كان لآل أعين دوراً كبيراً في الحياة العلمية في زمن الإمامين الباقر(ع) والصادق(ع) إذ أن رجال هذا البيت اضطلعوا بالمهام الخطيرة والأدوار الريادية في الواقع الثقافي الشيعي سواء على الصعيد الفقهي والحديثي أو الأدبي وغير ذلك. ولا غرابة في هذا، فالمتعرض لسيرتهم يجدهم أكبر بيت من بيوت الكوفة وقتئذ من شيعة أهل البيت(ع)، وأعظمهم شأناً وأكثرهم رجالاً وأعياناً وأطولهم مدة وزماناً، حيث نجد أوائلهم قد أدرك وصاحب الأئمة السجاد والباقر والصادق(ع) وبقي أواخرهم إلى أوائل الغيبة الكبرى للإمام الثاني عشر (عج) أي حتى حدود سنة 328 أو 329هـ، ويُقال إن آخر رجالاتهم هو محمد بن عبيد الله إذ لم يُذكر أحدٌ بعده من ذكورهم. ومن أهم رجالات هذا البيت ومشاهيره: زرارة وحمران وعبد الملك وبُكير وهؤلاء أبناء "أَعين"، وحمزة بن حمران وعبيد بن زرارة وضريس بن عبد الملك وعبد الله بن بكير ومحمد بن عبد الله اللهبن زرارة والحسن بن الجهم بن بكير وابنه سليمان وأبو الطاهر محمد بن سليمان وأبو غالب أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان الذي كتب رسالة في آل أعين.
من هم آل أعين
آل أعين أكبر أهل بيت في الشيعة وأكثرهم حديثاً وفقهاً وقد تشيع أهل هذا البيت متأخرا على يد أختهم التي يطلق عليها التأريخ أم الأسود.فقد كان زرارة ابن أعين أحد مريدي زعيم السنة والجماعة الحكم ابن عينية. وذلك موجود في كتب الحديث ومعروف عند رواته...، حيث إنه قد جُمع من روى الحديث من آل أعين فكانوا ستين رجلاً... وكان "حمران ابن أعين" من أكابر مشايخ الشيعة المفضلين الذين لا يشك فيهم، وكان أحد حملة القرآن ومن يُعد ويذكر اسمه في كتب القراء وروى أنه قرأ على أبي جعفر الباقر(ع)... وكان مع ذلك عالماً بالنحو واللغة. إلى هذا، فقد وردت في حمران بن أعين وجلالته وعظم محله أخبار عن أهل البيت(ع) كادت تبلغ حد التواتر وكذلك فقد ورد في حق أخيه "بُكير بن أعين" - بعد موته - خبر صحيح عن الإمام الصادق(ع) يقول: والله لقد أنزله الله بين رسوله(ص) وبين أمير المؤمنين(ع). وهذا دليل على عظيم منزلته التي لا يعلوها شيء. وفي بعض المرويات أن الحجاج لما قدم العراق قال: لا يستقيم لنا الملك ومن آل أعين رجل تحت الحجر، فلما اشتد الطلب عليهم اختفوا وتواروا. إلى هذا، ومن جهة أخرى، فقد جاءت النصوص صريحة تنص بالتوثيق لعشرة من رجالات آل أعين، وهم: زرارة وأبناؤه: عُبيد وعبد الله ورومي وضريس بن عبد الملك والحسن بن الجهم ومحمد بن سليمان بن الحسن وأخوه أبو الحسن علي بن سليمان وابن ابنه أبو غالب أحمد بن محمد. أما عبد الله بن بكير فقد كان ثقة ومعدوداً من أهل الإجماع أي ممن أجمعت الطائفة الإمامية على تصحيح ما يصح عنهم بالرغم من كونه قطعياً، ومن الممدوحين بالخصوص من آل أعين: عبد الملك وعبد الرحمن ابنا "أعين" والحسن والحسين ابنا زرارة ومحمد بن عبد الله بن زرارة)
شخصية زرارة بن أعين
والآن وصل بنا المطاف للوقوف عند واحد من أهم رجالات آل أعين لا بل أهم رجالات الشيعة الإمامية أعني به زرارة بن أعين. قال الإمام الصادق(ع): "يا زرارة إن اسمك من أسامي أهل الجنة بغير ألف. قلت نعم جعلت فداك اسمي عبد ربه ولكني لقبت بزرارة". هو عبد ربه ولقب بـ(زُرارة) بضم الزاي واشتهر به حتى كاد لا يُعرف إلا به. ومعنى زرارة ما رميت به في حائط فلزق به. ويُكنى بأبي علي وكذلك بأبي الحسن. وأما صفاته الجسمية فقال أبو غالب الزراري في رسالته الموسومة "رجال آل أعين": "وروي أن زرارة كان وسيماً جسيماً، أبيض، فكان يخرج له الناس سماطين ينظرون إليه لحسن هيئته فربما رجع عن طريقه". هذا، ولم تذكر المصادر السنة والمحل الذي ولد فيه زرارة، وإن كان من القريب جداً أن يكون مولده في الكوفة لأنه نُسب إليها فيقال: زرارة بن أعين الكوفي، نعم ذكرت المصادر سنة الوفاة، فالبعض قال إنها كانت سنة 150هـ، وقال آخرون هي سنة 148هـ. ففي رواية الكشي، قال أصحاب زرارة: "فكل من أدرك زرارة بن أعين فقد أدرك أبا عبد الله(ع) فإنه مات بعد أبي عبد الله(ع) بشهرين أو أقل وتوفي أبو عبد الله(ع) وزرارة مريض مات في مرضه ذاك". والصادق(ع) استشهد سنة 148هـ، هذا وقد ذكر أبو غالب الزراري في رسالته بأن زرارة عاش سبعين سنة. وعليه يكون مولد زرارة بحدود سنة 78هـ بناءً على القول بوفاته سنة 148هـ.
موقع زرارة العلمي
قال الكشي في كتابه الرجالي في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر الباقر(ع)، وأبي عبد الله الصادق(ع): اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر وأصحاب أبي عبد الله(ع)، وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأولين: زرارة ومعروف بن خربوذ وبريد وأبو بصير الأسدي والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم الطائفي. قالوا: "وأفقه الستة زرارة". وعن جميل بن درَّاج(أحد أصحاب الإمام الصادق(ع)) قال: "أي والله، ما كنا حول زرارة بن أعين إلا بمنزلة الصبيان في الكتَّاب حول المعلم". وتدليلاً على أهمية موقع زرارة الفقهي والحديثي ورد عن الصادق(ع) في الخبر الموثق أنه قال: "رحم الله زرارة، لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي(ع)". ومثله ما جاء في الصحيح عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: "ما أجد أحداً أحيى ذكرنا وأحاديث أبي(ع) إلا زرارة وأبو بصير المرادي ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي(ع) على حلال الله وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة". ومن خلال بعض الأحاديث الأخرى الواردة عنهم(ع) يمكننا ملاحظة بعض الأمور التي تسلط الضوء على شخصية زرارة العلمية:
1- حرص زرارة واهتمامه الكبير بنقل الحديث، بحيث أنه كان يستصحب معه ألواحاً ليكتب ما يقوله الإمام الصادق عليه السلام.
2- لم يكتفِ زرارة بنقل الأحاديث بل كان يحرص على فهم الحديث ورعايته والتفقه به والجمع بين مداليله.
3- تسليمه لأمر الإمام الصادق(ع) فيما يقول وعدم إبداء المعارضة له، وهذا يعود لجهة إدراكه العميق لما عليه إمامه من العلم والإحاطة بحيث أنه يجلس معه جلسة المستفيد والمتعلم ولا يتخطى ذلك.
4- اهتمام الإمام الصادق(ع) بأمره وعنايته الخاصة به.
زرارة الفقيه والمحدِّث
لا شك بأن زرارة هو واحد من كبار الرجالات الناشرين والمتهمين في إظهار فقه أهل البيت(ع) فرواياته تحتل مكان الصدارة عند الفقهاء وإليها يرجعون في استنباطهم للأحكام الشرعية، ونحن إذا ألقينا نظرة على أبواب الفقه من العبادات والمعاملات والأحكام لوجدنا أن روايات زرارة قد شملت جميع هذه الأبواب. فقد روى عن الإمام الباقر(ع) ألفاً ومئتين وستة وثلاثين مورداً، كما أن رواياته عن الإمام الصادق(ع) تبلغ أربعمئة وتسعة وأربعين مورداً. وقد مرَّ معنا كيف أن الإمام الصادق(ع) كان يمتدح زرارة ويعتز به لأنه من كبار العلماء والفقهاء الذين تلمّذوا عليه وعلى أبيه الباقر(ع). ويُذكر أنه كان مرجعاً في عصره لتمييز صحيح الروايات عن سقيمها. ومن هنا، كان الإمام الصادق(ع) يوجه الناس إليه، فقد جاء في بعض الروايات أن الإمام الصادق(ع) قال لمن سأله حول اختلاف الحديث: "إذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس" وأشار إلى زرارة. ومن أراد الوقوف على نماذج من فتاواه الفقهية فعليه الرجوع إلى كتب الحديث كوسائل الشيعة حيث يجد له فتاوى تتعلق بالإرث وموجباته كالعول والكلالة.
وقفة مع آرائه الكلامية
إن لزرارة مكانة عالية في علم الكلام، حتى أن الكتاب الوصية الذي ذكره له المؤرخون على ذكره هو كتاب كلامي وهذا ما يتضح من خلال عنوانه "الاستطاعة والجبر"، ومن الملاحظ من عنوان هذا المصنف أن زرارة قد تطرق إلى مشكلة أساسية أثارت حراكاً فكرياً معمقاً وفرضت نفسها آنذاك حيث شغلت الفكر الكلامي الإسلامي وهي تتعلق بموقف الإسلام من مسألة حرية الإرادة الإنسانية، فهل الإنسان مجبر كما ذهب إلى ذلك طائفة من المسلمين أم أنه مخير كما هي مقولة المعتزلة، أم أنه لا مجبر ولا مفوض وإنما هو في أمر بين أمرين على حد تعبير الإمام الصادق(ع). ولا شك أن زرارة في هذه المسألة كما في سواها يلتزم ما يسمعه عن الإمام الصادق(ع) وبخاصة كون هذه النظرية للإمام كانت من الوضوح بحيث لا يتطرق إليها أي وهم أو لبس.
زرارة الشاعر
يُنسب لزرارة أبيات من الشعر في علامات ظهور الإمام المهدي (عج) حيث يقول:
فتلك علامات تجيء لوقتها ومالك عما قدَّر الله مذهب
ولولا البدا سميته غير فائت ونعت البدا نعت لمن يتقلب
ولولا البدا ما كان ثم تصرف وكان كنار حرفها يتلهب
وكان كنور مشرق في طبيعة وبالله عن ذكر الطبائع مرغب
وقد وردت روايات عن الإمام الصادق(ع) تذم زرارة وتلعنه وقد صدرت منه تقية للمحافظة على زرارة من السلطة العباسية في عهد المنصور الدوانيقي، الذي حارب وطارد اتباع الامام الصادق(ع)في تلك الحقبة. قال عبد الله بن زرارة قال لي أبو عبد الله(ع) اقرأ مني على والدك السلام وقل له إني إنما أعيبك دفاعا مني عنك فإن الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه لإدخال الأذى في من نحبه وقتله ويحمدون كل من عبناه وإنما أعيبك لأنك قد اشتهرت بنا ولميلك إلينا وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر بمودتك لنا فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين ويكون بذلك دافع شرهم عنك.
المصدر: موقع مدرسة الإمام الحسین(ع) الدینیة