الفقهية التي تناولها في ثنايا المباحث الفقهية لكتابه القيم جدًا "مُهذَّب الأحكام" إلى الفهم العقلائي. ومن الأمثلة على ذلك قاعدة "لا ضرر" و"نفي الحرج" و"التسليط" واعتبار البينة، وحتى قاعدة مثل "التقية"، حيث أعادها إلى الفهم العقلائي، وعلى هذا الأساس استنتج بعض الأمور. صحيح أن الفقهاء الآخرين أيضًا أشاروا إلى أن عددًا كبيرًا من القواعد الفقهية يستند إلى الفهم العقلائي، إلا أن هذا العالم قد تناول هذه المسألة بشكل أوسع وأدق مما ذكره الآخرون. في هذا السياق، لم يقتصر على القواعد الفقهية فقط، بل طبق نفس النهج في استنتاجات فقهية أخرى وأحكام طرحها في كتابه الشريف "مهذَّب الأحكام". بمعنى أنه لم يستخدم هذا الأسلوب فقط في إرجاع القواعد الفقهية إلى الفهم العقلائي، بل طبّق هذه النظرة العقلانية بوضوح في عدد كبير من الأحكام الفقهية أيضًا.
الفقیه الجواهري
ميزة أخرى لهذا الفقيه، حسب ما ورد في سيرته الذاتية، أنه قام بدراسة كتاب "جواهر الكلام" عدة مرات بدقة، وقد تركت هذه الدراسة أثرًا واضحًا في فقهه. فالمرحوم آية الله السبزواري استند في مواضع عديدة من كتابه "مهذب الأحكام" إلى كتاب "جواهر الكلام"، وهذه الاستنادات ذات قيمة كبيرة. حيث استخلص نقاطًا مهمة وفعّالة جدًا من كلمات "صاحب الجواهر"، وهي جديرة بالاهتمام والتقدير.
الفقیه الجامع
ميزة أخرى لهذا الفقيه الجليل هي جهوده القيمة في كتابيه "مهذب الأحكام" و"تهذيب الأصول" في جمع الأقوال المختلفة. فقد أثبت أن تعدد الأقوال في المسائل الفقهية والأصولية يمكن تقليله في كثير من الحالات، بمعنى أنه يمكن من خلال الدقة تقليل عدد الآراء. كان يحاول العثور على النقاط المشتركة بين وجهات النظر المختلفة، ويتجنب تكثير الأقوال دون سبب وجيه.
تجنب التطويل غير المفيد
ميزة أخرى له هي تجنب الإطالة غير المفيدة؛ فنحن نشهد في بعض الكتب الفقهية أحيانًا مناقشة مسألة بشكل مطول دون أن يترتب على تلك المناقشة الطويلة ثمرة علمية ملحوظة أو حتى حاجة لذكر الاحتمالات المختلفة. كان المرحوم آية الله السبزواري يتجنب بشدة إطالة أي نقاش دون سبب أو دون ثمرة علمية أو عملية مهمة. لذلك، يقول بعبارة جميلة إن هناك مباحث يمكن إنجازها بعبارات موجزة، ولكن نرى في بعض الكتب أنها قد طالت دون فائدة.
النقطة الأخيرة التي أود ذكرها عن الخصائص العلمية للمرحوم آية الله السبزواري هي أن كتابه "تهذيب الأصول" هو حقًا كتاب مهذب ومنقح في علم أصول الفقه. لقد اهتم هذا الفقيه العظيم كثيرًا بتناول النقاط التطبيقية لعلم الأصول في هذا الكتاب، وقد طرح فيه - بكل إنصاف - نقاطًا تطبيقية قيمة للغاية، يندر أن نجد مثيلًا لها في الكتب الأخرى. وهذا يمثل جانبًا آخر من قوته العلمية.
التواضع والأخلاق
إلى جانب كل هذه الجوانب العلمية، فإن السمات الأخلاقية البارزة التي تميز بها المرحوم آية الله السبزواري، وخاصة تواضعه وابتعاده عن السعي للشهرة، تحمل أهمية كبيرة. فقد كان هذا الفقيه رجلًا متخلقًا للغاية ومتواضعًا، وكرّس حياته لنشر معارف أهل البيت(ع).
إن أكثر شهرة حصل عليها كانت بعد رحيله، رغم أنه، بفضل مكانته العلمية البارزة، كان بإمكانه أن يظهر بشكل أكبر خلال حياته، لكنه لم يكن يسعى وراء هذه الأمور.
المصدر: اجتهاد