printlogo


printlogo


مقالة / الجزء الثاني والأخیر
مجالس العزاء العلمائية (الهوية والأهداف والنتائج)

 تناول الباحث في هذا العنوان موضوع مجالس العزاء الحسيني التي يكون المحور فيها - بشكل أو بآخر – مراجع الدين أو المجتهدين من علمائنا الأعلام، وقد تكوَّن بحثه من مقدمة وثلاث جهات. وقد بحثنا في الجزء الأول عن الجهة الأولی من الجهات المهمّة الدخيلة في الإجابة والبرهنة على فرضيات البحث، والأن نبدأ بالجهات الأخری:
*الجهة الثانية: أهداف مجالس العزاء العلمائية
من الأُمور المهمّة في هذا البحث هو معرفة الأهداف والدوافع التي دعت هؤلاء العلماء الأعلام إلى أن يُولوا مجالس العزاء الحسيني العناية الفائقة، مع كثرة أشغالهم ووظائفهم التي تفرضها عليهم مكانتهم وزعامتهم الدينية، ولا شكّ في أنّ هناك أهدافاً قد حقّقها علماؤنا من خلال مجالس العزاء الحسيني، التي كان لهم دور كبير في إقامتها، ومن أهمّها:
*1ـ الهدف الديني
يقع في طليعة الأهداف التي دعت علماءنا الأعلام إلى الاهتمام بالمجالس الحسينية -قراءةً وإقامةً ومشاركةً- هي القراءة المتأنّية والمعمّقة للنصوص الشرعية التي دلّت على أنّ هذه الأنماط الثلاثة هي من أفضل العبادات التي تقرّبهم إلى الله(عز وجل)؛ ويمكننا أن نستشف مستندهم الذي بنوا عليه في النمط الأوّل، وهو الروايات الكثيرة الواردة في وقائع كثيرة ومصادر معتبرة ومتعدّدة، تحدّثت عن ثواب: "مَن أنشد في الحسين شعراً». كما أنّهم قد تأسّوا بسيرة الأئمّة الأطهار(ع) حينما كانوا يُقيمون مجالس العزاء في بيوتهم، وهو ما يمثّل النمط الثاني من انطباقات عنوان البحث.
وأمّا ما يخصّ النمط الثالث فمن المؤكّد أنّهم ناظرون إلى الروايات التي حثّت الشيعة على البكاء لمصائبهم، والمشاركة في إحياء ذكرهم وأمرهم، كما ورد عن الإمام الصادق(ع): "إنّ تلك المجالس أُحبّها، فأَحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله مَن أحيا أمرنا"، وقوله(ع): "مَن ذكرنا عنده ففاضت عيناه، ولو مثل جناح الذباب، غفر الله ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البح"، وغيرها من الروايات الكثيرة التي طالما قرأوها ودوّنوها في كتبهم الروائية، بل استدلّوا بها في بحوثهم الفقهية.
وإلى جانب ذلك؛ فقد أوضح الشيخ التستري(قد) سرَّ تعلّقه بالخطابة الحسينية في كتابه: "الخصائص الحسينية"ـ الذي ذكر فيه مجموعة من خصائص الإمام الحسين(ع) ضمن مواضيع دينية مرتّبة تصلح للطرح على المنابر الحسينية ـ قائلاً: "إنّي أمعنت النظر في الوسائل المتعلّقة بالأئمّة(ع)، فرأيت أجلّها فائدة وأعظمها مثوبة وأعمّها نفعاً… ما يتعلّق بسيّد شباب أهل الجنّة، ووالد الأئمّة السيّد المظلوم أبي عبد الله الحسين(ع)…".
*2ـ الهدف الاجتماعي
بما أنّ الإسلام دين الاعتدال والوسطية فمن الطبيعي جدّاً أن يوازن علماؤنا الأعلام في أفعالهم بين الدوافع الأُخروية والدنيوية؛ ولذلك تجد الأهداف الاجتماعية قد جاءت جنباً إلى جنب مع الأهداف والدوافع الأُخروية، وإن كانت متأخّرة عنها رتبةً، وقد وجدنا أنّ هذه الأهداف تتجلّى في نقطتين رئيستين، وهما:
*أـ تشجيع الجمهور على المجالس الحسينية
هذا الهدف والدافع تشترك فيه جميع الانطباقات الثلاثة التي ذكرناها في الجهة الأُولى؛ إذ إنّ الهدف من جميع الأنماط التي أقاموا فيها مجالس العزاء الحسيني، هو تحفيز طلاب العلوم الدينية على التصدّي لمهمّة التبليغ الديني، والتعاطي مع هذا العمل على أساس أنّه من الوظائف المقدّسة والجديرة بالاهتمام.
فحينما ينظر الطلاب إلى فقيه ومرجع ديني كبير من مراجع الطائفة ـ كآية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني ـ وقد ارتقى منبر سيّد الشهداء(ع)، متولّياً هذه المهمّة بنفسه، وحينما يرى الطلاب أنّ الأُستاذ الفقيه والعالم الديني يتجشّم عناء السفر والمخاطر التي تحفُّ به، ويقطع المسافات الطويلة؛ لكي يرتقي المنبر الحسيني في بلد من البلدان البعيدة، فلا شكّ في أنّ هؤلاء الطلاب سوف ترسخ في نفوسهم عظمة المنبر الحسيني، ومحوريته المشهود لها بين وسائل نشر علوم أهل البيت(ع).
وينطبق هذا الكلام بشكل أوضح ومساحة أوسع على الانطباقين الثاني والثالث؛ إذ إنّ حرص العلماء ومراجع الدين على إقامة مجالس العزاء الحسيني في بيوتهم -والسعي إلى المشاركة في حضور مجالس العزاء التي تُقام من قِبل غيرهم- يكون من المحفّزات المؤكّدة التي تشجّع طبقات المجتمع كافّة على المنافسة الإيجابية لإقامة مجالس العزاء، والحرص على التواجد المتواصل في مجالس العزاء الحسيني، مهما كانت مكانة الإنسان، وأيّاً كانت الظروف التي يمرّ بها.
*ب ـ الإشراف والرقابة المباشران على مسيرة المجالس الحسينية
من أهمّ الأهداف التي دعت مراجعنا وعلماءنا الأعلام إلى التواجد المشهود في مجالس العزاء الحسيني هو الحفاظ على الدور الرقابي والإشراف المباشر على المنابر الحسينية؛ ليكونوا على علم يقيني وإحاطة تامة بما يُطرح من قِبل الخطباء الحسينيين، وفيما لو وجدوا فجوة أو سجّلوا ملاحظة ـ ولو جزئية ـ تستحق التنبيه، يبادرون حينئذٍ لتصحيحها، ومعالجة ما يمكن أن يتركه الخطاب المغلوط.
وقد ترك الحضور المبارك لهؤلاء المراجع والعلماء أثراً واضحاً في نفوس الخطباء؛ إذ كانوا يُعيرون ذلك أهمّية فائقة، ويحترزون أيّما احتراز فيما لو كان حديثهم في محضر مرجع أو عالم من العلماء؛ ومن هنا يقول الدكتور الشيخ أحمد الوائلي(ره): "وممارسة الخطيب للخطابة بحضور هؤلاء تلزمه بالشعور بمسؤولية الكلمة، والتقيّد بقيود كثيرة، منها:
التأكّد من صحّة ما يرويه، والتحلّي بصفات أهل العلم من المعرفة والاطّلاع… يفرضها وجود هذا اللون من الناس تحت المنبر، وإلّا تعرّض الخطيب إلى النقد اللاذع، وإلى السقوط؛ فكان لوجود هذه النوعية من مجالس الحسين(ع) أثر كبير في صقل موهبة الخطيب، ودفعه للجدّ والبحث، وإتقان أُصول الفن".
*الجهة الثالثة: النتائج المترتّبة على مجالس العزاء العلمائية
لكي لا نُتَّهم من قِبل بعضهم بالمبالغة وتصعيد اللهجة، يلزمنا أن لا نتحدّث -في هذه الجهة- عن التسديد الإلهي للعلماء ومراجع الدين في هذا السلوك المدروس من قِبلهم، والذي يعتقد به الإنسان المؤمن وفق الأدلّة اليقينية، ذلك التسديد الذي يكون من نصيب الإنسان المؤمن والمتوكّل على الله (عز وجل)؛ إذ لعلّ حديثنا عن هذه المسألة هنا لا يستسيغه مَن يدّعي التنوّر والتقدّم، وإنّما نقتصر على الجانب الملموس والمشهود به لعلمائنا ومراجعنا في مواقفهم المشرّفة، أَلا وهو الحكمة التي امتازوا بها في أفعالهم؛ فننطلق منها لمعرفة النتائج والآثار التي ترتّبت على هذا النمط من المجالس الحسينية، فبعد التتبّع والتنقيب في النتائج التي يمكن أن تذكر لمجالس العزاء العلمائية وجدنا أنّها تتمحور في النقاط الآتية:
*1ـ تصحيح مسار الخطابة الحسينية
لقد أسهم حضور المراجع والعلماء والمجتهدين في المجالس الحسينية في صناعة شخصيات خطابية متألّقة، من أمثال الشيخ محمد علي اليعقوبي(ره)، والخطيب اللامع السيّد جواد شبر(ره)، والدكتور الشيخ أحمد الوائلي(ره)، وقد شهد بعضهم بهذا الدور الكبير والمؤثّر في مسيرته الخطابية الناجحة قائلاً: "… وأنا بالذات مررت بشيء من هذا القبيل؛ لأنّه كان يوفّر لي تعميق مهارتي لا الشهرة، لأنّ حضّاره من كبار رجال العلم الذين يحسب الخطيب لهم حساباً، فيضطرّ إلى الضبط والإتقان، ويعمل على حسن الانتقاء".
ثمّ استعرض بعض التجارب التي مرَّ بها مع كبار مراجع الدين والعلماء حينما كان في مقتبل مسيرته الخطابية، بل حتّى بعد أن اشتُهر في عالم الخطابة، ووُجِّهت له الدعوات الرسمية لارتقاء المنبر الحسيني في النجف، في وقت لم يكن بمقدور كلّ أحد أن يرتقي المنبر في هذه الأروقة المباركة، فذكر بعض المواقف التي صحّح له فيها بعض العلماء والمراجع العظام معلوماته التي ذكرها على منبره بحضورهم، كالموقف الذي مرَّ به مع المرجع الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، والشيخ عباس الرميثي، والشيخ محمد حسين المظفر، وزعيم الطائفة السيّد الخوئي(قد)، وقد كانت تصحيحات بعضهم متنوّعة: بعضها في المجال العقدي، وبعضها الآخر في مجال أُصول الفقه، وموقف ثالث في المجال التاريخي، ورابع في المجال الفقهي.
كما ينقل لنا خطيب آخر من الخطباء المعاصرين تجاربه التي مرَّ بها، وهو يقرأ المجالس الحسينية في محضر علمائنا الأعلام، وتصحيحهم بعض معلوماته التي طرحت من قِبله، فيما يخصّ قراءته بعض النصوص، أو الاستفادة والاستنتاج التحليلي من بعض الآيات أو الروايات، بل حتّى ما كان منها على المستوى اللغوي.
ومن خلال هذه المواقف ونظائرها ندرك الدور الكبير الذي يؤدّيه حضور المراجع والعلماء في المجالس الحسينية، والنتائج المترتّبة على ذلك، فضلاً عن المجالس التي تُقام في أروقتهم المباركة؛ فإنّ هذا التقويم والترشيد الذي يقوم به مراجعنا للخطباء المنبريين ينتج منه الارتقاء بالمنبر الحسيني، والرفع من مستواه العلمي، بل تصحيح مساره، والحفاظ على استقامته.
كما أنّ حضور العلّامة السيّد محسن الأمين(قد) في المجالس الحسينية -حينما كان مُقيماً في دمشق- قد رفع من مستوى المجالس الحسينية التي أُقيمت في بلاده، وغيّرت من النمط السائد آنذاك؛ حتّى أصبح(ره) يراهن على نوعية المواضيع التي تطرح في المجالس التي يحضرها بنفسه، معتبراً الخطباء الذين يرتقون المنابر في محضره ثمرة من أبرز ثمار منجزاته وإسهاماته العلمية والعملية؛ بعد أن عمد إلى إعدادهم وترشيد مستوياتهم العلمية والخطابية بشتّى الطرق المتوفّرة له.
ولقد كان لحضور العالم الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء(قد) في تلك المجالس الحسينية الدور الكبير في معرفته لمِا يطرح على المنابر الحسينية، وملاحظته لبعض المنابر المبتنية على الخرافات المزيّفة، والأحاديث الملفّقة والمكذوبة على الله ورسوله، من قِبل بعض الذين اتخذوا من المنبر الحسيني وسيلة لمصالحهم الشخصية الضيّقة؛ الأمر الذي دفعه لإصدار فتوى، وإبداء رأيه في هذا النمط من المجالس، مبيّناً الواجب المتوجّه إلى الأشخاص الذين يدعونهم إلى بيوتهم مع علمهم بالمستوى العلمي الذي وصلوا إليه، كما اعتبر الاستماع إلى خطاباتهم المنبرية من الأُمور المحرّمة شرعاً.
*2ـ تقديم الخطباء الأكْفاء إلى الجمهور الشيعي
من أهمّ النتائج التي اكتُسبت بفضل حضور العلماء والمراجع في مجالس العزاء الحسيني، هو تقديم شخصيات خطابية يُطمأنّ إلى كونها محلّ ثقة واعتماد لدى العلماء، ومؤيّدة من قِبلهم؛ وقد وُصِف بعض الخطباء الحسينيين بأنّه: (خطيب العلماء، وعالم الخطباء)، فيما وُصف بعضهم الآخر بـ"معتمد العلماء، ومفخرة الخطباء".
وبفضل المجالس التي كان يُقيمها مرجع الطائفة السيّد أبو الحسن الإصفهاني(قد) استطاع الجمهور أن يتعرّف على الخطيب البارع الشيخ محمد علي اليعقوبي، حينما ارتقى المنبر في ذلك المجلس المبارك؛ ما دعاهم إلى الوثوق بما يطرحه عليهم من حقائق دينية، فاتسعت دائرة المجالس العزائية التي يقرأها ذلك الخطيب المتمكّن الذي لم تكن له تلك الشهرة والمعروفية من قبل ذلك.
ومع أنّ السيّد صالح الحلّي -الخطيب البارع والمعروف في الأوساط الدينية- كان يختلف مع السيّد محسن الأمين اختلافاً شديداً في بعض الرؤى والأفكار المرتبطة بمفردات المراسم الحسينية، إلّا أنّ السيّد الأمين(قد) قال في حقّه: "إنّ السيّد صالح الحلّي هو أحسن خطيب عرفته المنابر الحسينية، وأنا أودُّ أن نُعدّ الخطباء على غراره إذا ما أردنا أن نُنبّه الناس ونوقظهم، ونوجّههم توجيهاً صحيحاً"، وما ذلك إلّا لأنّ السيّد الأمين(ره) -نتيجة لحضوره المتكرّر في المجالس الحسينية التي يقرأها هذا الخطيب- قد وقف على إمكانات الخطيب الحلّي، ومهاراته التي شهد بها القاصي والداني.
*3ـ رسوخ المجالس الحسينية في نفوس الجماهير
سبق أن ذكرنا في الجهة السابقة أنّ أحد الأهداف والدوافع الاجتماعية هو حثُّ الناس وتشجيعهم على مجالس العزاء الحسيني بجميع أنماطه المتقدّمة، كلٌّ بحسب مقدوره فمَن كان لديه القدرات التي تؤهله لقراءة المجالس الحسينية يتحتّم عليه أن يقوم بمهمّته، والذي لديه القدرة المالية والاستعدادات الإدارية التي تمكّنه من تخصيص مكان لإقامة المأتم والمجلس الحسيني بادر إلى ذلك، وإذا لم يكن بوسعه ومقدوره صنع شيء ممّا تقدّم إلّا أنّ بإمكانه الحضور والمشاركة، فلا بدّ له من الانخراط في تلك الجموع الحاشدة التي تُحيي ذكر أهل البيت(ع).
وقد عرفنا في حديثنا عن الأهداف الاجتماعية تحقّق هذا الهدف بأتمّ وجه؛ فإنّ طلاب العلوم الدينية يقتدون بمراجع الدين والمجتهدين والعلماء الذين يحرصون على قراءة المجالس الحسينية مع كثرة مهامهم، وهكذا في بقيّة الأدوار الأُخرى التي يقوم بها العلماء؛ ولذا يذكر بعض الباحثين أنّ من أهمّ الدوافع التي شجّعت الناس على الحضور في مجالس العزاء الحسيني، هو تواجد العلماء ومراجع الدين وأهل العلم بينهم، وفي طليعة المجالس التي تقام لسيد الشهداء(ع)؛ إذ يصف بعضَ المجالس بأنّه: "…كان يغصُّ بكبار مراجع الدين، وحشود أهل البيت، وسائر المؤمنين؛ فترى الناس تبحث لها عن مكان، حتّى ولو على الشرفات والسلالم المؤدّية إلى الطابق الثاني…".
ومن الملاحظ -أيضاً- أنّ مجالس العزاء العلمائية إذا كان قارؤها عالماً من العلماء فإنّ نسبة الحضور سوف تزداد أضعافاً مضاعفة، كما في المجالس التي كان يرتقي منبرها الشيخ التستري(رحمه الله)، فقد ذكر العلّامة السيّد محسن الأمين(قد) عن حضّار مجالسه قائلاً: "… وكانت تجتمع الأُلوف تحت منبره لسماع مواعظه".
*4ـ ضمان الديمومة والاستمرارية لمجالس العزاء الحسيني
من بين النتائج التي حقّقتها مجالس العزاء العلمائية، هو التمكّن من تجاوز الأزمات التي يمرّ بها الموالون، والحفاظ على بقاء العبادات التي تحفظ لحمة المجتمع المؤمن، وتعدّ المجالس الحسينية من أبرز تلك الأعمال والعبادات التي تحفظ لنا تجمُّع المؤمنين ووحدتهم، وقد سعى الحكّام -في عصور مختلفة- إلى الحدّ من هذه الظاهرة التي تهدّد عروشهم، بل القضاء عليها بالكامل، إلّا أنّ المجالس المدعومة من قِبل مراجعنا وعلمائنا هي التي وقفت في وجه هذه المحاولات؛ لأنّ ما تركته مجالس العزاء العلمائية من أثر في نفوس المؤمنين جعلهم يحرصون على إقامتها بشتّى الطرق والسبل، حتّى أنّهم(قد) كانوا يقومون بعملية تحرٍّ حول المدن التي لم يكن فيها بنايات مخصّصة لإقامة المجالس الحسينية (أي: الحسينيات)، فيأمرون ببناء حسينيات فيها، كما كان يعمل مرجع الطائفة السيّد أبو الحسن الإصفهاني(قد).
على أنّ هناك آثاراً ونتائج كثيرة أُخرى تركنا ذكرها روماً للاختصار.
*توصية مقترحة
بعد أن تعرّفنا على النتائج الإيجابية المترتّبة على مجالس العزاء العلمائية، نودّ أن نوسّع دائرة الموضوع الذي تناولناه في هذا البحث؛ فنعمل على تطبيق هذه التجربة الناجحة، ليكون العنوان المذكور آنفاً شاملاً لمجالس العزاء التي يُقيمها ممثّلو المرجعية الدينية في المدن والبلدان كافّة، بل حتّى معتمدي المرجعية أيضاً؛
فإنّ المجالس التي تكون تحت إشراف ورعاية وكلاء المرجعية ومعتمديها تكون مختلفة تماماً عن سائر المجالس الأُخرى، من حيث المقبولية، وضمان السلامة الفكرية فيها؛ وذلك لأنّ اختيارات المرجعية الدينية للأشخاص تكون على وفق معايير الكفاءة والنزاهة؛ وهذا ما يجعل من المجالس التي يقيمونها محلّ اعتماد واطمئنان للجمهور المتلقّي، كما أن في الأعم الأغلب تكون متطابقة مع الواقع نتيجة التحري والدقة الفائقة في معرفة الخصائص المؤهلة لاختيارهم، وقد شاهدنا تجربة موفّقة -وإن كانت جزئية- في مدينة (السماوة/ قضاء الخضر)؛ إذ تولّى معتمد المرجعية الدينية العليا سماحة الشيخ راضي الطائي(أيّده الله) رعاية أغلب المجالس الحسينية والإشراف عليها طيلة السنين التي قرأنا فيها في مواسم شهر محرّم الحرام، وقد كانت إدارته لهذه المجالس تمتاز بجدارة كبيرة، ولا يزال على هذا النمط، فلو تمّ العمل على هذا النمط في بقيّة المدن والبلدان الأُخرى لأمكننا تجاوز كثير من العقبات والمصاعب التي يعاني منها كثير من الخطباء والجمهور في المواسم التبليغية.
والحمد لله أوّلاً وآخراً.
تمت
*المصدر: مؤسسة وارث الأنبياء "مجلة الإصلاح الحسيني"، العدد الثامن والعشرون