زیارة سماحة الشيخ علي الخطيب العاملي، نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، المركز الإعلامي و الفضاء الافتراضي للحوزات العلمية
زار سماحة الشيخ علي الخطيب العاملي، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، المركز الإعلامي و الفضاء الافتراضي للحوزات العلمية، بدعوة من مجلة «الآفاق» الأسبوعية.
في هذا اللقاء، طرح رئيس تحرير المجلة، أسئلة حول نشأة المجلس و دوره و أهدافه و نشاطاته:
الآفاق: حبذا لو تضعونا في المخاضات التاريخية والأحداث السياسية و الاجتماعية لتأسيس المجلس.
العلامة الخطيب: بسم الله وبالله، أولاً أشكر دعوتكم لنا إلى هذا اللقاء المبارك، وأتوجه بالشكر والتقدير لكم وللعاملين في هذا الصرح الشريف.
عرف لبنان أحداثا سياسية واجتماعية جمة، على مر العصور، كبقية بلداننا الإسلامية والعربية، وكان للبنان وضعا خاصاً لموقعه الإستراتيجي على شاطىء البحر الأبيض المتوسط، حيث الحملات الصليبية، ومرافئ التجارة نحو الغرب، فهو بوّابة الغرب نحو الشرق، وبوبابة الشرق نحو الغرب؛ لذلك كانت تتوالى عليه الأحداث التي تعكس المتغيرات في خرائط المنطقة سياسيا و اجتماعيا.
وإذا بدأنا بالحكاية من عهد الحكم العثماني، فهي الفترة التي غيّرت وجه لبنان، من حيث الموقع و التأثير في بقية المنطقة.
تلك الحقبة من الزمن بما حملته من حروب، عانى فيها الشيعه أشدّ أنواع التنكيل والتهجير، كان لها تأثيراً عميقاً وجيوإستراتيجياً على التشكيل الجيوسياسي فيما بعد. وعند سقوط الدولة العثمانية، وقع لبنان فريسة الانتداب الفرنسي، حيث تمّ بناء نظام سياسي طائفي، حُرم فيها الشيعة من حقوقهم السياسية والاجتماعية، ولم يكن لهم في تركيبة النظام شأن يذكر، من حيث المشاركة في السلطة أو الوظائف العامّة أو القرار السياسي أو الإنماء المتوازي مع بقية المناطق، وسعى علماؤهم وقادتهم في تحسين أوضاعهم دون كلل أو ملل، وأبرز من قاد هذا التحرك، الإمام عبد الحسين شرف الدين؛ صاحب كتاب «المراجعات»، إلى أن جاء سماحة الإمام السيد موسى الصدر.
عمل الإمام على لمّ شمل الطائفة، وتوحيد طاقاتها، وجاهد ليلا ونهارا، من أجل الاعتراف بحقوق الطائفه السياسية والاجتماعية والانمائية، فوجد أنّ لكل طائفة في لبنان مجلسا مليّا يرعى شؤونها، فعمِل على تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، أسوة ببقية الطوائف في لبنان، وبعد مخاضات عسيرة، تم تأسيس المجلس، ليرعى الطائفه الشيعية ككل ويسهر على مصالحها، وكانت أولى مشاريعه طرح تعديل صيغة النظام السياسي القائم على الطائفية السياسية حيث تم تقسيم المراكز والوظائف بين الطوائف تعديله إلى نظام قائم على اساس غير طائفي. وبعبارة أخرى إلغاء الطائفية السياسية وبناء الوطن على أساس العدالة الإجتماعية والكفاءة والإنماء المتوازن بين المناطق اللبنانية ورفع الحرمان عن المناطق التي أهملها النظام وهي المناطق التي أسموها بالأطراف وتشمل الغالبية من اللبنانيين ويشكل الشيعة أكثريتها.
ولكن لم تكن مشكلة الطائفة الإسلامية الشيعية في لبنان تقتصر على مشكلة التهميش الداخلي وحرمانها من المشاركة في القرار السياسي والإنمائي؛ بل تعداها إلى مشكلة أخطر وهي مشكلة وجودية تشكل خطرا وجوديا على الطائفة والمناطق التي تتواجد فيها، حيث العدو الصهيوني المحتل لفلسطين المحاذية لجبل عامل وهو الطامع بمياهه وبخيراته وموقعه الإستراتيجي ولذلك كان عرضة للاعتداء المتكرر من قبله وتهجير سكّانه دون أن تقوم الدولة بالدفاع عنه أو تتحمل أدنى مسؤولية تجاه اهله.
إضافة إلى أن جبل عامل استقبل الفلسطينين الذين طردوا من بلادهم بفعل الاحتلال الصهيوني وتعاطف مع قضيتهم واعتبرها قضيته لأنه فهم باكرا المشروع الصهيوني على المنطقة والأطماع الصهيونية بجبل عامل فتحمل إلى جانب ما كان يعانيه جراء إهمال الدولة له ومعاناته الفقر والحرمان والحاجة، تبعات الوجود الفلسطيني والقضية الفلسطينية التي اعتبرها قضيته وانخرط في المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني وقدم في هذا الطريق أعظم التضحيات ووقف المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بقوة مع المقاومة مساندا لها سياسيا واجتماعيا وحاميا وموجها ومنبها من خطورة الانحراف في الأهداف والذهاب إلى التدخل في المشكلة الداخلية اللبنانية، لأنه الفخ الذي نصب لها ولأنه سيفقدها التأييد والحماية الداخلية ويعطي المبرر الداخلي والخارجي للقضاء عليها ولكنها لم تستمع الطبقة السیاسیة الحاکمة والقوی الحلیفة لها للنصيحة فانخرطت في الحرب الأهلية الداخلية وأعطيت الفرصة للعدو الصهيوني لاجتياح جنوب الليطاني في عام ١٩٧٨ في عملية سميت باسم جنوب الليطاني الذي سهل للعدو والمتواطئين معه من الدخول بعد ذلك فيما سمي بـ«عملية السلام كامب ديفيد» التي أعقبها الاجتياح الصهيوني للبنان واحتلت عاصمته بيروت بتواطيء؛ بل تعاون مفضوح من قبل اليمين المسيحي ووقع جبل عامل ضحية هذه المؤامرة تحت الاحتلال الصهيوني.
لقد أدرك المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بقيادة الإمام موسى الصدر باكرا خطورة ما يجري وضرورة الاعتماد على نفسه حين فشل في إقناع الطبقة الحاكمة بضروة إصلاح النظام وخطورة ما يجري من التعارض بين القوى السياسية وفشله في إقناعهم بأن هذا سيؤدي إلى الحرب الأهلية وخطرها الوجودي على لبنان والأكثر على المسلمين الشيعة ومناطقهم وأن الحرب الأهلية ستفتح شهية العدو الصهيوني لاجتياح لبنان وطرد المسلمين الشيعة منه لما يشكلونه من خطر على الكيان الغاصب بوجودهم في جوار فلسطين المحتلة.
قرأ المجلس الشيعي بقيادة الامام الصدر هذه الأخطار القادمة ووجد أن الجنوب ليس لديه من يحميه بل هناك تواطؤ عربي ودولي وتآمر من قبل الأطراف في الداخل اللبناني الذين انخرطوا في المؤامرة وأدخلوا لبنان في الحرب الأهلية حيث عمل جاهدا على إخمادها دون جدوى واتهم زورا بالتآمر على القضية الفلسطينية. عند ذاك، لم يجد بُدّا من إنشاء المقاومة للدفاع عن لبنان والجنوب والقضية الفلسطينية بالتعاون مع الرئيس حافظ الأسد الحريص على القضية الفلسطينية وعلى لبنان.
مما دعا القوى الداخلية والخارجية الداعمة للكيان الصهيوني إلى التآمر مع القذافي المقبور باخفاء الإمام السيد موسى الصدر الذي كان وجوده يشكل حاجزا أمام استكمال المؤامرة فكان اختطافه مقدمة لاجتياح لبنان عام ١٩٨٢ والقضاء على الوجود المسلح الفلسطيني فيه وهيأ لمسار الاستسلام العربي بعقد إتفاقيات الاستسلام المذلة ولكن المسار الذي انتهجه الشيعة في لبنان لم ينتهي كما أمل الأعداء وبقيت شعلة المقاومة مستمرة وكان من مشيئة الله تعالى أن تنجح الثورة الإسلامية في ايران بقيادة الإمام الخميني قدس سره فأخذت المقاومة دفعا قويا لم يقتصر على المعنويات لأبناء هذه الطائفة فحسب؛ بل بما قدمته قيادة الجمهورية الإسلامية أيضا من دعم مادي تسليحي وتدريبي ومالي وشكل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الغطاء السياسي الداخلي لها
ومازال يقوم بهذا الدور.
من هنا كان المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى يقوم بدور الحامي للقضية الفلسطينية، ويشكل الغطاء الشرعي داخليا لها وكذلك للمقاومة اللبنانية الإسلامية والوطنية التي عمادها «حزب الله» و«حركة أمل». كما كان موئلا لنصرة الثورة الإسلامية في ايران.
الآفاق: نشكركم على هذا العرض و نأمل أن يكون لنا لقاءات اخرى، و شكرا لكم!