printlogo


printlogo


لماذا اختار النبيُّ(ع) إعلان الولاية في "غدير خم" دون "جبل عرفات"؟

 بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين، أما بعد:
ممّا يُطرح بهدف التشكيك في دلالة حديث الغدير سؤالٌ حول ترجيح مكان إعلان الولاية في غدير خم دون جبل عرفات في موسم الحجّ، وفي ذلك يقال: لو كان حديث الغدير يدل على الإمامة لكان إعلانه في يوم عرفة أولى؛ وذلك لأن حشود المسلمين كانت أكثر عدداً هناك، بينما عند رجوع النبي(ص) إلى المدينة المنورة، وتوقفه في "غدير خم" قلّت أعداد المرافقين للركب النبويّ، فلو كان الأمر يعم المسلمين لكان إعلامهم به في يوم عرفة أولى.
وفي مقام الإجابة على هذا السؤال نقول: إن قراءة التاريخ تحتاج إلى إلمامٍ بالأبعاد المختلفة في طيّات الأحداث، ومعرفة طبيعة المؤثّرات ودورها في صناعة السلوك السياسيّ والإداريّ، فليس الأمر مقدَّراً بهذا النحو من التبسيط الساذج، حتى تكون معادلة رياضية مجرد عامل حاسم في اختيار السلوك، فعالم السياسة لا يُدار بالأرقام فقط، بل تُلحظ فيه جوانب كثيرة، ينظر إليها المدبّر، ويراعي التوازنات بين العوامل الإيجابية والعوامل السلبية، وبناءً على ذلك يختار سلوكاً متوازناً يحقق الأغراض بأقل تكلفة أو خسارة.
وهذا الأمر لا يقتصر على التاريخ الإسلامي، بل يشمل قراءة التاريخ البشري بمراحله المهمّة كافّة، ولا سيما ما كان متعلّقاً بسياسات الملوك والدول، ففيها من الدقائق والنكات العقلائية التي يمكن أن تساعد على فهم أصول التدبير والإدارة واستنباطها، وهذا بابٌ واسعٌ يحتاج إلى خوض تجربة طويلة في قراءة التاريخ وتأمل نصوص التجارب البشرية في السياسة وإدارة المجتمعات.
وباختصار: إن محاولة تحليل أي خطوة في عالم السياسة والإدارة ينبغي أن تكون مبنية على أسس تحليلية عميقة، تحيط بالأبعاد المختلفة للقضية الواحدة، لا عبر معادلات رياضية ساذجة، ولو كان الأمر بهذه البساطة لفسد نظام المجتمع البشري وبطل نهجه العقلائي في التدبير!
وفيما نحن فيه، ينبغي أن نلحظ في قضية الإعلان عن الولاية في "غدير خم" بعض النقاط المحورية ومعرفة مدى دخالتها في تحويل المسار من "جبل عرفات" إلى "غدير خم"، ومن أهمّ ما ينبغي النظر فيه: خلفيات تردد النبي(ص) في الإعلان، وطبيعة المشهد العام في موسم الحجّ، وما يتعلّق بهذين الأمرين من تبعات وآثار.
 أولاً: خلفيّات تردد النبي(ص) في الإعلان.
 كان النبي(ص) متخوّفاً من ردّ فعل جمهور العرب إزاء إعلان إمامة أمير المؤمنين(ع)، ففي صحيحة زرارة وغيره عن الباقر(ع): "فلما أتاه ذلك من الله ضاق بذلك صدر رسول الله(ص) وتخوف أن يرتدوا عن دينهم وأن يكذّبوه فضاق صدره"، وفي روايةٍ أخرى عن النبيّ(ص): "أمتي حديثو عهد بالجاهلية ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمي يقول قائل ويقول قائل"، وفي رواية عن ابن عباس: "فكرِهَ أن يحدّث الناس بشيء كراهية أن يتهموه؛ لأنهم كانوا حديثي عهد بالجاهلية، حتى مضى لذلك ستة أيام.."، وفي رواية أخرى عن الصادق(ع): "ثم أنزل الله جلّ ذكره عليه أن أعلن فضلَ وصيّك، فقال: ربِّ، إنّ العربَ قومٌ جُفاةٌ، لم يكن فيهم كتابٌ، ولم يُبعث إليهم نبيّ، ولا يعرفون فضل نبوّات الأنبياء ولا شرفهم، ولا يؤمنون بي إن أنا أخبرتهم بفضل أهل بيتي، فقال الله جلّ ذكره: "ولا تحزن عليهم" "وقل سلام فسوف يعلمون"، فذكر من فضل وصيّه ذكراً، فوقع النفاقُ في قلوبهم فعلِمَ رسول الله ذلك وما يقولون، فقال الله جلّ ذكره: يا محمد، "ولقد نعلم أنه يضيق صدرُك بما يقولون"..إلخ".
والوجه في ذلك: أنّ التخوّف من ردّ فعل الناس ليس خوفاً من الموقف بعينه، بل من تبعاته من قبيل التحركات الخطيرة التي يمكن أن يتخذها الطرف الآخر، حيث يمكن أن يشكّل احتشاد الجموع المعارضة دافعاً مشجّعاً لإجراء خطوات عمليّة إزاء هذا الإعلان، ويستتبع هذا الأمر المزيد من الآثار السلبيّة، لا سيّما وأنّ الشخصيّة التي يُراد إعلان ولايتها من الشخصيات التي عادَتْها جماهير العرب، فإنّه(ع) بما فعله بأهل الكفر في الجاهليّة قد أودع قلوبهم أحقاداً بدرية وخيبرية وحنينية وغيرهن فأضبت العربُ على عداوته وأكبت على منابذته، ومن لطائف الإشارات في هذه المسألة ما أشار إليه السيد ابن طاوس(ره) حيث قال: "اعلم أن موسى نبي الله راجع الله تعالى في إبلاغ رسالته وقال في مراجعته: "إنّي قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون"، وإنما كان قتل نفساً واحدة، وأما علي بن أبي طالب فإنه كان قد قتل من قريش وغيرهم من القبائل قتلى كل واحد منهم".
فمن هنا يُعلم أن الانصراف عن الإعلان في يوم عرفة إلى ما بعد عيد الأضحى كان لصرف كثيرٍ ممن يُقطع بضرر حضوره في ذلك الموقف، وفي ذلك يقول الشيخ المفيد(ره) : "وقد كان تقدّم الوحي إليه في ذلك من غير توقيتٍ له، فأخّره لحضور وقتٍ يأمن فيه الاختلاف منهم عليه، وعَلِمَ اللهُ أنّه إن تجاوز غدير خم انفصل عنه كثير من الناس إلى بلادهم وأماكنهم وبواديهم فأراد اللهُ أن يجمعهم لسماع النصّ على أمير المؤمنين(ع).
 ثانياً: طبيعة المشهد العام في موسم الحجّ.
 إنّ الوقوف على طبيعة المشهد العام في الموسم الجامع للعرب سيوضّح حقيقة ما قلناه من وجود مبرّراتٍ تدعو للتمهّل في إعلان الولاية أمام تلك الجموع بغثّها وسمينها، فمن الواضح أنّ كثيراً من العرب لم يكن على حدّ الانقياد التّام للنبي(ص)، بل كان بعضهم يمارس معارضته بشكل علنيّ، ويحاول أن يضع العقبات أمام الأوامر النبويّة، والشواهد على هذا الأمر أكثر من أن تحصى، ونكتفي في المقام بما يختصّ بموسم الحجّ في تلك السنة، فقد عمل بعض الصحابة على إبراز معارضتهم للنبي(ص) في أمورٍ أهون خطباً من قضيّة الولاية، حيث كانوا يتعقّبون قوله ويترددون في تنفيذ أوامره ويبرزون رأياً في مقابل نصّه، ومما يشير إلى ذلك ما حدثَ في قضيّة حجّ التمتّع في تلك السنة، فقد كان بعض الصّحابة معارضاً لفكرة التمتّع بالعمرة إلى الحجّ منذ ذلك الوقت، والتي جاهر أبو بكر وعمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان بتحريمها في فترة ولايتهم كما بيّنت ذلك الروايات الصحيحة في كتب أهل السنة، وبالنسبة إلى ما حدث هناك، فقد روى أحمد بن حنبل بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه قال: "أهللنا أصحاب النبي(ص) بالحج خالصاً ليس معه غيره، خالصاً وحده، فقدمنا مكة صبح رابعةٍ مضت من ذي الحجة"، فقال النبي(ص): "حلوا، واجعلوها عمرة"، فبلغه أنا نقول: "لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمسٌ أمرنا أن نحلّ فنروح إلى منى ومذاكيرنا تقطر منيّاً"، فخطبنا، فقال: "قد بلغني الذي قلتم، وإني لأتقاكم وأبركم، ..إلخ".
ويظهرُ أيضاً أنّ هذه المعارضة قد سرت في أوساط الصحابة، ففي لفظ رواية جابر عند البخاري: "ففشت في ذلك القالة"، وفي رواية البخاري أيضاً يظهرُ تعريضُ النبيّ(ص) بهم، ولفظ روايته: "بلغني أن أقواماً يقولون كذا وكذا، والله لأنا أبر وأتقى لله منهم،.."، فالظاهرُ أنّ المسألة كانت تتضمنُ تعريضاً بمقام النبيّ(ص)، وإلا فمن الغريب أن يذكر في خطابه ما هو مسلَّم الثبوت عند كلّ مسلمٍ وأنّه هو الأتقى والأبر..إلخ، ويدلّك على خطورة الموقف أنّ هذه المعارضة أدّت إلى غضب النبيّ(ص) وهو الذي لا يغضب إلّا لله تعالى ودينه القيّم، فيبدو أن ذلك الموقف كان مشحوناً بالتشكيك في جانبٍ يمسّ الدين عبر الاعتراض على أوامر النبي(ص)، ولم يكن مجرد نزوة فرديّة عابرة، فإنّه استدعى غضبه أولاً، وقيامه خطيباً بين الناس ليردّ على أولئك المعترضين، وقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة: "قدم رسول الله(ص) لأربع مضين من ذي الحجة أو خمس، فدخل عليّ وهو غضبان، فقلت: "مَنْ أغضبكَ يا رسول الله؟ أدخله الله النار!" قال: "أوما شعرتِ أنّي أمرتُ الناس بأمر، فإذا هم يترددون؟"..إلخ".
فإذا كان هذا هو الحال بالنسبة إلى قضيّة فقهيّة، فكيف يكون بالنسبة إلى مسألة تمسّ مستقبل الإسلام؟ وهذا كلّه يشير إلى أنّ تلك المخاوف والمحاذير كانت مبرّرة وواقعيّة ودقيقة في قراءة واقع موسم الحجّ وما ينطوي عليه الإعلان هناك من خطورةٍ لاجتماع كثيرٍ من المنافقين والمعارضين القادرين على تحريك غوغاء العرب ورعاعهم.
ومسألة تخوّف النبي(ص) من جماهير العرب المتظاهرة بالإسلام، المتمرّدة على الأوامر الإلهية لا يمكن إنكارها، وما ذكرناه في قضية حجّ التمتع قضيّة من بين قضايا كثيرة، نردفها بذكر ما يتعلّق بتخوّفه في مسألة بناء الكعبة، فقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة أنّ النبي(ص) قال: "لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية - أو قال: بكفر - لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض، ولأدخلت فيها من الحجر"، فهذا يعني أنّ الإقدام على أيّ إجراء خطير يمسّ ما يتحذّر منه العرب - وربما يبدون إزاءه ردّ فعل متصلّبة تهدد الواقع السياسيّ الحسّاس - لا يكون عبر إجراء عمليّة حسابيّة فقط، من دون النظر إلى مجريات الأحداث، وما يمكن أن تنطوي عليه لاحقاً.
ومما يشيرُ إلى طبيعة الجموع الحاضرة في موسم الحجّ ما جاء في رواية البخاريّ في صحيحه عن عبد الرحمن بن عوف، حيث قال لعبد الله بن عباس في إحدى جلساته معه: "لو رأيت رجلاً أتى أمير المؤمنين اليوم، فقال: "يا أمير المؤمنين، هل لك في فلان؟"، يقول: "لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت"، فغضب عمر، ثم قال: "إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس، فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم". قال عبد الرحمن: فقلت: "يا أمير المؤمنين، لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقومَ فتقولَ مقالةً يطيرها عنك كل مُطيّرٍ، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة، فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلت متمكناً، فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعونها على مواضعها". فقال عمر: "أما والله -إن شاء الله- لأقومنّ بذلك أول مقام أقومه بالمدينة"..إلخ".
وكلام عبد الرحمن بن عوف يشير إلى مسألتين:
1. أنّ الوفود الحاضرة بمجموعها ليست مؤهّلة لطرح القضايا المحورية عليها، بل إنّ حضور غوغاء الناس ورعاعهم في الأوساط يرفع احتمال وقوع الفوضى والتشويش.
2. أنّ أهل المدينة - من المهاجرين والأنصار - هم المعنيّون بالدرجة الأولى بالقضايا السياسيّة التي تتعلق بإدارة الحكم وما إلى ذلك، ولذلك أشار على عمر بأن يطرح كلامه في المدينة المنورة بعد وصوله إليها.
وبعبارة أخرى: كلام عبد الرحمن بن عوف وتوصيفه للواقع آنذاك يكشفُ عن طبيعة الجموع التي تحضر في موسم الحج، والتي يمكن أن يكون إشراكها في تداول مسائل تخصّ القرار السياسيّ في المدينة المنورة من الأمور الباعثة على الفوضى وإثارة غوغاء النّاس، في حين أنّهم تَبَعٌ لما يصدر عن دوائر القرار العليا، وينقادون لما يصدر عن المدينة المنورة، فمن الخطأ أن يُدخَلوا في مقامٍ بحيث يقدرون على إبداء رأيهم شدّاً وجذباً، فهذا لا مصلحة فيه.
ويزيد الأمر خطورة أن بعض تلك الفئات يمكن أن يكون لها ثقل في الواقع السياسيّ ويمكن أن تمارس دوراً سلبياً في ذلك الشأن، ومن الجدير بالذكر أنّ كلام ابن عوف ناظرٌ إلى حال جمهور العرب بعد وفاة النبيّ(ص) واستتباب أمور الحكم للحزب القرشيّ وإحكامه القبض على زمام الأمور، ومع ذلك كانوا يتخوّفون من طرح بعض القضايا السياسيّة الخطيرة التي طُرحت آنذاك فيما يتعلّق بتحديد الخليفة بعد وفاة عمر، فكيف هو الحال في زمنٍ كان العربُ فيه حديثي عهدٍ بالإسلام، وكانت جملة عريضة منهم قد وترها سيفُ أمير المؤمنين(ع)، فمن الطبيعيّ أن يتخوّف النبي(ص) من تواجدهم، وأن يسعى لتقليل حضورهم، فإنّه لا يتضمّن فائدةً، بل ينطوي على مخاطرة عظيمة ومجازفة كبيرة.
والحالة التي واجهها عمر بن الخطاب عند إرادته الكلام في مسألة استخلافه كانت حاضرةً في حجّة الوداع أيضاً، فلم يكن من المناسب أن يُطرح الإعلان النبويّ في ظلّ حضور كثيرٍ من رعاع العرب ومن لا شأن له بالمسائل الخطيرة التي تتعلق بإدارة الحكومة الإسلاميّة، لا سيّما وأنّهم تابعون في ذلك لما يصدر عن أهل المدينة المنورة، فكان أهل المدينة وبعض القبائل المحيطة بهم هم المعنيّون بالدرجة الأولى بهذا الخطاب، ولذلك عُقد الخطاب في منطقةٍ قبل الوصول إلى المدينة؛ لضمان حضور بعض القبائل القريبة جغرافيّاً منها. وبذلك: إذا ضُمن تبليغ ومبايعة تلك الفئة، أمكن - في وقتٍ لاحقٍ - إبلاغ وإلزام سائر المناطق الأخرى بما يصدر عن المدينة المنورة وأهلها.
 لماذا "غدير خم"؟
تقع هذه المنطقة بين مكّة المكرمة والمدينة المنوّرة، وتبعد عن مكّة 200 كيلومترا تقريباً، ومن الواضح أنّ المرور بها بعد انتهاء موسم الحجّ كان في طريق الإياب إلى المدينة، ما يعني أنّ جموعاً من حاضري موسم الحجّ كحجاج اليمن والطائف ونجد لن يمرّوا من هذه المنطقة؛ لأنّ المدينة في جهةٍ ومسيرهم إلى وطنهم في جهةٍ معاكسة، فلن يسيروا مع النبيّ(ص) حتى يصل المدينة بل سيفارقون قافلته مبكّراً، وهذا الأمر سيؤدّي إلى غربلة الجموع، وتقليل حضور من يمكن أن يؤثّر سلباً، فضلاً عن عدم أهميّة حضور كل مسلمٍ منهم.
وبعبارة أوضح: في سياق إعلان الولاية وتثبيت إمامة أمير المؤمنين(ع) في الواقع السياسيّ لم يكن هناك أيّ أهميّة لحضور جميع القبائل العربيّة، بل كان يكفي حضور أهل المناطق المركزيّة الذين لهم تأثيرٌ في ساحة الأحداث، ومن سواهم تَبَعٌ لهم، وليس عليهم إلا أن يتلقّفوا الأمر الواقع بعد فرضه في المنطقة الأساسيّة "العاصمة الإسلاميّة" وما حولها، وهنا وقف النبي(ص) بين عامليْن مؤثّرين:
عامل إيجابيّ: يتمثّل في ضرورة توسعة الحشد عند الإعلان عن الولاية؛ لضمان تواتر النصّ وشياعه في أوساط المسلمين بالتدريج.
عامل سلبيّ: يتمثل في سلبيّة انصراف جميع حاضري الموسم؛ لأنّ في ذلك حصراً للنصّ في دائرة أهل المدينة المنورة فقط، وهذا سوف يُحجّم انتشار هذا القرار.
وبين هذين العاملين، ابتغى النبيّ(ص) حلّاً وسطاً، يتخلّص من خلاله من فضول النّاس وزوائدهم الذين لا أهمية لحضورهم أو يشكل حضورهم عبئاً ثقيلاً، وفي الوقت نفسه، يحافظ على حضور جمعٍ وافٍ من العرب يقومون بتبليغ النصّ وتثبيت الأمر الإلهي في أوساط المسلمين، ومن هنا اختار النبيّ منطقة غدير خم، فإنّها تقع في الطريق إلى المدينة، وفي المسير إليها يُضمن انصراف عدد كبير من الحجاج، وبقاء جملة أخرى تفي بالغرض، ومن هاهنا كان اختيار الإعلان في غدير خم أكثر مناسبةً منه في يوم عرفة؛ لدفع المحاذير المشار إليها، والاقتصار على تحقيق الهدف المنشود دون الوقوع في إثارة البلبلة واللغط من قِبل المنافقين والمرجفين وحديثي العهد بالإسلام عند تكاثر حضورهم.
المصدر: مؤسسة بصائر للتحقيق والدراسات الإسلامية