printlogo


printlogo


مقالة
الإسلام ينبذ الخرافات
لا تقتصر الخرافات والشعوذة على المجتمعات الحالية، فهي عرفت منذ القدم، فمنذ أكثر من أربعة آلاف سنة، كان الناس يتطيّرون ويتشاءمون. وقد وجد في الحفريّات والآثار الفرعونيّة والسومريّة والبابليّة والعبريّة، الكثير من المنحوتات التي تتضمّن التمائم والكتابات التي تدفع شرّ الشيطان وشرّ الحسد.

وقد ربط الفلاسفة وعلماء الاجتماع ظهور الخرافات وانتشار الشعوذة بالضعف والجهل، فكلّما سيطر الجهل وعمّ الضعف في المجتمع، كلّما زادت حركة المشعوذين وراجت الخرافة.
 
* تعلّموا من النجوم ما يُهتدى به
وفي صدر الإسلام، بقيت هذه الحركة ولو بشكل ضعيف. ويحدّثنا التاريخ عن محطات عدّة، منها ما روي من أنّ أمير المؤمنين عليّاً(ع) لمَّا عزم على المسير إلى الخوارج قال له أحد أصحابه: يا أمير المؤمنين، إنْ سِرْت في هذا الوقت خشيتُ أن لا تَظفر بمرادك، من طريق علم النجوم، فقال (ع): "أتزعم أنَّك تَهدي إلى الساعة الّتي من سار فيها صُرف عنه السوء، وتخوِّف من الساعة الّتي من سار فيها حاق به الضُرّ؟ فمن صدَّقك بهذا فقد كذَّب القرآن، واستغنى عن الاستعانة بالله في نيل المحبوب ودفع المكروه، وتبتغي في قولك للعامل بأمرك أن يُوليك الحمد دون ربِّه، لأنَّك بزعمك أنت هديته إلى الساعة الّتي نال فيها النفع وأمِنَ الضُرُّ".
 
ثمَّ أقبل (ع) على الناس فقال:  أيَّها الناس، إيَّاكم وتعلُّم النجوم إلّا ما يُهتدى به في بَرٍّ أو بحر، فإنَّها تدعو إلى الكهانة، والمنجّم كالكاهن والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار، سيروا على اسم الله.
 
* تعطيل للعقل
أما الآن فتعاني مجتمعاتنا من انتشار الخرافة والشعوذة وسيطرتهما على عقليّة فئة كبيرة من المجتمع تفضّل تعطيل ملَكة العقل التي هي نِعمة وهِبة من الله عزَّ وجلَ وهَبها للإنسان ليوظّفها في خدمة نفسه وحلّ مشاكله وخدمة المجتمع والرقيّ بأفراده، واللجوء إلى "عيادات" المشعوذين والدّجّالين.
 
* أسباب اللجوء إلى الخرافة
يُجمع علماء الاجتماع والفلاسفة، أنّ السبب الأول في اللجوء إلى الخرافة هو الجهل، ومن ثمّ الخوف والضعف، ومن هذه الأسباب:
1- الوصول إلى حالة من اليأس والقنوط من رحمة الله سبحانه وتعالى تجعلهم يلجأون إلى أمثال هؤلاء المشعوذين الذين يوهمون المصاب بامتلاكهم الكثير من الحلول وأنّ لديهم القدرة على شفائهم، من معاناة أو مرض.
2- الوصول إلى قناعة أنّ العلاج ليس شافياً بسبب عدم التشخيص الدقيق لما أصابهم من مرض وما حلّ بهم من داء. ويبرّر هؤلاء لجوءهم إلى هذه الطريق بأنّ أنواعاً عديدة من العلاج لم تؤدّ إلى شفائهم.
3- بعض هؤلاء المرضى غير مصابين بأمراض عضوية، وإنّما هم مصابون بأمراض نفسيّة، وحيث إنّ التشخيص الأوليّ لأمراضهم غير دقيق ومكرّر، فإنّ مراجعتهم لعيادات الأطبّاء تجعلهم يشعرون أن لا فائدة من مراجعة العيادات والمستشفيات، خاصة وأنّهم يتوهّمون أنّهم مصابون عضويّاً، وهم خلاف ذلك.
4- البعض من المرضى النفسيين، بل الأغلب، يخجلون من المصارحة والمكاشفة بمثل هذه الأمراض.
5- إنّ أغلبية الناس الذين يذهبون إلى المشعوذين هم من الطبقات التي تمكّنت الخرافة والأوهام من التسلّل إلى عقولهم.
6- ضعف الإيمان ومحاولة إيجاد حلول للمشاكل والسيطرة عليها بأسهل طريقة وأبسطها وأقلّها تكلفة.
 
* مظاهر الشعوذة
للشعوذة مظاهر عدّة، أهمها:
ادّعاء علم الغيب - السحر - المبالغة في تعليق التمائم - التطيّر (التشاؤم) - المبالغة في الأذكار والأرقام - المبالغة في استخدام الاستخارة والرقية والطلاسم، وكذا السحر والحسد.
 
وهناك مظاهر أخرى تتجلّى في ادّعاء بعض المضلِّلين الصلاح، ويخدعون الناس باسم الدين (الشيخ الروحانيّ والشيخة الروحانيّة) فيلتفّ حولهم المُغَرَّر بهم، ويقدّمون لهم الهدايا ويولمون الولائم، ويتّخذ بعضهم الخطّ على الرمل، والضرب بالحصى، أو شرب الماء الساخن، أو النظر إلى النجوم... وسيلة لتضليل الناس. ومن البدع الضالّة التي سبّبها انتشار الفكر الخرافيّ، التبصير والتنجيم والأبراج وما شابه ذلك.
 
* الإسلام حارب الشعوذة
إنّ الإسلام دين العقل، وقد رفع الله به شأن الإنسان وميّزه عن باقي الكائنات الأخرى. لكنّ هذا لم يغيّر بعد الواقع المعاش، فكثير من الناس لا زالوا يؤمنون بالخرافات التي انتشرت في العصر الجاهليّ، ومنها فعل الشعوذة وفعل السحر، وقد قال الله تعالى في من يتعلّمون السح : ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ﴾ (البقرة: 102). لذا، فالمسلم لا بدّ من أن يحكم بما وهبه الله من نعمة الدين المنافية للخرافات والشعوذة، ونعمة العقل التي بها نحارب هذه الخرافات. ولا ريب في أنّ لمختلف وسائل الإعلام أثراً قويّاً في انتشار الكثير من أنواع السحر والشعوذة.
في دراسة ميدانيّة، تمّ اختيار شريحة متنوّعة من الناس لمعرفة مدى تفاعل المجتمع مع الخرافات المختلفة، وقد خلصنا إلى النتائج الآتية:
 
* نتيجة الاستقصاء
تناول التحقيق الميدانيّ عدداً من الأفراد بلغ 450، منهم 200 من الذكور، و250 من الإناث من بين طلاب المدارس والجامعات والمعاهد العليا وغير الطلاب.
- تبيّن أنَّ الإيمان بخرافةٍ ما يختلف باختلاف محتواها؛ إذ تتراوح نسبة الاعتقاد في الخرافات المختلفة ما بين 5 في المئة و41 في المئة.
الخرافات الأكثر انتشاراً           النسبة %
أنّ الحسد يؤثّر في حياة الناس   41
الاعتقاد بأنّ هناك أرواحاً طيّبة وأخرى شريرة         29
تأويلات الأحلام تتأرجح بين البشائر والمصائب       19
الخرافات الأقل انتشاراً             النسبة %
يُفيد السحر في حدوث الحمل في حالات عقم النساء   9
من الممكن أن تعرف حظّك عن طريق العرّافات      11
قراءة الفنجان تكشف عن المستقبل            19
إنّ التمائم تساعد الفرد على قضاء حاجاته 9
أنا أؤمن بصدق الحظّ الذي أطالعه في الصحف        5
يفيد السحر في علاج بعض الأمراض العصبيّة         8
يفيد السحر في علاج بعض الأمراض العضويّة الصعبة           10
 
- 45 في المئة من مجموع أفراد العيّنة يؤمنون أنَّه من الممكن أن يصيب الإنسان مسّ من الجنّ.
- 41 في المئة يعتقدون أنّ السحر يتسبّب في حدوث الكره والطلاق بين الأزواج.
 
* الخرافة العلميّة والعمليّة
إنّ سبب ظهور الخرافة العلميّة والعمليّة في مجالَي الفكر والتعاليم الدينية يرجع في الأساس إلى سيطرة الجهل، سواءٌ على المستوى النظريّ أم العمليّ. كما إنّ نموّ وتكاثر الخرافة يرجعان، بالدرجة الأولى، إلى انتشار الجهل وشلَل عمليّة التفكير العلميّ.
 
ورغم حضور الخرافة في المجتمعات الحديثة وانتشارها، إلّا أنّ ما ينتج عنها من أضرار في الأوساط التي تعرف سيطرة التفكير السطحيّ والتحليل القشريّ وغياب العقلانية والاتّكاء على الأفكار البسيطة السطحية للدين أكبر من أن تحصر في ظاهرة بعينها؛ وذلك لامتداد جذورها في جميع مجالات المعرفة، كعلم الأحياء النظريّ، وعلم النفس النظريّ والتطبيقيّ، وعلم الاجتماع، والاتجاهات السياسية والاجتماعية. والسبب في هذا الحضور القويّ للخرافة يرجع إلى محورين اثنين: محور العقلية المتحجّرة، والمتخلِّفة علمياً ومعرفياً، والتي جعلت من نفسها قيِّمة على أمور الدنيا والدين، ومحور اللادينيين، والذين يبقى همّهم الأصيل محو كل ما يمتّ إلى الدين بصلة، والدفع بالمجتمعات إلى الإلحاد.
 
وقد نقل ابن الأثير، ضمن تعريفه للخرافة، رواية عن النبيّ الأكرم(ص) أنّه قال: "خرافة حقّ"؛ بمعنى أن الخرافة لا تكون دائماً حديثاً كذباً، وقد يكون لها وُجهة واقعيّة وصحيحة.
وفي المحصلة، فإنّ الخرافة في كتب اللغة وكتب التاريخ وتفاسير المتون الدينية والتعاليم الروحية هي عبارة عن الاعتقادات التي تفتقد إلى أساس علميّ، والتي لا تجد لها واقعيّة، ولا يقبلها العقل، كما إنّها لا تتوافق والأُسس الفكريّة المبنيّة على ركائز منطقيّة وعلميّة.
 
* خطر الخرافة على الفكر الدينيّ
تعتبر الخرافة مهما كان نوعها سيئةً، ولها توابع خطيرة، لكنّها حين تتواجد في الفكر الدينيّ، والتعاليم الدينية، أو ما يمكن الاصطلاح عليه بـ"الخرافة المذهبية"، فإنّها تكون أعظم خطراً وأشدّ ضرراً من غيرها. فالتعاليم الدينية والفكر الدينيّ بشكل عام يشغلان الحيِّز الأكبر والمهمّ من حياة الإنسان، ومن ثَمّ فإنّ توغّل الخرافة إلى الأفكار والتفاسير الدينية يعني في حقيقته توغلها إلى الفكر البشريّ وإلى الحياة البشرية؛ ما يشكّل خطراً أمام سعادة الإنسان الذي إنّما أرسلت إليه الرسالات لكي تهديه إلى طريق السعادة والفلاح.
 
(1) التمائم: مفردها تميمة، وهي عوذةٌ مكتوبة يتقلّدها المرء في جيده أو على ذراعه.
المصدر: مجلة بقیة الله(عج)