هناك فرق بین المفكر الإسلامي والمفکر المتخصص في الفكر الإسلامي، وهو الفرق نفسه بين الفقيه الإسلامي والمتخصص في الفقه؛ فالمتخصص في الفقه والأصول والعلوم الإسلامية الى مستوى امتلاك القدرة على استنباط الحكم الشرعي من مصادره، هو مجتهد في الشريعة الإسلامية، ولكن ليس بالضرورة أن يكون إسلامياً أو حتى مسلماً؛ إذ يمكن للملحد والمسيحي والمسلم العلماني بلوغ درجة الاجتهاد؛ فهي درجة علمية وليست حكراً على إنسان دون آخر.
ومن أجل غلق الأبواب أمام من بلغ هذه الدرجة العلمية وهو علماني أو غير ملتزم دينياً أو غير مسلم، من أن يتلاعب بالشريعة وأحكامها ويتحول الى مفتي؛ فقد وضعت الشريعة شرطاً صارماً للمجتهد الذي يأخذ المؤمنون بفتواه، وهو شرط (العدالة)، أي التقوى والالتزام الديني النظري والعملي الصارم، وبذلك؛ لا يمكن اتباع فتوى وإرشاد أي مجتهد، بل حصراً؛ المجتهد العادل المتقي الملتزم بالإسلام عقيدة وسلوكاً، وهو ما يُطلق عليه: الفقيه الإسلامي.
وهكذا بالنسبة للمفكر الإسلامي؛ فشرطه هو التزامه العقدي والعملي، وأن تكون مصادره إسلامیة في التفكير والنظر والمنهج والإنتاج، وأن تكون رؤيته الى الشريعة والحياة ومنطلقات عمله إسلامية، بمعنى أن يعتقد بأن الإسلام دين متكامل مستوعب في تعاليمه لكل شؤون الحياة. هذا المفكر هو الذي يمكن اعتماد النظریات والنظم الإسلامیة التي ينتجها، واعتماد جهوده في تفعیل الفكر الإسلامي وتجديده، ودفعه نحو التطبیق. وقد یکون بعض الباحثين والمفكرين؛ إسلامیاً في النظرية، لكنه غير ملتزم في العمل والسلوك، وقد يكون ملتزماً في سلوکه، لكنه ليس إسلامیاً في فکره. أما انطباق صفة المفكر الإسلامي؛ فتنحصر في الإسلامي الملتزم نظرياً وعملياً.
في حين أن الالتزام الإسلامي النظري والعملي ليس شرطاً فيمن يريد أن يتخصص في الإسلام وعلومه وفكره، ليكون باحثاً في الفکر الاسلامي أو التراث الإسلامي، وإن كان ملحداً ومارکسیاً أو مستشرقاً مسيحياً أو كاهناً يهودياً أو مسلماً علمانياً. وهذا النمط من المفكرين والباحثين والأكاديميين والعلماء، الذين يحفظون القرآن والحديث والقواعد الشرعية، وينتجون البحوث التخصصية في الفرق والمذاهب والفلسفة الإسلامية وتاريخ الإسلام، ويتقنون استخدام أدوات اللغة العربية وأصول الفقه والمنطق، ويستخدمون مناهج علوم القرآن والدراية والرجال، هذا النمط موجود بكثرة، سواء في البلدان المسلمة او البلدان غير المسلمة، لكنهم غير مسلمين أو مسلمين علمانيين.
وهناك من يضع العمامة على رأسه، ويطرح نفسه مفكراً إسلامياً أو باحثاً إسلامياً أو خطيباً إسلامياً، وهو بالفعل متمكن من أدوات البحث والمنهج العلمي والخطابة، لكنه علماني في تفكيره وفلسفته في الحياة وفي رؤيته الى الإسلام والشريعة. فمثل هذا المعمم ليس باحثاً إسلامياً، حتى وإن كان متصوفاً ويصلي ويصوم؛ إنما هو باحث في العلوم الإسلامية أو باحث في الفكر الإسلامي، إذ لا يمكن الجمع بين متعارضين أو متضادين: ملحد ومؤمن، أو علماني وإسلامي، وبالتالي؛ لا تشفع للمعمم العلماني عمامته لكي يكون مصدراً لمعرفة رأي الإسلام أو الفكر الإسلامي في القضايا الحياتية، كالسياسة والاقتصاد والثقافة وغيرها، لأنها عمامته شكلية مظهرية، أو مجرد زي بهدف الغواية.
ويتقصد بعض المعممين العلمانيين ارتداء العمامة، بوصفها رمزية دينية إسلامية؛ لكي ينجح في تمرير أفكاره وآرائه العلمانية في أوساط غير العارفين أو غير المتخصصين، أو ليكون أداة بيد جهات ومؤسسات علمانية أو غربية، لتمرير أجنداتها الفكرية والثقافية والسياسية، وهو دور أكثر خطورة مما يفعله العلماني (الأفندي). وتكمن خطورة هؤلاء في البلدان التي تفتقد الى الضوابط المؤسسية في هذا المجال، والتي يكون فيها المنبر والعمامة مستباحين لكل من يريد استغلالهما.
المصدر: موقع تبیین الإلکتروني