printlogo


printlogo


قراءة في کتاب
الأساطير الإسرائيلية.. ما الذي أغفله غارودي؟
يقول المؤلف: "لم تؤسس الصهيونية دولة مدنية برجوازية، بل أسست نموذجاً للدولة القديمة ما قبل الرأسمالية، هي الدولة - القلعة القائمة على التخادم السياسي".

 لبيب فالح طه
في عام 1996 أصدر الكاتب الفرنسي روجيه غارودي كتاب "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية". الكتاب، الذي تُرجم إلى العربية في عدة طبعات في أعوام لاحقة، ملأ الدنيا وشغل الناس، وواجهته جماعات الضغط اليهودية وتمت محاكمة مؤلفه عام 1998 بتهمتي العنصرية ومعاداة السامية.
بعد ربع قرن على صدور كتاب غارودي المذكور، صدر كتاب للدكتور موفق محادين عن دار الصايل للنشر والتوزيع في عمان، عام 2022، بعنوان "الأساطير الإسرائيلية التي أغفلها غارودي -جماعات لا جماعة مركزية".
جاء الكتاب في (102) صفحة بما فيها المراجع والفهرس، وتناول ثلاثة عناوين رئيسة، هي: الأساطير المنسية: أكذوبة الجماعة المركزية، أكاذيب التأصيل التاريخي، وأكاذيب معاصرة.
تحت عنوان "الأساطير المنسية: أكذوبة الجماعة المركزية"، تحدث الباحث عن: "اليهود جماعة أم جماعات، الابن الأصغر وليس الأب المركزي، العقم المركزي مقابل الإنجاب بالنعمة، انبعاثات زمنية وليس مكاناً مركزياً، آلهة وليس إلهاً مركزياً، نظام ربوي إقطاعي لا نظام مصرفي مركزي، ثقافة رعوية جوابة لا ثقافة جماعة مركزية، خزر أتراك ومصريون لا جماعة مركزية واحدة، حلول مركزية وهمية، وتفكيك مركزية الآخر (البروتوكولات تؤسس للتفكيكية)".
تحت عنوان "أكاذيب التأصيل التاريخي"، تحدث عن ثلاثة مواضيع هي: كتاب الكتب، ذاكرة المدن المزعومة وتغريبة (بني إسرائيل).
تحت عنوان "أكاذيب معاصرة"، تحدث الباحث عن كل من: "دولة الأنابيب والعقم التاريخي، إسرائيلهم وإسرائيلنا، المحرقة ومعاداة السامية، المؤرخين الجدد في "إسرائيل"، الصهيونية أيديولوجيا برجوازية، العرقية النازية في صورتها اليهودية، أكاذيب الديمقراطية والعلمانية والدولة القومية".
تحت عنوان "الأساطير المنسية: أكذوبة الجماعة المركزية"، يتناول الباحث التسميات المتعددة التي يخلطها العدو الصهيوني عامداً متعمداً، كأنها شيء واحد، وهي اليهودية والعبرانية والإسرائيلية والموسوية، بحيث يقول "إن بني إسرائيل هم أحفاد يعقوب، وإنهم إحدى القبائل العربية القديمة، أما إسرائيل الحالية فهي مزعومة وغالبية سكانها ينحدرون من قبيلة الخزر التركية التي تهودت في القرن السابع الميلادي. العبرانيون هي قبيلة يعقوب التي عرفت الترحال والتجوال بين البلاط الفارسي والفرعوني. أما اليهود فهم ينسبون إلى يهودا وجاءوا بعد موسى بعدة قرون، وهم كما يقول كمال الصليبي يُنسبون إلى راعي شعاب في عسير". وينفي الباحث علاقة موسى باليهود والعبرانيين. ليس دورنا هنا ترجيح أيّ من السرديات المذكورة، أو نفيها، لكن ما نستطيع أن نؤكده هو صحة فرضية، مفادها أن اليهودية والعبرانية والإسرائيلية والموسوية ليست مسمى للشيء نفسه.
يرى الباحث أن الزمن هو العنصر الأساسي الحاسم لليهودية، أما الصورة والمكان فليسا مكان اليهودي الذي يعيش زمانه متجولاً. من ناحية الآلهة فهي آلهة متعددة، فهناك الله و(يهوه) و(الوهيم) و(تموز). كما يعرض الباحث بعض التباينات في تاريخ تدوين التوراة وبعض الاختلافات في رواياتها.
تحت عنوان "نظام ربوي إقطاعي لا نظام مصرفي مركزي"، يقول الباحث إن الجماعات اليهودية ارتبطت بالنظام الربوي الذي ازدهر في المجتمعات الإقطاعية، وانهار معها لمصلحة التحولات البرجوازية التي أساسها النظام المصرفي لا النظام الربوي. كما يرى الباحث أن ثقافة اليهود هي ثقافة رعوية جوابة لا ثقافة جماعة مركزية. يرى الباحث حلولاً مركزية وهمية في مقابل العقلانية التاريخية، بحيث انعدمت العقلانية في الصوفية الصهيونية وتعاليم الأحبار المليئة بالأساطير والتجليات الصوفية.
تحت عنوان "أكاذيب التأصيل التاريخي"، تحدث عن ثلاثة مواضيع هي: كتاب الكتب، ذاكرة المدن المزعومة وتغريبة (بني إسرائيل).
كتاب الكتب الخالد (أم المسروق) هو التوراة الذي يقول عنه إنه كتاب تضمن من الخرافات والفضائح ما  لم يتضمنه أي كتاب آخر، بحسب روايات سبينوزا وموريس بوكاي والأب دي شاردان وغيرهم. ويقول إنه أخذ من المصريين فكرة الختان وتحريم الخنزير، وأخذ من سومر وأكاد وبابل فكرة الطوفان كما في ملحمة جلجامش.
أما المدن المزعومة فعند الحديث عن القدس، يقول الباحث انه لا يوجد أي شرعية مقدسة للوجود اليهودي في القدس، وظلت كذلك حتى ظهورها لأول مرة في سفر القضاة كمدينة يبوسية تحت سيطرة الملوك الكنعانيين الخمسة. ولم تتحول إلى مدينة دينية عند اليهود إلا بعد خمسة قرون من خروجهم من مصر، ويربعام بدّل أورشليم بشكيم. كما أن القدس لم تجد الاهتمام من الحركة الصهيونية إلا في أربعينيات القرن العشرين، ولم يطالب هيرتزل بذلك، كما لم يذكرها بن غوريون في زيارته الأولى لفلسطين عام 1906، كما لم يرد ذكر خاص لحائط البراق (الذي يسمونه المبكى). وهو، في رأي الدكتور عبد الوهاب المسيري، مجرد اختراع متأخر من اختراعات الفكر الحلولي تقاليد المزارات الشرقية. كما يتناول الباحث أسطورة المسادا ومدينة أور.
كما ينفي الباحث تغريبة (بني إسرائيل)، فالتوراة مشكوك في نسبتها إلى موسى، بحيث يرد فيها: قال موسى، ذهب موسى، مات موسى. كما ينفي إسقاط إسرائيل القديمة على إسرائيل الجديدة، بحيث يرى أن "إسرائيل" القديمة هي "إسرائيلنا" لأنها مجموعة من القبائل السامية الشرقية الرعوية المتخلفة وجزء من التاريخ والجغرافيا للشرق العربي القديم، أما "إسرائيل" الحالية فهي جزء من التاريخ والجغرافيا لأوروبا ومحمية إسبارطية للدفاع عن المصالح الغربية.
تحت عنوان "أكاذيب معاصرة"، تحدث الباحث عن كل من: "دولة الأنابيب والعقم التاريخي، إسرائيلهم وإسرائيلنا، المحرقة ومعاداة السامية، المؤرخين الجدد في "إسرائيل"، الصهيونية أيديولوجيا برجوازية، العرقية النازية في صورتها اليهودية، أكاذيب الديمقراطية والعلمانية والدولة القومية".
عندما يعود الباحث إلى الحديث عن دولة الأنابيب والعقم التاريخي يؤكد نقطتين هما أن الديمقراطية "الإسرائيلية" هي نسخة عن الديمقراطية الجرمانية القائمة على اعتراف حقيقي بالتعددية الداخلية في مقابل سلوك عدواني فاشي إزاء الخارج العربي والفلسطيني، وأن الأيديولوجية الصهيونية ليست تعبيراً ثقافياً يهودياً عن مجتمع متمدن بقدر ما تعبر عن داروينية اجتماعية مشبعة بأيديولوجيا عزلة رعوية، خارج التاريخ، لوظيفة مدفوعة الأجر.
يفرق الباحث بين ما يسميه "إسرائيلنا" القائمة على التي يقول عنها إنها أخذت اسمها وطموحها وعلاقتها من تراثنا ولغتنا وطقوسنا، وبين "إسرائيلهم" الخزرية الغربية الحالية، والتي هي جزء من الغرب ضد الأمة التي لا تربطها أي علاقة بالقبائل اليهودية العربية ومملكة إسرائيل العربية القديمة. قد يبدو الحديث عن القبائل اليهودية العربية متناقضاً، لكن عند إدراك أن اليهودية ديانة فهذا يعني أن اليهود منهم عرب كما يوجد يهود من القوميات الأخرى.
أما عن المحرقة، فيقول الباحث إن أول محرقة نفذها اليهود ضد نصارى نجران، وهي موثقة في القرآن الكريم، وإحراق غزة وغيرها بالفوسفور الأبيض هو امتداد لمحرقة نجران.
أما معاداة السامية فهي مفهوم غير علمي وغير تاريخي أشاعه شلوتسر وولفنسون، كون اليهود من قبائل الخزر كما يؤكد الباحث كوستلر، وهي اليوم سوط يُهدَّد به كل من يرفض سياسة الحركة الصهيونية و"إسرائيل".
من ادّعوا أنهم المؤرخون الجدد في "إسرائيل" كشفوا وجههم الحقيقي وتبين أن ثورتهم المزعومة في الرواية "الإسرائيلية" مجرد كذب حين حمّلوا الفلسطينيين مسؤولية انهيار محادثات "السلام" المزعوم. أما الحديث عن الصهيونية كأيديولوجيا برجوازية فهو يقول إنها أيديولوجيا طائفية ما قبل الرأسمالية في خدمة الرأسمالية؛ فهي لم تتكون كدولة قومية برجوازية خارج الدين، الذي كان فصله عن الدولة شرطاً لتكون الدولة البرجوازية، بل كان تأسست كدولة دينية.
كما أن "إسرائيل" لم تتأسس بصورة طبيعية كسائر دول العالم، ولم تعبر عن مصلحة برجوازية معينة في بناء دولة خاصة بها.
كما يرى الباحث أن اليهودية النموذجية تمثل صورة العرقية النازية، فالصهاينة مثل ناحوم سوكولوف يرون أن اليهود وحدة عرقية وتاريخية وثقافية، ويرى هيرتسل أن اليهود أمة قائمة بذاتها لم تستمر إلا بفضل خصائصها الاستثنائية، هذه المفاهيم وغيرها مفاهيم ألمانية عرقية تتم تغذيتها بالتوراة.
يتحدث الكاتب عن قرون من الصراع بين اليهود والمسيحيين، ونشأ تحالف بين الطرفين. ومن ضرورات هذا التحالف توحيد الكتاب المقدس بحيث أصبح هناك عهد قديم وجديد، وتبرئة اليهود من دم المسيح.
تحت عنوان أكاذيب الديمقراطية والعلمانية والدولة القومية، يتحدث عن أن الديمقراطية "الإسرائيلية" ليست ديمقراطية برجوازية مدنية، بل هي الديمقراطية الجرمانية العرقية، ورجال السياسة من الأحزاب غير الدينية يتحدثون بمنطق ديني عنصري عن شعب الله المختار والعودة إلى صهيون وغيرها، والديمقراطية لديهم لا تشمل غير اليهود، والدولة القومية لم تتشكل في إطار حاجة برجوازية قومية على أرضها التاريخية، وضمن تشكيلة اجتماعية متجانسة، بل من مجاميع وسلالات متناثرة، ولوظيفة إقليمية خارجية.
يتحدث عن كذبة، مفادها أن اليهود حولوا أحلام مؤتمر بال إلى كيان في الشرق الأوسط، والصحيح أنها وُلدت كما وُلدت القبائل اليهودية القديمة بفضل شرط خارجي ملتبس في وقائعه ومعطياته وحفرياته. كما يقول الباحث إنه "لم تؤسس الصهيونية دولة مدنية برجوازية، بل أسست نموذجاً للدولة القديمة ما قبل الرأسمالية، هي الدولة - القلعة القائمة على التخادم السياسي".
المصدر: المیادین