مقالة/ الجزء الثاني
دراسة تحليلية نقدية للأدلة والروايات التي استند إليها اليماني المزعوم أحمد الحسن
* نقد وتحليل ما يسوقه أحمد الحسن واتباعه من أدلة
شهدت الساحة العلمية العديد من الكتب والكلمات الناقدة لهذه الحركة يقع في مقدمتها كتاب (دعوة أحمد الحسن بين الحق والباطل)، والجدير بالذكر أن نقد ما يستند اليه هذا الرجل في تعزيز مدعاه يتمّ إما من خلال استعراض جميع الأدلة التي ساقها هو أو أتباعه ووضعها على طاولة النقد والتحليل، وإما أن يصار الى اختيار نماذج من تلك الادلة لتحليلها ونقدها، وهذا ما نختاره في هذه المقالة لعدة اسباب موضوعية؛ بما فيها أن الهذر من القول طريقة اعتادها مدّعو الانتماءات الكاذبة والأفكار المنحرفة، وخلط الغث بالسمين والتحليق مع الخيال وبناء هيكل من الأفكار الموهومة لإثبات مدعاهم.
ومن هنا على الناقد الحيطة والإمساك بأدوات النقد العلمي واعتماد سبل الحوار الصحيحة لكي لا يقع في شراك هؤلاء الدجّالين، ولا ينفق سنيّ حياته في رصد أدلة هؤلاء المشتتة، ومن جهة أخرى هناك الكثير من الأعلام ممن تابع أدلتهم وناقش مستندهم الامر الذي أغنانا عن متابعة جميع ما طروحه من أدلة والخوض في غمار أبحاث لا نرى جدوى من التعرض لها من قبيل شرعيّة إعطاء الخمس الى الفقهاء في زمن الغيبة، وحقّانية البحث السنديّ للروايات واعتماد قول علماء الرجال، والخوض في شرعية بعض العلوم كالمنطق والفسلفة، ومباحث الرجعة و… .
والجدير بالملاحظة هنا أنه من السهل اثارة الشبهة في القضايا الدينية وغيرها، الا ان ازالتها والاجابة عن الاسئلة المثارة ومحو آثارها العالقة في ذهن المخاطب تحتاج الى رصيد علمي وممارسة حوارية وفكرية جيدة واعتماد خطوات منهجية قائمة على أسس علمية رصينة، الامر الذي يحتاج الى متسع كبير من الكبير لا يمكن استيعابه في هكذا مقالة محدودة. من هنا نحيل القارئ الكريم الى الكتب والمصنفات التي دونت حول هذا الموضوع.
المبرر الآخر لاعتماد المنهج الثاني، هو أن أحمد الحسن لما زعم بأنه معصوم من الخطأ وأنه يملك علم رسول الله(ص) المصون من أي زيف أو زلل، فما هنا يكفي تفنيد بعض ما يسوقه من أدلة وبيان الكذب فيها، لاثبات زيف هذه المزعمة وقلع جذورها بلا حاجة الى استعراض كافة الادلة التي استند اليها.
ويمكن للمتابع لطبيعة الادلة التي يستند اليها هو واتباعه يجد أنهم يعتمدون مجموعة من الادوات في خداع الآخرين يمكن توزيعها على ثلاثة محاور: إعتماد الروايات الضعيفة والموضوعة، تقطع النصوص، وتحريف المعنى، وسنشير الى نماذج من ذلك من خلال مطاوي البحث.
*إعتماد الروايات الضعيفة والموضوعة
واحدة من المشاكل في مجال الموضوعات وجود كم من الروايات التي دستها يد الجعل والوضع لتحقيق مصالح مذهبية، ووجود روايات ظهرت في المصنفات المتأخرة، حيث يجد الباحث الكثير من تلك الروايات التي لا تفتقد الى المستند الشرعي والعلمي لاثبات حقانيتها وحسب بل الشواهد قائمة على كذبها وأنها من نتاج يد الوضع والتزوير. الّا أن هذه الروايات والاحاديث المبثوثة في التراث الاسلامي أصبحت مادة خصبة ومنهلا ثريا للكذابين والمحرفين وأصحاب البدع ومدعي المهدوية زيفا، فعلى سبيل المثال نجد الدعاة الاسماعيليين ولتعزيز ونشر بدعة مهدوية عبيد اللة المهدي في أفريقيا قاموا واستنادا الى بعض الروايات المنسوبة الى أهل البيت(ع) المبشرة بظهور المهدي في المغرب العربي، بوضع العديد من الروايات والاحاديث التي تؤيد هذا المدعى، مبشرين بظهوره في الفترة التي هيمن فيها الفاطميون على شمال أفريقيا، من قبيل ما نسبوه الى الإمام الهادي(ع) أنه بشر بأنه مفرّجٌ عنهم بعد أربعين سنة وسيصرف الله عنهم البلاء.
وقد عمد المبشرون الاسماعيلون لجذب البربر والبدو الى المهدوية، لوضع العديد من الأحاديث المبشرة بظهور المهدي في الوسط الشيعي، والتي يؤكد أكثرها على ظهوره في المناطق النائية وفي أطراف العالم الاسلامية كالزاب في أفريقيا والسوس في المغرب.
ولم يتخلف أحمد البصري عن هذه القافلة حيث وجد في هذا الصنف من الموضعات ضالته المنشودة لتعزيز دعوته، رغم وهن تلك الاحاديث وهشاشة قيمتها العلمية، منها:
ألف) الحديث النبوي المؤشر للملك فهد بن عبد العزيز
نقلوا عن مسند أحمد عن النبي: يحكم الحجاز رجل اسمـه علی اسم حيوان إذا رأيته حسبت في عينه الحول من البعيد وإذا اقتربت منه لا تری في عينه شيئاً، يخلفه له أخ اسمـه عبد الله، ويل لشيعتنا منه -أعادها ثلاثاً- بشروني بموته أبشركم بظهور الحجة.
وفي معرض استدلالهم بالحديث قالوا: فهد اسم يطلق على أحد انواع السباع المعروفة، وقد توفي الملك فهد عام 2005 م فتسنم الحكم من بعد أخوه عبد الله وفقا للعرف السائد في الوسط السعودي من انتقال الحكم من الاخ الى أخيه خلافا للمتعارف في الحكومات الوراثية حيث تنتقل السلطة من الأب الى الابن، وفي الحديث إشارة- حسب المزعمة- الى مصداق واضح وبارز في الخليفة السابق بأن اسمـه علی اسم حيوان وإذا رأيته حسبت في عينه الحول من البعيد وإذا اقتربت منه لا تری في عينه شيئاً، يخلفه له أخ اسمـه عبد الله. (انظر قسم التحقيق…، بلا تاريخ.
وقد اعتمد أحمد البصري على هذه الرواية للتيرويج لفكرة كوننا في مشارف عصر الظهور وأننا نعيش إرهاصات ظهور المنجي، فلا بد من أن يكون ظهور المهدي أو وصيّه أو رسوله قد شارف على الاقتراب، أو ظهر أمره.
وقد صرح الشيخ حيدر الزيادي بان الرواية المذكورة تشير الى تحقق علامات ظهور أحمد البصري وبدوّ ارهاصات تحقق ظهور الإمام المهدي(عج).
*مصدر الرواية:
الملاحظ من خلال استعراض مؤلفات مريدي واتباع أحمد البصري أن أول مصدر ظهرت فيه الرواية هو كتاب (مائتان وخمسون علامة حتى ظهور الإمام المهدي) لـ محمد علي الطباطبائي الحسني، وأنك لا تجد أثرا للرواية في مسند أحمد بن حنبل وسائر المتون الحديثية الشيعية والسنية، ولم يشر اليها أحد من الباحثين والمحققين من قبل، حتى أن الطباطبائي الحسني نفسه الذي دونها في كتابه اعترف هو الآخر بانه لم يعثر على مصدر ذكرت فيه الرواية، ومصرحا بانه لم يتثبت من نسبتها الى مسند أحمد بن حنبل، حيث قال: هذا الخبر نقله إليّ احد الفضلاء المطلعين!!!.
والعجيب أن الخديعة انطلت على أحمد البصري صاحب العلم الالهي المزعوم والمتبحر بعلوم أهل البيت(ع)، وانه لم يدرك أنها من المجعولات التي الصقت بالنبي الاكرم(ص) وأن لا أثر لها في مسند أحمد وغيرها من المصادر الروائية.
وأما وجودها في كتاب (مائتان وخمسون علامة حتى ظهور الإمام المهدي(عج)) فلا يضفي عليها شيئا من الاعتبار، وذلك ان الكتاب نفسه لم يعد من المصادر الروائية المعتبرة فحسب، بل هناك قرائن ومؤشرات تشي بهزالته وان صاحبه لم يعتمد فيه أسس ومقومات البحث الموضوعي والعلمي الرصين، من قبيل نزعته التطبيقية المفرطة، وان كانت على نحو الاحتمال من قبيل تطبيق حديث (الجهجاه) على محمد رضا البهلوي، مبررا ذلك بان الكلمة جهجاه هي في الحقيقة اشارة الى شاهنشاه قائلا بان الجيم بالنقاط الثلاث تعني شاهنشاه التي تعني ملك الملوك. ومن مؤشرات الضعف العلمي للكتاب تحديده الاحتمالي لزمن ظهور الإمام.
وطرح بعض الكلمات والخطب وتسويقها على انها احاديث والتي لا يوجد ما يناظرها في المصادر الحديثية ولم ترد في اي مصدر قبل عصر المشروطة الساخن بالتطبيقات على عصر الظهور حسب تعبير الشيخ رسول جعفريان (خبرآنلاين، رسول جعفريان: «بازار گرم تطبيق علايم ظهور در مشروطه السوق الحار لتطبيق علائم الظهور في زمن المشروطة»، ومنها اعتماد مفردة (طهران) والاشارة الى خصائص قصور طهران والنساء الطهرانيات الواردة في رواية منسوبة الى الإمام الصادق(ع)، فضلا عن استناده الى مصادر غير معتبرة في الشأن المهدوي من قبيل كتاب نوائب الدهور، بيان الائمة للسيد مهدي النجفي، وقائد الإمامية للسيد إبراهيم الزنجاني و... .
علماً أن الطباطبائي الحسني يشير في مقدمة كتابه هذا الى أن الاحاديث الحاكية لأمور الغيبة الكبرى لا يشترط فيها الثبوت ولا الأسانيد الصحيحة لانها ليست بتكاليف وجوب ولاحرمة، ومن هنا تراه يذكر الاعاجيب المنسوبة الى اهل البيت(ع)، ويختم كتابه بانه من انصار الإمام عليه السلام لرؤيا رأتها أمّه، وأنه سيدرك ظهور الإمام(ع).
*مضمون الحديث:
لن يجد المتأمل في متن الرواية أيّة اشارة الى ما يدعيه أحمد البصري، وليس فيها إلا عمومات تبشر- حسب الرواية- بظهور حجّة ما، ولكن ليس فيها ما يشير بحال من الاحوال إلى انطباقها على البصري وأتباعه، فما هو المبرر الموضوعي لتطبيق عنوان (الحجة) عليه!!، ومن جهة أخرى أن الرواية تقول (يخلفه له أخ اسمـه عبد الله، ويل لشيعتنا منه أعادها ثلاثاً بشروني بموته)، وهي صريحة الدلالة وفقا لقواعد اللغة العربية وعود الضمير الى اقرب الاسماء، بان الضمير يعود الى عبد الله، وان البشارة تاتي بعد موته لا موت أخيه فهد. وهذا ما اشارت اليه رواية الشيخ الطوسي التي حصرت البشارة بموت عبد الله من دون اشارة الى شخص فهد.
وعليه لابد من الاشارة الى أن أحمد البصري يكون قد أعلن عن دعوته قبل تحقق موعدها وتوفر شرطها، وكان عليه – على فرض التسليم بالرواية- أن يصبر حتى ينقضي حكم الملك عبد الله.
*ب) رواية خلع حاكم مصر
روي عن علي(ع) أنه قال: … صاحب مصر علامة العلامات و آيته عجب لها إمارات، قلبه حسن و رأسه محمد و يغير أسم الجد، إن خرج من الحكم فاعلم ان المهدي سيطرق أبوابكم، فقبل أن يقرعها طيروا اليه في قباب السحاب (الطائرات) أو أئتوه زحفاً و حبواً على الثلج؛
تدعي هذه الجماعة أن المعني بهذه الرواية هو الرئيس المصري (محمد حسني سيد المبارك)، الذي اسمه محمد ووسطه حسن ومع حذف اسم جده (سيد) يسمى محمد حسني مبارك، ومع خلعه من الحكم تكون العلامة قد تحققت وان الإمام المهدي(عج) على اعتاب الظهور وقد طرق ابوابكم وهو أحمد البصري.
*مصدر الرواية:
ينسب اتباع البصري على صفحات مواقعهم الالكترونية ومصادرهم التبليغة الرواية الى كتاب ماذا قال علي عن آخر الزمان تأليف السيد علي عاشور، والحال أن أقدم مصدر تعرض للرواية هو كتاب - المفاجأة، بشراك ياقدس- لمحمد عيسى داود. ويشترك المصدران في نقطة واحدة وهي انهما لم يشيرا الى المصدر الأم والمعتبر الذي استقيا منه الرواية، ومع الاخذ بنظر الاعتبار كون المؤلفين من المعاصرين وان الفاصلة الزمنية بينهما وبين أمير المؤمنين(ع) بعيدة جدا، وأنهما ينقلان عنه بالواسطة ومن خلال المصادر الاخرى، فان الموضوعية تقتضي الإشارة الى تلك المصادر لتكتسب الرواية قيمتها العلمية وحجيتها في الوسط المعرفي.
تحقيق: مهدي يوسفيان ـ محمد شهبازيان
ترجمة: علاء محمد النجفي