مكتبة آية الله مرعشي.. أضخم رافد معرفي للتراث الإسلامي
تعتبر مكتبة آية الله المرعشي أكبر مكتبة للمخطوطات في إيران، وثالث أكبر مكتبة في العالم الإسلامي بعد مكتبة السلطانية في تركيا ودار الكتب في مصر.
قام بتأسيس هذه المكتبة العالم الديني الكبير الراحل آية الله شهاب الدين المرعشي النجفي بجهوده الخاصة ومثابرته الحثيثة والمضنية الرامية لحفظ التراث الإسلامي، تعد مكتبة المرعشي ثالث أكبر المكتبات في العالم الإسلامي بعد مكتبة السلطانية في تركيا ودار الكتب في مصر، حيث تضم كمية هائلة من الكتب الإسلامية والشيعية، تشمل العشرات من المخطوطات النادرة والكتب المطبوعة بالطباعة الحجرية.
إذ يضم هذا الصرح الثقافي والفكري اليوم أكثر من 250000 كتاب و25000، طباعة للكتب على الإنترنت. قال عنها بروفيسور فرنسي زار المكتبة: لقد سمعت عن المعجزة ولكني لم أفهم معناها إلا بعد أن زرتها.
سيرة مؤسس المكتبة
مؤسس المكتبة هو السيد شهاب الدين محمد الحسين المرعشي النجفي، كان والده السيد محمود شمس الدين بن شرف الدين علي المرعشي، من العلماء السادة في مدينة النجف، ورزق بشهاب الدين عام 1315هـ.ق في مدينة النجف، بدأ السيد شهاب الدين مشواره العلمي في مسقط رأسه، فأتقن العلوم النقلية والعقلية على أيدي أساتذة الحوزة الدينية بالنجف، الى جانب تعلمه علمي الرياضيات والطب، وبعد حصوله على درجة الإجتهاد من النجف هاجر إلى إيران ليحط رحاله في مدينة قم المقدسة، وهناك لازم مؤسس الحوزة العلمية الشيخ عبد الكريم الحائري وتلمذ عنده دروسا مختلفة حتى نال بتدريس الفقه والأصول في بحث الخارج، وتخرج على يديه المئات من طلبة العلوم الدينية أبرزهم مصطفى الخميني، ومرتضى المطهري، وأكبر هاشمي رفسنجاني، كما ترك الكثير من المؤلفات الدينية.
تاريخ المكتبة وإدارتها
يؤكد السيد محمود المرعشي نجل آية الله السيد شهاب الدين المرعشي أن (المكتبة تعتبر من حيث جودة النسخ النادرة والقديمة للمخطوطات الإسلامية أكبر مكتبة في إيران والمكتبة الثالثة عالمياً).
وضع المرعشي النجفي اللبنة الأولى لتأسيس المكتبة قبل ثمانين عاماً، وتعود النواة الأولى لتأسيس المكتبة إلى فترة كان المرعشي يدرس في الحوزة العلمية في النجف الأشرف. فواجه الكثير من التحديات والعوائق إذ كانت الحالة المادية السيئة وتهريب التراث الثقافي الى خارج العراق على يد رجال مؤثرين، أبرز العوائق أمام السيد المرعشي إلا أنه تجاوز كلها. حتى يذكر أنه تعرض للاعتقال بسبب اصطدامه مع القنصل البريطاني في العراق أثناء شرائه إحدى النسخ الخطية، وقضى ليلته في السجن.
قام آية الله مرعشي النجفي بعد الانتهاء من الدراسة والبحث العلمي بخفض نفقاته اليومية، واستئجار الصلاة والصوم، وحذف وجبة غذائية يوميا، وكذلك العمل ليلاً في مطاحن الأرز بالنجف الأشرف لينجح في اقتناء وجمع التراث والمخطوطات الإسلامية، وانتهى الأمر الى جمع مجموعة نادرة من النسخ الخطية القديمة والكتب المطبعية.
وبعد هجرة آية الله مرعشي النجفي من العراق إلى إيران عام 1342 هـ، اصطحب معه المجموعات الكبيرة التي جمعها وكان يحتفظ بها في بيته. وفي ايران استمر السيد على مشروع جمع المخطوطات والكتب. في تلك الفترة كان يفد على مدينة قم كبار أساتذة الجامعات ليستفيدوا من المخطوطات النادرة الموجودة في منزله، والتي لم يكن يجدوها في أي مكتبة أخرى. وكان منهم آغا بزرك الطهراني صاحب كتاب “الذريعة”، والذي يذكر في كتابه أنه اعتمد بشكل كبير على مكتبة السيد المرعشي في تأليفه.
وبعد تأسيس آية الله مرعشي النجفي للمدرسة المرعشية عام 1385 هـ.ق/ 1965م، افتتح أول مكتبة صغيرة في غرفة المدرسة.
وبعد أربع سنوات، تم شراء عقار أمام المدرسة المرعشية التي كانت تضم المكتبة وكانت تبلغ مساحتها حوالي 1000 متر مربع. وفي عام 1390 هـق/ 1970 م، وضع آية الله مرعشي النجفي الحجر الأساس لإنشاء مكتبة كبيرة.
تحتوي المكتبة اليوم على أكثر من (500000) كتاب، وما يقارب (30000) مخطوطة وبلغات مختلفة كالفارسية، والعربية، والتركية، والأردية، والسنسكريتية، والحبشية، والفرنسية، والألمانية، والإنجليزية، والروسية، والإيطالية وغيرها.
تشمل هذا المنهل الثقافي الإسلامي كتبا مطبعية كثيرة بلغات أوروبية تبلغ (30000) كتاب، أما الكتب الموجودة باللغة العربية، والتركية، والأردية، والفارسية، فتبلغ أكثر من (450000) مجلداً.
أقسام المكتبة
تتشكل المكتبة من عدة أقسام:
قسم الإدارة
تولى إدارة مكتبة المرعشي بعد وفاة مؤسسها، نجله الأكبر السيد محمود المرعشي، وذلك منذ عام 1966م، ويشتمل قسم الرئاسة على الأقسام التالية:
مراكز موقوفة بالمكتبة: وتشمل عدد من المباني السكنية والمحلات التجارية في عدة مدن كمدينة قم، طهران، اصفهان، والتي تم وقفها لصالح المكتبة.
العلاقات العامة والشؤون الدولية: وهو القسم المسؤول عن التنسيق ووضع الخطط والبرامج للضيوف والزوار، إنشاء وتنظيم أخبار المكتبة والتصريح بها للصحفيين ووسائل الإعلام المختلفة.
المراسم والإستقبال: وهو القسم المسؤول عن إستقبال الضيوف والزوار.
السكرتارية: وهو القسم المسؤول عن كل المراسلات الخاصة بالمكتبة.
قسم النساء: القسم الخاص بإيجاد التسهيلات لوصول الباحثات إلى مصادر وكتب المكتبة.
المراسلة: يقوم بإرسال الكتب من قبل المكتبة إلى الأشخاص والمراكز المختلفة.
مركز خدمة زوار المكتبة
يتكون من عدة قاعات: قاعة ابن سينا، القاعة الخاصة بالكتب الحوزوية، قاعة نصير الدين الطوسي، قاعة الشيخ المفيد، ومتجر الكتاب.
مركز المصادر والخدمات الخاصة (مركز البحوث)
دراسة وتصحيح وفهرست المخطوطات الإسلامية، وعلم الأنساب، وغيرها.
مركز حماية مصادر المكتبة
يتشكل هذا المركز من عدة وحدات وأقسام: تعتني بحفظ وصيانة الكتب. ومركز لمعالجة الكتب والوثائق المخطوطة وغير المخطوطة.
مركز الأبحاث والخدمات الفنية
يتكون المركز من وحدات متعددة:التوصيات، الإعلان والتسجيل، مراجعة وإزالة الكتب الضارة، الإستعدادات، الفهرسة، الخدمات الفنية، الإيداع، معهد ومركز الحاسب، تم إنشاء هذا المركز بهدف إيجاد نظام مركزي للمعلومات، الدعم الفني، معايير الفهرسة، البرمجة وإدارة شبكة الحواسيب لتقديم أفضل الخدمات التدريبية والتعليمية.
مركز موسوعة المكتبات العالمية
تأسس هذا المركز عام 1990م من أجل جمع وتأليف موسوعة تخصصية بالمكتبات العالمية التي تحتوي على مجموعة من المخطوطات الإسلامية.
خزانة (مستودع) المخطوطات
تحتوي على المخطوطات والتي يبلغ عددها حالياً 31 ألف مخطوط. ومن بين هذه المخطوطات مخطوطات نادرة كُتبت بخط مؤلفيها كما تحتوي على تراخيصهم، والبعض منها يعود تأريخها إلى القرن السادس.
خزانة (مستودع) الوثائق
تحتوي هذه الخزانة حوالي 100 ألف وثيقة خطية قديمة، تشتمل على قرارات وأحكام السلاطين والأمراء والحكام، وأجازات نقل الحديث، وثائق وأسناد ملكية، كما تحتوي على رسائل بخطوط كبار العلماء والمراجع، رسائل ومكاتبات العلماء مع المؤسس المرعشي.
خزانة/مستودع الصحف والمجلات
تضم نماذج من الصحف النادرة والقديمة التي تعود إلى القرن 10هـ. خزانة الصحف الحجرية: تشتمل هذه الخزانة على 30 ألف من الصحف الحجرية النادرة وبلغات عديدة كالعربية والفارسية والتركية والأردية وغيرها. كما أنها تضم أكثر من 2500 مجلة وجريدة باللغات العربية، الفارسية، التركية، الأوردو، وغير اللاتينية، من بينها عدد من المجلات والصحف المطبوعة حجرياً من العصر القاجاري، وأيضاً مجلات عربية قديمة طبعت في الدول الإسلامية تعود لأكثر من مئة عام.
خزانة (مستودع) آثار غير مكتوبة
خزانة آثار غير مكتوبة يتم الاحتفاظ فيها بمقتنيات مثل العملات، الطوابع الإيرانية والأجنبية القديمة، وألبومات الصور القديمة والاسطرلابات، وأقفال قديمة تخص أبواب المساجد أو المدارس.
مركز أبحاث قم المقدسة
يضم هذا المركز الكتب والمقالات التي كتبت بلغات مختلفة حول مدينة قم المقدسة.
خزانة آثار المؤسس
وهي الخزانة التي تحتوي على آثار ومقتنيات تتبع لمؤسس المكتبة شهاب الدين المرعشي.
وللمكتبة علاقات مباشرة مع أكثر من (400) مركزاً للبحث والتحقيق، والجامعات، والمكتبات العامة المعروفة على مستوى العالم، تقوم بتبادل علمي وثقافي، وقد تم إدخال وتوثيق جميع معلومات المكتبة بالكمبيوتر حيث يتيح لزوار المكتبة استخدام المعلومات. وبالإضافة إلى الخدمات التي تقدمها أقسام المكتبة والتي تشمل: الكتب، والأفلام، والميكروفيلم، وسلايدات، والصور. تقدم المكتبة طيلة أيام الأسبوع خدماتها لطلبة الحوزة العلمية، وطلاب الجامعات من الرجال والنساء، وكل الباحثين على مستوى العالم.
عدد كتب المكتبة
تعتبر مكتبة آية الله المرعشي النجفي من أكبر المكتبات في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولتأتي بعدها مكتبة مجلس الشورى الإسلامي ثم تحتل مكتبة العتبة الرضوية المركز الثالث.
يقدر عدد عناوين المخطوطات الموجودة في المكتبة اليوم حوالي 31 ألف عنوان مشتملةً على أكثر من 60000 مجلد، أكثر من 65 بالمئة منها باللغة العربية والباقي باللغة الفارسية، وقليلاً من التركية، الأوردو، الحبشية، اللاتينية، التترية، والبهلوية. عدد هذه المخطوطات ليس ثابتاً، إذ يزداد هذا العدد كل سنة من 750 إلى 1000 مخطوطة نادرة مختارة تضاف إلى الخزانة إما من خلال عمليات الشراء أو الإهداء.
وتشمل المخطوطات الكثير من الموضوعات منها: الفقه، الأصول، علم الكلام والعقائد، المنطق والفلسفة، والعرفان والتصوف، والحديث، والتفسير وعلوم القرآن، والأدب، والأخلاق، والطبيعيات، وعلم الدراية وتراجم الرجال، والأنساب، والعلوم الغربية والأعداد، والفيزياء، والكيمياء، والرياضيات، والجغرافيا، والهيئة، والفلك، والطب، والموسيقى.
يوجد الكثير من المخطوطات النادرة التي كتبها المؤلفون بأيديهم أو كُتبت تحت رعايتهم. أقدم مخطوطة موجودة في المكتبة اليوم غير مؤرخة هي قسم من القرآن الكريم بالخط الكوفي من أواخر القرنين الثاني والثالث الهجريين، وأيضاً أقدم النسخ المؤرخة هي جزئين من القرآن الكريم بالخط الكوفي خطهما علي بن هلال المعروف بابن بوّاب في بغداد سنة 1002م/392هـ. كذلك جلدين من تفسير التبيان للشيخ الطوسي ويعود تاريخهما إلى 1074م/455هـ. ناهيك عن نهج البلاغة للشريف الرضي عام 469هـ وهي النسخة الأصلية وأقدم نسخة موجودة في العالم.
خزانة المخطوطات التصويرية والتي تشتمل على أكثر من أربعة ألاف مجلد وهُيأت من المخطوطات الخطية الثمينة الموجودة في المكتبات العالمية، وقليلاً منها من المكتبات الداخلية الإيرانية. وحتى الآن تم طباعة ونشر مجلدين يحتويان على آلاف الصور من خزانة المخطوطات التصويرية.
خزانة الميكروفيلم والميكروفيش تشكلت من جزئين: الجزء الأول من الميكروفيلمات تم تهيئته من أكثر من أربعة ألاف مخطوطة موجودة في المكتبات العالمية والبعض منها من المكتبات الداخلية الإيرانية، والجزء الأخر من المخطوطات الموجودة في خزانة المكتبة يبلغ عددها اليوم حوالي 12200، ووفقاً لإحصائيات السنوية للمخطوطات فإن هذه الرقم يتزايد كل عام. ناهيك عن وجود مجموعة عظيمة من الميكروفيشات لقوائم الكتب العالمية المطبوعة باللغات المختلفة والتي تحتوي على القائمة الأولى للكتب المطبوعة حتى نهاية عام 1995م وتشمل أكثر من خمسين مليون عنوان كتاب باللغات العالمية المختلفة.
الخزانات المركزية للكتب المطبوعة بالفارسية، والعربية، والأوردية، والتركية، وغير اللاتينية: هذه الخزانات وبسبب الحجم الكبير للكتب وانتشارها، حيث يبلغ عددها الآن مئات آلاف المجلدات تم توزيعها في ثلاث طوابق بمبنى المكتبة الجديد.
المصدر: الوفاق