دراسة تحليلية نقدية للأدلة والروايات التي استند إليها اليماني المزعوم أحمد الحسن
صحفي مصري وأستاذ في الجامعة المصرية يدعي أنه تلمذ في العلوم الغريبة على يد أحد الأولياء، وكان من أتباع أحد المذاهب السنية، وإن نسبه ينتهي إلى الإمام الحسن المجتبى. كما يدعي بأن لديه هو وأبوه وعمّه قبسا من علوم أهل البيت (ع) وخاصة الموجود منها في علم الجفر لأمير المؤمنين. ويصنف علم الجفر ضمن علم الأعداد وقد صدر له في هذا المجال عدد من الكتب ينسب فيها لأمير المؤمنين(ع) قضايا لم يتعرض لها أعلام المسلمين سنة وشيعة، وأن أمير المؤمنين(ع) صرح- كما جاء هذه الكتب- باسم أمريكا وإسرائيل والنيبال والتبت والكوريتين الشمالية والجنوبية والقارة الأوروبية وسنغافورة و... بل حتى صرح باسم الحاكم المصري أنور السادات والاختلاف في الساحة المصرية واتفاقية كامب ديفيد. بل لا تجد شيئا مما يدور حولنا إلا وقد أورد المؤلف فيه رواية!! ثم إن الرجل رغم ادعائه باستقائه العلم من عين زكية ومنبع ثر إلا أنه ينكر ولادة الإمام المهدي في سامراء، وإنه كما يردد ما يقوله أهل السنة من أنه من ذرية الإمام الحسن المجتبى(ع). والجدير بالتأمل هنا أنه بالرغم من إشارته إلى الرواية التي تبشر بظهور الإمام بعد موت الملك عبد الله، لا يخفي حبّه للرجل ويظهره بمظهر الحاكم المؤمن الشجاع المناهض للولايات المتحدة الأمريكية.
والغريب أيضا أن الرجل رغم المقام العلمي الذي يدعيه لنفسه تراه يضفي القداسة والنزاهة على الخليفتين الأول والثاني ومعاوية بن أبي سفيان ويعتبرهم من الأولياء والخواص الربانيين. وقد صرح في كتاب آخر له بأن القذافي من الممهدين لظهور الإمام(ع).
على الرغم من أن المؤلف يزعم بأنه يمتلك حظا من علم الجفر المروي عن الأئمة أدرجه في كتاب صنفه تحت عنون "أسرار الهاء في علم الجفر"، إلا أن دعواه تتعارض مع عدد من الروايات التي اعتبرت علم الجفر من خصائص الأئمة التي لا يطلع عليها غيرهم. وأن ما يتداول اليوم تحت عنوان علم الجفر يختلف اختلافا جوهريا مع الجفر الموجود لدى الأئمة المعصومين (ع)، فمن الخطأ الخلط بينه وبين ما هو موجود لدى بعض العرفاء بل بعض المشعوذين وإدراجه على أنه من أحاديث المعصومين (ع)؛ لانه من أبرز مصاديق الكذب على أهل البيت (ع) المنهي عنه شرعا.
ومن الأمور الواضحة في منهجية الرجل في الكتابة أنه يشير إلى نسخ خطية ينفرد بامتلاكها ويبالغ في الثناء عليها بما لا يخفى على الحصيف فساده وتزويره، وهي منهجية قديمة اعتمدها الوضاعون والمشعوذون منذ قديم الأيام، حيث يدعون الاستناد إلى مصادر قديمة ونسخ خطية غير متعارفة لا يمكن الوصول إليها في إثبات مدعياتهم ووصف النسخ بأوصاف مبهمة من قبيل: قرأته في نسخة موجودة في مكتبة فلان ولم اعرف أين هي الآن، أو شاهده في نسخة للشيخ الفلاني القاطن في قرية نائية جدا لا يمكن الوصول إليها والتحقق من أمرها. وتوجد هنا مجموعة من الآثار تحت عنوان الجفر والجامعة تعزى إلى الإمام علي(ع) تارة وإلى الصادق(ع) تارة أخرى، واغلب هذه المتون غير معروفة، فضلا عن وجود نسخ كثيرة ومختلفة أكثرها لها علاقة بعلم الأعداد والحروف وتشتمل على جداول فلكية وغير فلكية عجيبة وغريبة، لم تثبت جزما نسبتها إلى القرون الإسلامية الأولى فضلا عن نسبتها إلى المعصومين.
*مضمون الرواية:
ليس الأمر كما توهّم أتباع أحمد البصري، إذ المقصود من عبارة "إن خرج" الواردة في كتاب "المفاجأة" لا تعني سقوط نظامه وخلعه من مسند السلطة، كي يصار إلى تطبيقها على سقوط نظام الرئيس المصري حسني مبارك المؤشرة إلی إرهاصات عصر ظهور الإمام المهدي حسب مدعى اليمانية المزعومة، بل يرى المؤلف أن صاحب مصر ومحمد حسني مبارك يوطئون بحكمهم لظهور الإمام، والمراد من "إن خرج" حركة حسني مبارك على اعتاب الظهور. حيث يدعي أن الموطئ للظهور شخص يقوم بتغيير اسم جده وإنه صاحب مصر وحاكمها، ويؤكد هذا المعنى أن المؤلف نفسه وصف في مؤلف آخر له الرئيس حسني مبارك "بأسد مصر" ورمز له بالشكل التالي" محمد ح".
ولو سلمنا أن الرواية تربط بين سقوط نظام الرئيس المصري وبين ظهور الإمام المهدي، ما هو الدليل على أنها تؤشر إلی ظهور حركة أحمد البصري والتبشير بحقانية مدعاه!!! اذ المتأمل فيها لا يجد أدنى مبرر موضوعي لهذا الادعاء المجانب للحقيقة قطعا.
*2. تقطيع الروايات
كثيرا ما يعمد المدّعون إلی اقتطاع جزء من الرواية وإخراجه عن سياقه العام لإضفاء الشريعة على ما يدعونه. علما منهم أن بقاء المقطع ضمن سياقه العام ونقل تمام الرواية لأنه لا يسند مدعاهم فحسب، بل يعطي دلالة واضحة على بطلانه، وإن الرواية بصدد الحديث عن شيء آخر لا علاقة له بالمدعى، ومن هنا صار اقتطاع النصوص منهجا يعتمده المشعوذون وأصحاب النحل المبتدعة والأفكار المنحرفة يجدون فيه ضالتهم المنشودة ليخدعوا به عوام الناس والبعيدين عن البحث العلمي.
والملاحظ أن البصري هذا وأتباعه لم يتخلفوا عن قافلة التزوير هذه وقاموا باعتماد هذه الطريقة الملتوية لإثبات حقانية ما يدعونه.
ألف) أحمد من البصرة
فقد استندوا إلی رواية تشير إلی أن صاحبهم من البصرة، وأن الصادق سمّـى أصحاب القائم لأبي بصير فيما بعد فقال: ... ومن البصرة أحمد.
هذه إحدى الروايات التي استندوا إليها لإثبات الإشارة إلی اسم أحمد، وأن أهل البيت عليهم السلام بشروا باسمه كأحد مصاديق إشارة الإمام السابق للإمام اللاحق.
مصدر الرواية:
الملاحظ أن المصدر الأول الذي سجل هذه الرواية هو كتاب دلائل الإمامة للطبري، وبالرغم من الجدل القائم بين الأعلام والتشكيك والريبة في الوسط العلمي من صحة نسبة الكتاب إلی مؤلفه محمد بن جرير الطبري المعاصر للشيخ الطوسي؛ لكن يبقى الكتاب في عداد الكتب والمصادر المتقدمة وأنه من مصنفات القرن الخامس الهجري ؛ وأما المصادر المتأخرة التي سجلت الرواية ومنها كتاب بشارة الإسلام- الذي أستقى منه أحمد البصري الرواية- فتنتهي إلی كتاب دلائل الإمامة هذا. وعليه فإن أقدم مصدر نقل الرواية يعود إلی القرن الخامس الهجري.
وبالعودة إلی المتن الأصلي للحديث نجد عملية التقطيع بادية للعيان حيث جاء فيها " ومن البصرة: عبد الرحمن بن الأعطف بن سعد، وأحمد بن مليح، وحماد بن جابر. ".
فالرواية صريحة بأن الشخص المذكور من البصرة هو "أحمد بن مليح" لا أحمد بن إسماعيل، فالرواية لا تصرح باسم اليماني المدعى بل وتشير بوضوح إلی العكس تماما بإشارتها إلی شخص آخر لاعلاقة له بصاحب الدعوة المذكورة.
ومن الملاحظ ان الرواية أشارت إلی ثلاثة دون ترجيح بينهما واعتبرتهما من علامات وأنصار الامام، فلماذا انفرد أحمد البصري بهذه الفضيلة ولم ينتظر ظهور صاحبيه؟!!
ب) أول انصار الإمام من البصرة،
من المقاطع التي اعتمد عليها أتباع البصري، ما روي عن علي(ع) أنه قال في الإشارة إلی أنصار الإمام المهدي(ع):... ألا وإن أوّلهم من البصرة. فالرواية صريحة بأن أول الأنصار من البصرة، ولما كان أحمد بن إسماعيل من البصرة فالرواية تنطبق عليه.
مصدر الرواية:
أول مصدر ذكر الرواية قبل كتاب بشارة الاسلام هو كتاب إلزام الناصب نقلها تحت عنوان "خطبة البيان" عن علي(ع) (لمزيد الاطلاع على هذه الخطبة وقيمتها السندية وأقوال العلماء فيها، أنظر، شهبازيان، ص 38)، ولاريب أن المصدرين ذكرا ثلاثة اسماء من أنصار الإمام البصريين صراحة حيث جاء فيها " ألا وإن أولهم من البصرة، وآخرهم من الابدال، فأما الذين من البصرة فعلي ومحارب" وهي واضحة الدلالة على كذب الرجل وتزييف بيّن لما يدعيه؛ إذ المفروض خلو الرواية من الإشارة إلی اسمه الصريح المعروف حتى بعد التلاعب بسلسلة النسب التي قام بها.
ج) نبوءة سطيح الكاهن
من الروايات التي استند إليها جماعة البصري نبؤة سطيح الكاهن والتي جاء فيها: " فقال سطيح : ... فعندها يظهر ابن المهدي. ولمّا كان أحمد البصري هو ابن الإمام المهدي حسب زعمهم فالرواية مبشرة بحتمية ظهوره وإنه المعني بابن الإمام.
والجدير بالذكر هنا أن المعتبر عندنا وفقا للثقافة الاسلامية عامة والشيعية خاصة أن الحجة والمعتبر هو الكلام الصادر من المعصوم خاصة وأما ما يصدر عن غيره من الكهنة والعلماء فلا قيمة له ما لم ينتهي إلی قول المعصوم، وعلى فرض التسليم بذلك إلا أن الجماعة مارسوا في هذه الرواية نفس المنهج التقطيعي مما يكشف عن مدى السطو العلمي الذي يمارسه هؤلاء الناس، والتلاعب بالنصوص التي تمارسها تلك الجماعة.
مصدر الرواية:
اقدم مصدر تعرض لذكر مقاطع من الحديث المذكور هو كتاب الملاحم لابن منادى (336هـ) من محدثي العامّة. وأما المصادر الشيعية فإن أقدم مصدر شيعي ذكرها هو كتاب "مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب البرسي (813 هـ ق)، وأما المصادر الأخرى المتاخرة كبحار الأنوار وغيره فقد اعتمدت في نقلها للخبر على كتاب مشارق أنوار اليقين هذا.
وبعد مراجعة كتاب مشارق أنوار اليقين وكتاب بحار الأنوار الذي اعتمده صاحب بشار الاسلام نجد أنه حدث تصحيف في العبارة الموجودة في "بشارة الاسلام" وحدوث سقط فيها، وان الصحيح هو (فعندها يظهر ابن النبي المهدي (المجلسي، بحار الانوار، ج 51، ص 163) ولا شك أن المراد منها الإمام المهدي نفسه، وهو المنسجم مع عقائد المسلمين التي تؤكد ظهور مهدي من أبناء النبي المصطفى (ص).
نعم، احتمل بعض دعاة البصري أنه من المحتمل وجود عبارة "ابن المهدي" في بعض النسخ القديمة وصلت لصاحب كتاب بشارة الإسلام ولم تصل إلی غيره. إلا أنه مجرد احتمال لم يقم عليه أدنى دليل، ولا توجد مخطوطة تحمل العبارة بالنحو المذكور، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن بشارة الإسلام استقى المعلومة من كتاب البحار، وإن جميع نسخ البحار ومشارق أنوار اليقين خالية من تلك النقيصة والسقط وإن الموجود فيها "ابن النبي المهدي"، ومعه لامجال للشك في حدوث الخلل في كتاب بشارة الاسلام وإن الاستناد إليه يجانب الحقيقة ويخالف الواقع. وبالرغم من التفاوت اليسير في بعض الألفاظ الواردة في البحار والواردة في كتاب مشارق أنوار اليقين، ولكن من حسن الحظ أنهما يجمعان على نقل العبارة المذكورة "ابن النبي المهدي" فلا تعارض بين النسخ في خصوص هذه العبارة جزما.
*3. التلاعب بمراد الروايات ودلالتها
من الأساليب التي يعتمده أحمد البصري وأتباعه، التلاعب بمفاد الروايات والأخبار وسوقها بالاتجاه نحو مدعياتهم رغم بعدها البين عن مدعاهم واختصاصها بشأن الإمام المهدي الموعود (عج)، نشير هنا إلی نماذج من تلك الاستنتاجات الملتوية لهذه المجموعة.
أ) له اسمان معلن وخفي
من الروايات التي استندت إليها هذه الجماعة، ما روي عن علي أمير المؤمنين(ع) أنه قال: يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين، بظهره شامتان، شامة على لون جلده وشامة على شبه شامة النبي(ص) له إسمان: إسم يخفى واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد، وأما الذي يعلن فمحمد. (الصدوق، ج 2، ص 653) مدعين بأن المراد من الرواية من كلمة "اسم" خصوص "الشخصية" لا الوجود اللفظي للكلمة، ومن هنا قالوا إن الرواية تشير إلی الشخصية الخفية (أحمد) مقابل شخصية الإمام المهدي المعروفة والبينة بين المسلمين.
ومما يثير العجب كثيراً، إنهم يعترفون عند التعرض لمصداق تلك الصفات المذكورة أن المراد منها هو الإمام المهدي(ع)، وأن أمير المؤمنين(ع) بصدد بيان الخصال الجسدية للإمام المهدي(ع)، ولكنهم مع ذلك وبلا ادنى دليل يرون أن ذيل الرواية يشير إلی شخصيتين. ولا يخفى مدى سذاجة هذا النوع من الاستدلال والتعاطي مع النصوص الحديثية والروائية، وإن ما استنبطوه منها يكشف عن هشاشة وضعف في الاستدلال وهزالة تفكير لا تخفى على أدنى مطلع فضلا عن الباحثين المختصين.
فمطلع الرواية واضح جدا بأن الإمام أمير المؤمنين(ع) كان بصدد الحديث عن خصائص وأسماء شخصية محددة لها اسم خفي وآخر معلن، لا الحديث عن شخصيتين، يتضح ذلك من الضمير المفرد في كل من "يخرج رجل"، "له"، و"يده"، فلاريب أن الاسمين يعودان إلی شخصية واحدة ويتحدثان عن إنسان واحد، وان حمل الكلام على شخصيتين مجازفة في القول وتعسف لا يصار إليه إلا إذا اعتمد الكاتب طريقة لي عنق النصوص وسحق قواعد اللغة والتفاهم العرفي.
ومن الواضح أيضا أن المراد من الاسم المخفي أن المتعارف بين الناس اسم محمد وأما الاسم الخفي أحمد فهو غير متعارف وخفي عادة عن الكثير.
وبالرغم من وضوح مدلول الرواية نجدهم يحاولون الهروب من المعنى الظاهر الواضح وتوجيه الرواية باتجاه المعنى المجازي "الشخصية"، حيث قال أحد كتابهم: بطبيعة الحال المتبادر من الاسم هو الأول، أي اللفظ الذي يوضع علامة علی الشخص، لا الشخص نفسه. ... ولكن لو كان المراد اللفظ فهو قد ذكره في نفس الرواية وفي نفس الموضع بقوله «فأحمد»، إذن لابد أن يكون المراد خفاء شخص القائم علی الناس.
وقد مرّ آنفاً أن سياق الكلام لا يساعد على التعدد خاصة مع وجود الضمائر المفردة في الحديث، وفي مقدمتها (يخرج رجل من ولدي)، فمن غير الممكن أن يكون الإمام علي بصدد الحديث عن شخصيتين مختلفتين، فالمتحصل أن الرواية تتحدث عن شخص واحد وبيان خصوصياتها، ولا يمكن التلاعب بها ولا مبرر لحمل الضمير المفرد على المثنى أو الجمع.
كذلك يمكن الرد عليهم أيضا، بأننا لا ننكر وجود روايات ناهية عن التصريح بالاسم الحقيقي للامام المهدي، ولكن في الأخبار صرحت به، إذا لا يمكن الادعاء بأن ما يدل على خفاء اسم الإمام الآخر للامام، إشارة الإمام علي(ع) إلی الاسم المخفي للإمام المهدي (عج)، وذلك لأن استعمال هذا الاسم بحد من الندرة صيره بمثابة الاسم الخفي والنادر الاستعمال وإذا كان المراد خفاء الاسم لماذا صرح به في الروايات وقد ذكر العلماء الأعلام في بحث وتوجيه مثلية اسم الإمام المهدي مع اسم النبي جملة بحوث.
وأخيراً نقول يوجد في ذيل الرواية مقطع مهم جدا يشير إلی الحوادث التي تقع على يد هذه الشخصية المبشر بها لا نرى مبررا لهروب البصريين منه وتجاهلهم له، إلا لكونهم يدركون جيدا أنهم لو ذكروه لوقعوا في إحراج كبير ولطالب الناس صاحبهم بالقيام ببعضها على أقل تقدير، خاصة أنهم يرجعون ضمير "يخرج" إلی صاحبهم أحمد البصري، وهي (إذا هز رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد، وأعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلاً، ولا يبقى ميت إلا دخلت عليه تلك الفرحة وهو في قبره، وهم يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بقيام القائم صلوات الله عليه).
ب) الإمام المهدي يكنّى باسم عمّه
يعتمد أتباع أحمد الحسن رواية عيسى الخشاب قال: قلت للحسين بن علي(ع): أنت صاحب هذا الأمر؟ قال: لا، ولكن صاحب الأمر الطريد الشريد، الموتور بأبيه، المكنى بعمّه، يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر.(ابن بابويه، 115، الصدوق، ج 1، ص 318)
وجاء في وجه استدلالهم بالحديث بأنه من الواضح أن الإمام المهدي (عج) يكنى بأبي القاسم فلا تتطابق كنيته مع اسم عمّه العباس بن علي بن أبي طالب، فلابد أن تكون الرواية ناظرة إلی شخص آخر يكنى بأبي العباس، وهو أحمد البصري. هكذا يستدل الرجل واتباعه المنظّرون لدعوته. يقول أحمد البصري في شرحه لعبارة "المكنى بعمّه": والمراد من الكنية هنا، أي: أبو فلان. وعمّه المقصود في الرواية العباس بن علي(ع)؛
والملاحظ أن البصري لم يبين لنا التبرير المنطقي والدليل الموضوعي على كون المراد من "عمّه" المذكور في الرواية هو خصوص "العباس بن علي بن أبي طالب"، مع احتمال أن يكون المراد من عمّه الإمام الحسن المجتبى أو سائر إخوة الإمام الحسن العسكري كجعفر بن علي(ع).
ثم أن المنهجية العلمية الصحيحة والتعاطي الموضوعي مع الحديث المذكور يقتضي عرضه على الكلمات النورانية والأحاديث الربانية الأخرى الصادرة عن أهل البيت عليهم السلام لرفع الإبهام والإجمال في هذا الحديث ببركة الأحاديث الأخرى من باب تفسير الحديث بالحديث كتفسير القرآن بالقرآن (انظر: الكليني، ج 1، ص 63)، وعليه عندما نعرض الحديث المذكور على سائر الأحاديث تتجلى لنا وبوضوح رسالة الحديث، وأنه من المحتمل أن يكون المراد من "عمّه" عمّ الإمام المهدي جعفر بن الحسن العسكري، فقد روى الشيخ الصدوق عن الإمام الحسن العسكري أن الإمام المهدي يكنى تارة بأبي القاسم وأخرى بأبي جعفر.(انظر: المجلسي، ج 51، ص 38)، قال الشيخ الصدوق، حدثنا محمد بن علي ماجيلويه(رض) قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار قال: حدثنا الحسين بن علي النيسابوري قال: حدثنا الحسن بن المنذر، عن حمزة بن أبي الفتح قال: جاءني يوماً فقال لي: البشارة، ولد البارحة في الدار مولود لأبي محمد(ع)، وأمر بكتمانه، قلت: وما اسمه؟ قال: سمي بمحمد وكني بجعفر.(الصدوق، ج 2، ص 432)
وفي حديث آخر يصرح بنفس المضمون، قال أبو الحسن علي بن محمد بن حباب، عن أبي الاديان قال: قال عقيد الخادم قال أبو محمد ابن خيرويه التستري، وقال حاجز الوشاء كلهم حكوا عن عقيد الخادم، وقال أبوسهل ابن نوبخت قال عقيد الخادم: ولد ولي الله الحجة بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين ليلة الجمعة غرة شهر رمضان من سنة أربع وخمسين ومأتين للهجرة ويكنى أبا القاسم ويقال أبو جعفر ولقبه المهدي.
ج) الانتساب إلی الإمام الحسن العسكري وإبدال اسمه باسم "الحسن"
من الأمور التي لوى فيها أتباع أحمد البصري عنق النص وحرفوه بالاتجاه الذي يخدمهم تطبيقهم اسم الحسن على صاحبهم وادعاء أن صاحبهم اسمه "أحمد الحسن"، وإن نسبه ينتهي إلی سلسلة أهل بيت النبوة (ع) استنادا إلی حديث روي عن المفضل بن عمر عن الإمام الصادق(ع): ".. صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربي مبين، يسمع من في السماوات والأرضين: يا معشر الخلائق هذا مهدي آل محمد، ويسمّيه باسم جده رسول الله ويكنيه بكنيته وينسبه إلی أبيه الحسين الحادي عشر إلی الحسين بن علي صلوات الله عليهم اجمعين بايعوه تهتدوا ولا تخالفوا أمره فتضلوا".
وهذا الاستدلال يكشف عن مدى جهل الجماعة وتخبطها في التعاطي مع الاحاديث، إذ من الطبيعي أن استدلالهم بحديث "يكنى باسم عمّه" وإنه ينطبق على البصري الذي يكنى بأبي العباس ، لا يسمح لهم مرة أخرى بالاستدلال بحديث آخر يصرح بأن كنيته "أبو القاسم". فهذه الرواية صريح بأن المراد منها الإمام المهدي وإن اسمه اسم رسول الله وكنيته كنية جده. (الصدوق، ج 1، ص 287)
يضاف إلی ذلك، إن سياق الكلام والعبارات السابقة واللاحقة لتلك العبارة تتحدث كلها عن الإمام المهدي وتنطبق عليه، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنها تصرّح بأنه ولد عام 254 هـ ق ، وأنه يبايع بين الركن والمقام وأن عدد أنصاره 313 وأن الإمام الحسين يناصر دعوته. وجاء في مقطع آخر من الرواية جاء الحديث عن النداء باسمه وكنيته اللذين ينطبقان على اسم وكنية رسول الله(ص)، وهو ينسجم مع هذا المقطع من الرواية.
* المتحصّل
تحصّل مما مرّ بأنه لا مجال للشك والريبة في اندراج أحمد البصري واتباعه تحت مظلة المدعين الكذابين، وأنهم يستندون في دعم أكاذيبهم وتعزيز مقولتهم المزيفة إلی الأحاديث غير المعتبرة تارة، ويعمدون إلی تقطيع النصوص واختيار ما يوافق مزاجهم تارة أخرى، فضلا عن التلاعب والتحريف لمضامين الأحاديث وحملها على معان بعيدة جدا عنها. وقد أشرنا إلی عيّنات قليلة تكشف إلی حدّ ما مدى انحرافهم الفكري وزيف منهجهم وبطلان ادعائهم.
انتهت
*المصدر: موقع الشیعة الإلکتروني